تجاوزت لوحة فان كوخ، التي تصور مزهرية بداخلها أزهار الربيع والخشاش من فن الطبيعة الصامتة، القيمة التي قدرت لها في السابق وهي 50 مليون دولار.
اللوحة التي رسمها فان غوخ في منزل طبيبه الفرنسي قبل أشهر من وفاته عام 1890، تعد واحدة من أعماله القليلة للغاية التي بيعت أثناء حياته بعشرين دولارا فقط. قالت صالة مزادات سوذبي إن اللوحة اشتراها مزايد خاص من آسيا.
يعتبر فنسن فان غوخ إحدى أهم الظواهر الفنّية، فقد أصبح هذا الرسّام رمزا للعظمة الفنّية. حياة فان غوخ تحوّلت بعد موته إلى أسطورة، وخاصة حقيقة تشويهه لنفسه (قطع أذنه) ومن ثمّ قصة انتحاره التي بقيت لغزا. وبات الكثيرون ينظرون إلى قصّة جنونه بما يشبه الاحترام والقداسة.
أسعار بيع لوحاته
في تلك المناسبات النادرة عندما تكون إحدى لوحات فان غوخ مطروحة للبيع في المزاد، فإنها تكسر الأرقام القياسية وتحصد عشرات الملايين من الدولارات. ومع ذلك فإن اللوحة الوحيدة التي قيل انه باعها أثناء حياته حقّقت له حوالي عشرين دولارا فقط.
قبل ربع قرن، بيعت إحدى لوحات سلسلة عبّاد الشمس بمبلغ 40 مليون دولار، وأزهار السوسن بـ 53 مليون دولار. كما اشترى ملياردير ياباني يُدعى "ريو سايتو" بورتريه الدكتور غاشيه بمبلغ 83 مليون دولار. لذلك لا يعد غريبا أن تباع "المزهرية" بـ61 مليون دولار.
والغريب أن "سايتو" أوصى بأن تُحرق اللوحة وتُدفن معه عندما يموت. ومنذ وفاة هذا المليونير الياباني الغريب الأطوار عام 1996، اختفت اللوحة تماما ولا أحد يعرف إلى الآن ما الذي حلّ بها.
فان غوخ في حياته
أثناء حياته لم يكن باستطاعة الرسّام بيع أيّ من أعماله. وفي الوقت الذي انتحر فيه وهو في سنّ السابعة والثلاثين، كانت لوحاته تُعتبر بلا قيمة أو أهمّية.
و لكن في بداية الحرب العالمية الأولى، كان الألمان يعرفون فان غوخ جيّدا. وكانت أعماله تُعرض في عدد من متاحفهم. وهناك من درس وحلّل أعماله في سياق سياسيّ. كما نشأت هناك طائفة تبجّله وتقدّس فنّه.
أسعار لوحات فان غوخ القياسية يضعها البعض في سياق الرواج الأوسع الذي تحقّقه أعمال الفنّ الحديث.
موهبة فذة
لكن، وبصرف النظر عن الأسعار والاتجاهات الفنّية، فإنّ هذا الهولندي الضئيل والمضطرب، كان يتميمز بموهبة فذة منذ طفولته. الذي فعله فان غوخ ممّا لم يكن موجودا في أيّ مكان من قبل، هو استخدامه الرائع للألوان والذي سيحرّر في وقت لاحق الرسم والرسّامين من إملاءات اللون المحلّي.
كان فان كوخ ابنا لمبشرّين هولنديَّين، وكان في حياته المبكّرة مشبعا بالدين. في القرن العشرين، كان فان غوخ يوصف بأنه عبقريّ أسيء فهمه وبأنه قدّيس وشهيد وبطل وأيقونة دائمة للثقافة الشعبية. المعجبون به يسافرون مسافات طويلة كي يروا أعماله الأصلية، والكثير من الأشخاص يزورون قبره ويذهبون إلى متحفه كي يقولوا "كنّا هناك".
السمة الأكثر وضوحا في شخصيّته كانت سرعة غضبه. وهو لم يكن أبدا راضيا عن فنّه أو عن نفسه ولا عن أيّ شخص آخر. كان فان غوخ أيضا شخصا نزقا وغير مستقرّ وغير اجتماعي. لم يكن يتقبّل النقد أبدا ولم يكن يتسامح مع رأي مخالف له. كما لم يكن يأخذ نصيحة من احد ولم يكن يثق بأحد، بل كان يشكّك في كلّ شخص تقريبا.
كان فان غوخ مزيجا من التعاسة والجنون والتحرّر من القمع الأكاديمي. ومن أفضل الأفلام السينمائية عن حياة فينسنت كان فيلم "شهوة للحياة" للمخرج فينسنت مينيللي الذي يقدّم فان غوخ كإنسان عبقريّ وكفنّان مجنون، من خلال استخدام صور قويّة وشخصيّات دراماتيكية.
إنتحاره
في احد أيّام شهر يوليو من عام 1890، أطلق فان غوخ النار على نفسه من مسدّس صغير. وقد أخطأت الرصاصة قلبه وبقي يومين في حالة غيبوبة إثر معاناته من نزيف دمويّ وعدوى لم يُعالجا في حينها.
ومنذ رحيله، أثيرت الكثير من الأسئلة والشائعات و التفسيرات المختلفة عن فينسنت وعن حياته وموته، وهذا يعتبر منأحد أسباب إرتفاع أسعار لوحاة هذا الفنان أيضا.