أخبار الآن | دمشق – سوريا – (آدم النقاش)
سبعة أشهر مضت على قطع المدخل الشمالي للعاصمة دمشق (الطريق الدولي (دمشق – حمص) إثر سيطرة الثوار عليه وتحديدا ً عند المدخل باتجاه العاصمة ما يعرف بطريق أوتستراد حرستا،
تبدّل طريق السفر على إثرها عبر جبل قاسيون باتجاه الضواحي التي لا تزال تحت سيطرة النظام ثم عبر طريق التل الملتف والممتد باتجاه الطريق الدولية الخارجية عند نقطة تقاطعها مع مدينة عدرا العمالية التي خسرها الثوار مؤخرا ً، ومن تلك النقطة يكمل المسافرون طريقهم عبر الطريق بين هضاب مدن القلمون إل حمص.
الطريق البديل الذي نتحدث عنه (عبر مساكن البحوث، برزة، معربة، التل، معرونة وغيرها)غير جاهز لهذا العدد من الحافلات والسيارات الصغيرة والشاحنات، تملأه الحفر وبرك المياه والوحل في الشتاء، وتسير عليه الحافلات ذهابا ً وإيابا ً دون منصّفات، بالإضافة لانتشار البيوت على جانبي الطريق ومحلات الباعة وأطفال المدارس يعبرون بفوضى بين ا لحافلات.
هذا في الجزء المؤقت والبديل من الطريق ناهيك عن كشفه لعدة مواقع عسكرية تابعة للنظام ما يشعر الركاب وكأنهم معرضين للخطف وزجهم في صفوف النظام في كل لحظة خاصة الشباب منهم.
على طول الطريق المتبقية من دمشق إلى بقية المحافظات وبالعكس، الحواجز باتت بالجملة والمسافر أو التاجر معرض لخطر اجتيازها ساعة تلو أخرى خلال رحلته الطويلة.
سنتحدث هنا عن حافلات نقل الركاب:
حواجز النظام تقوم بعملية "التفييش" حيث تجمع هويات جميع الركاب رجالا ً ونساءاً للبحث عن المشتبه بهم أو المطلوبين للخدمة والفارين من الانضمام إلى القتال في صفوف النظام، عملية "التفييش" هذه تطيل زمن الرحلة أكثر مما هي عليه بعد تغيير الطريق وقلما تنقضي الرحلة دون أن ينزل نصف الركاب على الأقل، وبخاصة الشباب لتبيان أوضاعهم والاحتفاظ بمن يشك في أمره، أو يمكن الاستفادة منه. لكن ذلك أيضا ً يخضع لعدة شروط: من أين تأتي هذه الرحلة وإلى أين تتجه، ومزاح الضباط والعساكر القائمين على الحواجز.
فالحافلة القادمة من حماه تذل أكثر من الحافلة القادمة من اللاذقية والأسوأ للقادمة من حلب وهكذا.
السيدات أيضا ً ينلن حصتهن من هذه العملية في مرات كثيرة، كما حصل مع "سعاد" وهي سيدة نازحة من الرقة إلى أحد قرى ريف حماه الخاضعة لسيطرة النظام.
تقول سعاد لأخبار الآن : " أعمل جاهدة ً على السفر مرة واحدة أجري خلالها كل احتياجاتي حتى لا أتعرض في كل مرة للـ "تفييش" والتفتيش والإهانة، ومناداتي أمام الجميع كمذنبة للسؤال عن سبب إقامتي في غير منطقتي، من قال لهم أني سعيدة بحياتي الجديدة ؟! لكن ليس في اليد حيلة .
"نضال" شاب وحيد ما يعني أنه غير ملزم بالخدمة العسكرية، لكن القانون السوري يقول بأن الوحيد يجب أن يحصل كل (سنة) على تصريح جديد حتى يصل عمر والدته إلى الخمسين عاما ً ويفقد الأمل في أن تنجب له أخاً يلزمه بالخدمة، وحينها فقط يحصل على تصريح يحمل فيه صفة "وحيد نهائي".
نضال لم تبلغ والدته الخمسين بعد، ما يضطره في كل مرة يقف على حاجز "تفييش" أن يشرح وضعه ويبرز الأوراق الثبوتية، وبما أن الورقة تعطى كل (سنة) اضطر مرة للسفر في وقت كانت السنة على وشك أن تنقضي، ما اضطر الرحلة التي تنقل نضال إلى السير وتركه يلقى مصيره مع الحاجز، كانت حجة الضابط كما قال : " ما الضمان أن الوالدة لم تنجب لك أخا ً خلال هذا العام؟! "
نزق ومزاجية عساكر الحاجز :
يمكن كتابة قصص لا تنتهي عن معاملة العساكر أو الضباط المسؤولين عن الحواجز.
"هدى" طالبة جامعية تضطر دائما ً إلى السفر إلى جامعتها في دمشق، تتمنى أن تمكث أطول مدة ممكنة لكن الغلاء في العاصمة يضطرها للعودة إلى بلدتها في ريف حمص لتوفير المال والعيش مع أهلها.
أكثر ما تكرهه هدى في رحلاتها الحواجزَ الكثيرة والمعاملة السيئة التي تلقاها هي وبقية الركاب من العساكر , تقول لأخبار الآن: يكفينا تحمل طول الطريق والمطبات والمنعطفات واضطرارنا للسفر باكرا ً حتى نصل إلى دمشق قبل حلول الظلام خاصة ً بعض قرارات منع تسيير الرحلات بعد غياب الشمس، لكن هؤلاء العساكر على الحواجز يشعرونك بأنهم يتربصون بنا ربما بسب الملل مرات وبقصد التسلية في مرات كثيرة يجمعون بطاقاتنا، يطلبون من بعض الركاب النزول من الحافلة، ثم يبدأون بالإساءة للشباب والاستهزاء بهم خاصة ً إذا كانوا من مناطق خرجت عن سيطرة النظام.غالبا ً ما يعاملونهم معاملة سيئة بداع ٍ ومن غير داعٍ , مرات يطلبون نزول الفتيات فقط لإهانتهنّ.
"الجابي" وهو مساعد سائق الحافلة الذي كان يوزع الماء والمناديل على الركاب غالبا ً يكون شابا ً صغيرا ً وكّلت إليه مهمة جديدة وهي جمع البطاقات على الحواجز التي لا تعد ولا تحصى، وإعادتها في كل مرة للركاب خوفا ً من ضياعها وليخلي مسؤوليته من ذلك.
تابعته في كل مرة ولاحظت أنه في نهاية الرحلة يحفظ أسماء أغلب الركاب إذا لم يعد يسأل كل واحد فينا عن اسمه بل يسلمنا الهويات سريعا ً، كيف لا ورحلة بين دمشق واللاذقية كانت تنتهي خلال 4 ساعات، صار يلزمها بين ال 10-12 ساعة لنصل منهكين، ينسى الجابي خلالها المرور علينا بكؤوس الماء بينما لم نعد نحلم بالمناديل أو حبات السكاكر التي تنازلت الشركات عن تقديمها واكتفت برفع أسعار الرحلات أضعاف مقابل موسيقى تصدح حسب مزاج السائق وأغاني طائفية غالبا ً بدلا ً من أفلام جاكيشان أو عادل إمام التي كانت تسلّي رحلاتنا عبر الشاشة الصغيرة المعلقة في مقدمة الحافلة وواحدة في وسطها.
الرحلة تطول، والليل يرخي ظله على الشارع الذي رمتنا الحافلة عليه منهكين، يتربص بنا سائقو التكسي ليطلبوا أسعارا ً خيالية ً لرمينا مجددا ً أمام أبواب بيوتنا المؤجرة غالبا ً.