أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (راغب شحادة وفاطمة جنان)
اليوم العالمي للغة الأم هو الإحتفال السنوي في جميع أنحاء العالم لِتعزيز الوعي بالتَنوع اللغوي والثقافي وتعدد اللُغات، وقد اعتُبرالـ 21 من فبراير/ شباط اليوم العالمي للغة الأُم، وأُعلن عنه للمرة الأولى من قبل منظمة اليونسكو في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 1999م، ومن ثُم تم إقراره رسمياً من قبل الجمعية العامة للأُمم المتحدة، وقد تقرر إنشاء سنة دولية للغات في عام 2008م
ولا شك أن العالم وبفضل التقنيات الحديثة والتطور الهائل في أنظمة ووسائل الإتصال أصبح بالفعل قرية كونية، وأصبح اختلاط الثقافات أمرا واجبا على من أراد أن يغرد خارج سربه وبيئته.. سعيا وراء العلم والعمل وطلبا للمزيد من المعرفة وصقل الذات ولعلنا هنا نستذكر قول الشاعر "تغرب عن الأوطان في طلب العلا .. وسافر ففي الترحال خمس فوائد.. تفريج هم واكتساب في معيشة.. وعلم وآداب وصحبة ماجد".
اليوم قد حيزت لكل منا مشارق الأرض ومغاربها بحيث يستطيع أحدنا أن يتعرف على بلاد ما خلف البحار بكبسة زر، وأن يتبصر في أحوال أهلها وثقافاتهم وطباعهم، الأمر وبالرغم من روعته الا أنه يفرض علينا أن نخاطب أنفسنا خطابنا جادا.. هل هذا التشرب من لغات الآخرين وعاداتهم أمر يتسبب بلي ألسنتنا وحرفها عن الموروث ويصبغ هويتنا بألوان هجينة أم أن ذلك يثري فيها ويضفي عليها مزيدا من التالق؟
إقرأ: أحمد جرادات.. قصة نجاح لاجئ سوري تفوق في اللغة والمدرسة
بهذا الصدد كان لموقع أخبار الآن حديث مع الباحث الأكاديمي والمختص في اللسانيات عضو المجلس الدولي للغة العربية الأستاذ أسامة منير ابراهيم فقال:
علينا أن نبحث في مسؤولية الحفاظ على اللغة الأم عند أي شعب، وأخص هنا لغتنا العربية فالحديث في المقام الأول هو عنّا، فحين نقول لغتنا يعني أننا نقول من نحن؟ والسؤال عن اللغة الأم هو السؤال عن الأنا عندنا وعن "النحن" بطبيعة الحال.
هل هنالك شعبٌ كُتبت مآثره وأثره بغير لغته الأم؟ وهل تعرفنا إلى نتاج الحضارات الأخرى الثقافي والفكري والمعرفي بغير لغتها الأم ؟ لم نعرفهم إلا حين تعلمنا لغاتهم كما هي دون أدنى ريبٍ في نقل المعرفة عنها ومنها.
وأهمية الحفاظ على اللغة تتأتى من أهمية الحفاظ على هويتنا والأنا الخاصة بنا. فليس من أمةٍ نهضت عبر التاريخ إلا بلغتها الأم، مثال ذلك القريب هو اليابان ذلك البلد الذي خرج من الحرب العالمية الثانية تلالاً من الأنقاض ومخلفات الحرب، لم تنهض اليابان بالجيل الذي بنى اليابان فيما بعد إلا بتعليمه بلغته الأم، وتبعتها ماليزيا وكوريا وتركيا، وهات من هذه الأمثلة التي تقودنا وتعيد تأكيد ما بدأت به قولي أن اللغة الأم هي الأنا عندنا هي أنانا وهي النحن وبدونها لم يعرفنا أحد.
"تحديات تهدد الهوية من خاصرة اللغة"
يتابع الأستاذ "أسامة ابراهيم" أما عن التحديات التي تواجه لغتنا العربية فهي كثيرةٌ وهو حال طبيعي تمر به الآن كل لغات العالم، فنحن جزء أصيلٌ من المجموع الإنساني والعالمي فلنا وعلينا أن نتاُثر بارتدادات ذلك التفاعل في منظومة العولمة.
التحديات تبدأ أولاً في ساحة العلم، والذي يصدر للعالم بنسبة الثلثين مثلاً عن اللغة الإنكليزية حصراً! فأهم المخابر العلمية اليوم والجامعات المنتجة لأحدث الإبتكارات ولكل جديدٍ في العلم ومفرداته هي بالإنكليزية، وهنا نقف لحظة لتحديد قدرتنا ومرونتنا وكفاءتنا وإبداعنا بإحتواء العربية لما أستجدَّ واستحدث في ميدان العلم ونقله للعربية بثوبٍ عربيٍ سليم يحمل هويتنا وصبغتنا وعظمة لغتنا العربية التي لن تضيق ها هنا عن اسم الةٍ أو مخترعات.
كما قال شاعرنا العظيم حافظ إبراهيم . تحدً أهم نواجهه عند الأجيال الحالية وهي اختلاط الألفاظ عندهم بلهجات وألفاظ غيرعربية وأعتياد استخدامها كأنها لغة أم وليس فيها أي عيب أو لحنٍ أو خروجٍ عن أصالة لغتنا. ما امتدَّ من اللغة المنطوقة والتي ربما الأخطاء فيها والإدخال من لغات أخرى مبرر، الى اللغة المكتوبة وهي كارثة حقيقيةُ كبرى بحق لغتنا.
ويضيف الأستاذ "ابراهيم"، عصرنا كما يقول "مارسيل غورشيه" هو "عصر الهويات دون منازع ويقبل هذا اللفظ ويلبسه دون أي مواربةٍ أو غرابة"، فكما أسلفت أن نتفاعل مع محيطنا العالمي هذا أمر طبيعي فنحن جزء أصيل من محطينا الإنساني ونتاجه.
أما أن نتماهى فالكلمة هنا مخيفةٌ إلى حدٍ بعيد، ولست شخصياً معها، فكيف للغة مثل العربية أن تقف لغويا " لسانياً وبنيوياً على الجانب الآخر في طبيعتها البنيوية واللغوية من اللغات الجرمانية أو اللاتينية الغربية، والتي تضم اللغات الأكثر انتشاراً حول العالم مثل الإنكليزية والفرنسية والإسبانية، والتي معهما ندرس التماهي فهي الأكثر تأثيراً بنا.
اللغات تختلط اختلاط الماء بالماء نعم، لكن على أهلها والمؤسسات ذات العلاقة أن تقيم وتعمل على تنقية هذا الماء كل ردحٍ من الزمن، لتبقى لغتنا ناصعةً كأنها الزبرجدةُ والحرف مخبوءٌ بها تتلألأ بالمعاني عبر الزمن.
وينتهي الباحث بالقول، أمّا عن حاضر اللغة العربية، فهو حاضرٌ رغم كل الصعوبات والمعوقات يبشر بالخير، فحركة التأليف والترجمة في العربية ومنها وإليها هي في مستوى يبعث على التفاؤل، وأمّأ مستقبل العربية فهو رهنٌ لعوامل كثيرة منها وأولها الحالة الدستورية والتشريعات التي تخص الحفاظ وحماية وتدريس العربية في التعليم العام، وجهود المؤسسات الرسمية المعنية، العلمية والبحثية والإعلامية، وبالطبع أيضاً الجهود الفردية لأبناءها في الحفاظ وصيانة لغتهم الأم عبر الزمن.
إقرأ: خاص | في الذكرى الـ6 لقيامها "الثورة الليبية بعيون مراسلي تلفزيون الآن"
أهمية اللغة الأم من جانب تربوي وبيئي .. "التشبث باللغة الأم.. رغم التنوع اللغوي"
ما يؤرق الأباء فعلا في المجتمعات التي تحوي تنوعا لغويا كبيرا، هو إيجاد طريقة يمكن من خلالها الحفاظ على اللغة الأم، بهذا الخصوص قالت المستشارة التربوية والنفسية بالهيئة العامة لرعاية الشباب والرياضة بدبي السيدة "هند البدواوي" لموقع أخبار الآن، إنه "يمكن التشبث باللغة الأم وحفظها من الضياع من خلال المحافظة على المحادثات اليومية بين الأبناء والأهل والزيارات العائلية وتجمعات الاصدقاء في المجالس الشبابية والأندية، الى جانب تشجيع الأبناء خاصة في سن مبكرة على التعود على استخدام اللغة الأم في المحادثات خاصة، وإن كان يتلقى التعليم الأجنبي أو متعدد الثقافات في المدارس الخاصه أو الحكومية هنا يمكن اللجوء الى ورشات تدريبية لغير متحدثي اللغة الأم لكل جنسية حتى لا تفقد هويتها.
غالبا ما نتساءل ما إذا كانت اللغة الأم تخدم مصلحة الطفل من ناحية اكتساب المهارات والمعارف، وهنا أكدت السيدة "هند" أن المدرسة الأولى للطفل هي "الأم"، فاذا كانت تتقن اللغة "الأم" فهي تساعد على "فلترة" ما يتلقاه الطفل خارج نطاق الأسرة، وبالتالي تحافظ على سعي الأبناء للحفاظ على اللغة الأم بدون تشويه، وتعلم مهارات الفصل التي يتلقاها بلغته. لذلك يجب الرجوع دائما للغة الأم، مع استخدام اللغات الاخرى على حسب الضرورات والمواقف اليومية.
من جهة أخرى، من المؤكد أن اللغة هي وسيلة للحفاظ على الهوية والانتماء لكل شخص، وهو ما يعتبر حقا مشروعا يجب التمسك به، هنا أكدت السيدة "البدواوي"، أن "الحفاظ على الموروث الثقافي لكل فرد حسب جنسيته، يساهم في الحفاظ على بصمته وهويته الخاصة التي تميزه عن الآخرين، فوجودنا في عالم متنوع يشجعنا على التنوع وليس التشبه بحيث يصبح الجميع نسخه من الآخر".
إقرأ المزيد
خاص | في اليوم العالمي للإذاعة: "مذيعو راديو الآن في حديث من القلب للقلب"
على راديو الآن: في هولندا مدراس لتعليم اللغة والإندماج ونشر الثقافة ودعم الصحة النفسية