مأساة نيجيريا

تزدهر في نيجيريا ظاهرة اختطاف الأطفال من المدارس، والتي بدأت منذ عدة سنوات، وأصبحت ظاهرة متكررة، تشمل التلاميذ من مرحلة ما قبل المدرسة إلى الجامعات، أصابع الاتهام تشير إلى بوكو حرام التي اتخذت خطف الأطفال مصدر رزق لها فأكثر من 4 آلاف حالة اختطاف تمت في 2023 وحدها الدمعة حاضرة في عيون الأمهات والحزن يعصر قلوب الآباء والأخوة. فكيف أثرت تلك الظاهرة على حياة النيجيريين الذين تركوا بيوتهم ونزحوا إلى مخيم اللاجئين؟

تعصف بنيجيريا أزمة اقتصادية هي الأخطر منذ ثلاثة عقود البلد الأكبر في القارة السمراء من حيث عدد السكان يشهد ارتفاع مستويات البطالة والفقر وانخفاض مستوى الأمن إذ تسيطر الجماعات الإرهابية على مناطق متعددة بالبلاد فهنا بالشمال الشرقي تنتشر الجماعات المنتمية لداعش وبالشمال الغربي ففيه جماعات الجريمة المنظمة بأشكالها المختلفة بما في ذلك جرائم الهجرة غير الشرعية.

أما الوسط فيشهد صراعاً دامياً بين الرعاة والمزارعين ويعاني الجنوب ذات الأغلبية المسيحية من نزعة انفصالية شديدة هذه الأوضاع المأساوية زادت من تفشي الجريمة في البلاد وخصوصاً خطف الأطفال ففي السابع من مارس الماضي.

تعرض أكثر من 200 طالب وطالبة للاختطاف من مدرسة ثانوية وابتدائية في بلدة كوريغا بشمال نيجيريا وبعد يومين فقط تم اقتحام مدرسة في شمال غرب البلاد حيث تم اختطاف ما يقارب 15 طفلاً في ولاية سكوتو وبينما كانت قوات الأمن تبحث عن التلاميذ الذين تم اختطافهم. نُفذت عملية اختطاف ثالثة في منطقة كايوري في الثاني عشر من نفس الشهر ليصبح الاختطاف مع الوقت صناعة مربحة في نيجيريا تدر ملايين الدولارات على شبكة العصابات الإجرامية فكثيراً ما تضطر الأسر إلى جمع الأموال لدفعها للعصابات

أكثر من 4000 حالة اختطاف تمت في2023 وحدها في نيجيريا

في عام 2023 شهدت نيجيريا ارتفاعاً كبيراً في عدد حالات الاختطافبلغت حوالي 4000 حالة وهو أعلى مستوى تم تسجيله منذ خمس سنوات وفقاً لبيانات مواقع النزاع المسلح والأحداث أما تقرير “فايننشال تايمز” فيرجح أن العدد الفعلي للمختطفين أعلى من ذلك بكثير نظرا ًلعدم الإبلاغ عن العديد من الحوادث.

وعلى الرغم من أن عمليات الاختطاف كانت تستهدف الفتيات بشكل أكبر من الشباب في السابق إلا أن العمليات الأخيرة تستهدف الجنسين على حد سواء وتشمل الطلاب من جميع المراحل التعليمية حيث كانت هناك سلسلة عمليات اختطاف متصاعدة منذ عملية شيبوك في 2014 مروراً بعملية جانجبي في عام 2021 التي صُنِفَت بأنها أكبر عملية اختطاف جماعي لحوالي 300 طالباً  حتى عملية لافيا في 2022 مروراً بعمليات 2023 و2024 التي جعلت الأسر تفر من بيوتها وتهرب إلى مخيمات اللاجئين.

أخبار الآن التقت بجورا ياهونا، أحد الضحايا النازحين في كادونا النيجيرية الذي روى تجربة مروعة تعرضوا لها على يد الخاطفين، حيث هاجموا منازلهم وقتلوا عدداً من السكان وخطفوا آخرين مطالبين بفدية كبيرة قائلاً: “هجم علينا الخاطفون وهجرونا من منازلنا، وقتلوا حوالي 12 شخصاً، بعد أن قتلوا السكان هجرونا، ثم قاموا بخطف العديد من الأشخاص وطالبوا بفدية كبيرة، ونحن لا نملك هكذا مبالغ ولا يمكننا تأمينها، لكن تمكنا من جمع 2.5 مليون”.

وتابع: “لقد قتلوا نساءنا ورجالنا وأطفالنا، وهذا زاد من صعوبة حياتنا؛ لأنه لم يعد يوجد من يساعدنا، أو من يمكن أن نطلب منه العون كأهلنا مثلًا، وأولادنا الذين هربوا معنا إلى مارابا ريدو والذين يُفترض أن يكونوا في المدرسة، لا زالوا محرومين من التعلم لأننا لا نملك المال لدفع تكاليف المدارس، فنحن بالكاد يمكننا تأمين الطعام لعائلاتنا، وهذا الامر يقلقنا”.

خطف الأطفال في نيجيريا مقابل فدية.. مصدر رزق بوكو حرام

أخبار الآن في كادونا النيجيرية ترصد أوضاع ضحايا ظاهرة الخطف

هروب الأهالي

التقينا بساندرا فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً من أغومبا أوغوندو بشمال وسط نيجيريا تقيم الآن في مخيم النازحين في مارابا ريدو منذ 3 سنوات مع والدها منذ تم اختطاف والدتها ولم تذهب إلى المدرسة منذ ذلك الحين لأن والدها لا يستطيع تحمل تكاليف إعادتها إلى المدرسة لقد تركوا منزلهم فراراً من قطاع الطرق ألتقينا بها لنسمع قصتها، فقالت: “تركنا المنزل لأن الخاطفين كانوا يلاحقوننا، لذا أتينا إلى هنا. لم أستطيع الذهاب إلى المدرسة لأنه ليس معنا مال، المال الذي كان يجب أن يغطي تكاليف المدرسة، دفعناه كضرائب للخاطفين”.

الكثير من أولياء الأمور الذين فقدوا وظائفهم وفروا إلى مخيم النازحين لجأوا إلى العمل في الزراعة وهذا ما أوضحه جورا ياهونا، أحد الضحايا النازحين قائلاً: “ليس لدينا وسيلة أخرى للبقاء على قيد الحياة سوى الزراعة، لذا يجب على الحكومة أن تساعدنا حتى نتمكن من العودة إلى ديارنا. المساعدة الوحيدة التي نحتاجها هي الأمن حتى نتمكن من زراعة وإطعام عائلاتنا بدلاً من الاعتماد على الناس للحصول على المساعدة. اليوم، بغض النظر عن حجم الأموال المقدمة لنا، فهي لا تكفينا سوى لشراء الطعام، كم يمكننا الاستمرار على هذا النحو؟ لهذا السبب نحن نطالب الأجهزة الحكومية والأمنية بمساعدتنا”.

خطف الأطفال في نيجيريا مقابل فدية.. مصدر رزق بوكو حرام

 

لكن حتى مصدر رزقهم الوحيد هذا سُلب منهم إذ تم اختطافهم بشكل فردي واضطروا لبيع منتجاتهم الزراعية من أجل إنقاذ أحبائهم مما جعلهم يخسرون كل شيء، فيقول أحد الضحايا لـ “أخبار الآن“: “أزواجنا الذين من المفترض أن يخرجوا ويبحثوا عن قوت يومهم لعائلاتهم إذا خرجوا لا يعودوا. ففي معظم الأحيان عندما يذهبون إلى المزرعة للعمل، لا يعودون إلى المنزل لأن رعاة الفولاني عادة ما يتبعونهم إلى المزرعة ويقتلونهم. نحن نعاني الأمريّن ونأمل أن نجد أشخاصاً يمكنهم مساعدتنا للعودة إلى منازلنا وقرانا، لأنه حتى لو حصلنا على دعم مالي وبقينا هنا في مارابا ريدو، فلن يكون ذلك مفيداً لنا. حتى لو حصلنا على دعم غذائي لن تتحسن معيشتنا”.

من المسؤول؟

رغم تراجع نفوذ جماعة “بوكو حرام” وغيرها من الجماعات المسلحة بوسط أفريقيا إلا أن عمليات خطف الأطفال لا تزال مستمرة كونها مصدر رزقهم وتجدينهم مس

يرى مراقبون أن تلك الجماعة تتخذ خطف الأطفال وسيلة لتحقيق أهدافها بما فيها إثبات قوتها داخل المجتمعات الريفية بشمال نيجيريا وجنوب النيجر وتعتبر هذه العمليات فرصة لها لنشر أفكارها المسمومة في الصغار فخطف الأطفال يسهل عليها تجنيدهم فيما بعد  إذ تعمل على الاستحواذ على عقولهم والتأثير في نشأتهم ليرجعوا إليها طواعية  بعد إطلاق سراحهم ومن ثم تجدد دماءها وبنيتها على المدى الطويل كما يستهدفون ضرب هيبة الدولة وتذكير المواطنين بقوة المسلحين ولو بعمليات بسيطة تستهدف اختطاف الأطفال من المدارس والمواطنين في القرى المعزولة ثم طلب فدية لإرجاعهم. هذا الأسلوب السهل في الحصول على المال

شجع العصابات الإجرامية المعروفة بـ”قطاع الطرق” على تنفيذ بعض عمليات الخطف الجماعية في شمال غربي نيجيريا وشمالها باستهداف المدارس والقرى والطرق ووسط غياب الأمن يتمكن المسلحون بسرعة من اختطاف أعداد كبيرة من الأشخاص للحصول على فدية رغم تراجع نفوذ بوكو حرام إلا أنها لا زالت تنفذ عمليات الخطف للأطفال كون المجموعة تعتمد على الفدية فى تمويل أعمالها وكذك على الأطفال في التجنيد.

في ذلك السياق قال أدامو سليمان، منسق مخيم النازحين داخلياً في كادونا أنّ الخاطفون يطالبون بفدية كبيرة، قائلاً: “نحن لا نملك أي شيء لنقدمه مقابل إنقاذ حياتهم، زوجة أبي و زوجة أخي وأولادهم قد تم اختطافهم، و نحن لا نعلم كيف يمكننا إنقاذهم، فنحن لا نملك شيئاً! عمليات الخطف الجماعي في نيجيريا تعد الآن المشروع الإجرامي الأكثر ربحاً بالنسبة إلى الجماعات المسلحة في المنطقة الشمالية الغربية”.

نظراً إلى حجم الفدية ووفقاً لأرقام عمليات الخطف تسببت بإغلاق المدارس مما حرم 15 مليون طفل نيجيري على الأقل من المدارس الشركات أمنية المتخصصة خلال الفترة بين يوليو 2022 ويونيو 2023 تم خطف 3620 شخصًا في 582 هجومًا في نيجيريا ومنذ تولي الرئيس بولا أحمد تينوبو منصبه في مايو 2023 وحتى بداية مارس 2024 سُجِّلَت 3964 حالة خطف.

خطف الأطفال في نيجيريا مقابل فدية.. مصدر رزق بوكو حرام

تشير أصابع الاتهام بشكل كبير إلى جماعة بوكو حرام في اختطافها للتلاميذ في نيجيريا لتنفيذها عدة عمليات اختطاف للتلاميذ من المدارس منذ عام 2014 فنيجيريا تواجه الإراهب والعنف منذ تأسيس هذه الجماعة في 2002 وانغمس الجيش النيجيري في مواجهات دامية مع بوكو حرام منذ ذلك الحين ومن أبرز أسباب المواجهات عمليات اختطاف الجماعة لتلاميذ المدارس بين الحين والآخر وتسعى الجماعة للسيطرة وبسط نفوذها تحديدًا بعد مقتل الزعيم الداعشي “أبو مصعب البرناوى” في 2021

المتهم الثاني في خطف الأطفال هي جماعة الفولاني العرقية يتم التشكيك في هؤلاء الشباب الذين عملوا كرعاة ماشية وهم محاصرون في نزاع استمر لعقود مع جماعات الهوسا العرقية ويسعى المسلحون الذين يُنسب انتماؤهم إلى مجتمع الفولاني الرحل إلى تنفيذ عمليات الاختطاف الجماعي في ولاية زامفارا.

القلب الزراعي لنيجيريا لمحاربة مجتمعات الهوسا العرقية للحصول على فدية والاستيلاء على موارد الأراضي والمياه ومناجم الذهب بالقوة وذلك نتيجة شعور هؤلاء الشباب المسلحين بالإهمال من الحكومة النيجيرية.

أما المتهم الثالث فهم عصابات تعمل عبر معسكرات في مناطق نائية بنيجيريا وهي عصابات هادفة للربح في المقام الأول وفقاً لصحيفة  Daily Trust النيجيرية ومن المحتمل حصول تلك العصابات على الدعم اللوجستي من السكان المحليين ولا يُعرف حتى الآن نوايا وخلفيات تلك العصابات المسلحة أو صلاتهم بالجماعات المتطرفة الأخرى وعلى الرغم من الغموض حول هوية منفذى عمليات الاختطاف خلال مارس الماضي تبقي جماعة بوكو حرام هي المتورط الأكبر فيها.