أخبار الآن | دمشق – سوريا – (قيس الدمشقي)
وقف ضابط رفيع في قوات الأسد يتأمل من إحدى النقاط العسكرية في مدينة محردة، تلك القوات المهاجمة من الشمال والتي تنصاع الجغرافيا تحت أقدام مقاتليها، فيتقدمون بسرعة غير مسبوقة وسط انهيارات نقاط وحواجز أعدائهم في قرى ومدن وبلدات ومزارع ريف حماة الشمالي.
75 كلم هو امتداد الجبهة التي يتقدم فيها المقاتلون، شتتت قوات النظام ومزقت حصونها على الرغم من المراقبة الشديدة والرصد المستمر لتحركات قوات المعارضة المسلحة في عمق الريف الحموي وصولا إلى إدلب.
نجح فرقة مختصة من قوات النظام في الاتصال والتشويش بالدخول إلى الشيفرة الخاصة باللاسلكي التابع للفصائل المعارضة ورصد الإتصال التالي:
"أبو خالد أبو خالد…
أيوا أبو علاء…
في تقدم للشباب عند معردس بس بدهم مين يحميهم من الخاصرة الجنوبية لأنها مكشوفة…
يلا يلا شوي وبتكون مجموعة الوادي (وادي بردى) سدت الثغرة لاتحمل هم….
تمام.. مين معك على جبهة كوكب.. في لواء شباب قدسيا والهامة، وشباب داريا اتجهو على قمحانة"
ينظر ضابط النظام إلى من حوله من العناصر ويقول "لك نحن شو عملنا بحالنا؟".
كلام ضابط قوات السد كان نتيجة صدمته وهو يرى ويسمع كيف أن السحر ينقلب على الساحر بعد أن استجمع عناصر الثوار قوتهم وصنعوا من التهجير هجرة جديدة تحمل تباشير عودة الروح للثورة السورية من جديد.
كان خروج بعض مقاتلي الجيش الحر في "باصات التهجير" نحو إدلب يثلج صدور المؤيدين للأسد مع كل اتفاق يبرم بين النظام والثوار لإخلاء بعض المناطق في إطار مايسميه إعلام النظام بالمصالحات وخاصة في مدن وقرى وبلدات ريف دمشق.
وظن أنه بهذا يجهز على الثورة أو أنه على الأقل يحصر معارضيه في جغرافيا واحدة تقلّص عليه الجبهات وتسمح لقواته بالانقضاض على المعارضين في وقت لاحق بعد تهجيرهم وتجميعهم.
النشوة التي عاشها النظام وهو يرى علمه يرفرف فوق بعض المناطق في ريف دمشق بعد أن استخدم سياسة الأرض المحروقة والضغط الناري الكثيف على المدنيين والعسكريين، يعيشها اليوم جحيما، فهذه العناصر استطاعت توحيد كلمتها في ألوية مشتركة وتبادل الخبرات فيما بينها بعد أن التقى كل من ثوار داريا والتل وقدسيا والهامة ووادي بردى وخان الشيح وغيرها من المناطق، هناك في إدلب، وانتقلوا بذلك إلى الخطوة الأكثر جدوى بتنظيم الصفوف وفتح الجهات والانتقال من حالة الدفاع إلى الهجوم الواسع.
ولكن للأمانة فإن السواد الأعظم من شبيحة النظام لم يكونوا مطمئنين لخروج الثوار عبر التسويات، بل كانوا كعادتهم يطالبون بإبادة المقاتلين في المناطق التي هم فيها حتى وإن تطلب ذلك حرق المدن والبلدات بأهلها ومدنييها الذين يصفهم مؤيدو النظام " بالبيئة الحاضنة " والتي يجب بحسب أدبياتهم حرقها.
وبالطبع فإن النظام لم يكن ذو قلب كبير حتى لايصغي إلى كلام شبيحته، لكنه يدرك أنه عاجز عن فعل ذلك تماما وله في داريا مثال ودروس لا يمكن له أن ينساها.
أكثر من 11 ألف عنصر خرجوا بأسلحتهم الفردية من مناطق التسويات حتى الآن، اليوم بات معظمهم يشكلون خزانا بشريا للفصائل المعارضة في إدلب وحماه وحلب، ومع انخراطهم في العمليات بل وقيادتها، باتوا كابوسا يؤرق النظام وهو يرى كيف أنه وقع في الفخ، فلم يعد قادرا على استيعاب الجبهات التي تم فتحها بشكل واسع، فما أن يركز على منطقة حتى يتلقى صفعة في أخرى، بينما كان سابقا يكتفي ببعض الحواجز وفرض الحصار على المناطق الثائرة مع توجيه ضربات بين الحين والآخر، بل وكان يملك زمام الأمور بحيث لا تشتعل منطقة خارج سيطرته لولا أنه يقوم بعمل عسكري ما ضد هذه المنطقة.
وماتركه مقاتلو المعارضة المسلحة من أسلحة متوسطة وثقيلة في المناطق التي خرجوا منها يغنموه اليوم أضعافا بسيطرتهم على حواجز وثكنات عسكرية تحتوي على كميات هائلة من الذخائر والآليات التي سرعان ما يتم سحبها إلى العمق الآمن عن طريق ألوية الإمداد التابعة لفصائل الجيش الحر.
وأكثر ما يقلق النظام هو أن "ثوار التسويات" ينشطون في المنطقة الوسطى، وهم قادرون على صناعة الفرق من خلال إعادة وصل الجغرافيا بين أرياف حماة وحمص وإدلب، وبالتالي فرض حصارهم على مناطق النظام وتقطيع طرق إمداده هناك، والتقدم بالتالي إلى مزيد من الجغرافيا التي على مايبدو بدأت تنتقل بالعدوى إلى الجبهات الأخرى، حيث أن استعار الجبهات بوقت متزامن هو ما كانت تحتاجه فصائل الجيش الحر والمعارضة لإرباك النظام وتشتيته.
ولا أحد يدري ما إذا كان سير الأمور بعكس أشرعة نظام الأسد سيضع حدا للتهجير القسري الذي يتم فرضه على بعض المناطق المحاصرة، خاصة وأن الثوار استطاعوا أن يحولو الباص الأخضر اليوم إلى لعنة على النظام، ربما بدأت في حماة ولن تقف عند تخوم حمص.
اقرأ أيضا:
صوت معارك دمشق وحماه يسمع في محادثات جنيف 5