ماذا يحدث عندما يختلط الدين بالسياسة؟ إليكم قصة الشيخ عبدالمجيد الزنداني

لقد عُرف الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني دائمًا في حالةٍ من إثارة الجدل بين أوساط الشعب اليمني، جمعًا بين المتناقضات ودمجًا للمُتعارضات، بينما كان يصف الوحدة اليمنية مع الجنوب كُفرًا؛ كما في مقالته الشهيرة “لا للدستور، والوحدة كفر”، وأفتى بعد ذلك بوجوب الوحدة اليمنية معتبرًا أنها أحد واجبات الدين، وقد حرَّض مع حكومة علي عبدالله صالح في شمال اليمن ضد حكومة جنوب اليمن في حرب صيف 1994 تحت شعارات دينية مُتطرفة، ومن ذلك “قتال الشيوعيين الملحدين في الجنوب”.

يقول مقبل الوادعي مؤسس السلفية في اليمن -إن صح التوصيف-: “الديلمي والزنداني، أفتوا بقتل إخواننا الجنوبيين ولبَّسوا ودلَّسو على الناس”، ثم أيضًا في اللقاء المشترك والذي كان للزنداني دورًا مهمًا فيه وقف عبدالمجيد مع من وصفهم بـ”المُلحدين الإشتراكيين” بالأمس جنبًا إلى جنب ضد الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح.

قد أخفق الزنداني في دراستهِ الجامعية بكلية الصيدلة في جامعة عين شمس بالقاهرة، إلا أنه تمكَّن من الحضور في الأوساط اليمنية منذ وقتٍ مبكر كسياسي ورجل دين مؤثر، وكما أن عبدالمجيد الزنداني كان نائبًا لرئيس الجمهورية اليمنية في وقتٍ سابق، وكان أيضًا أحد أبرز المُحرضين لإسقاط علي عبدالله صالح وبـ”القوة” كما كان يُنادي في ساحة التغيير بصنعاء.

وكالعادة إثارةً للجدل وجمعًا بين المُتناقضات؛ مع أن الزنداني محسوبًا على المُكوِّن السُّنِّي في اليمن فقد نادى بدفع الخُمس في إحدى فتاواه لـ”آل البيت” على طريقة الشيعة، وهو ما أثار غضبًا واسعًا في الأوساط اليمنية عمومًا تجاه هكذا فتاوى “عُنصرية طائفية”.

وكما أن الزنداني أيضًا كان أحد أبرز قيادات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان كان أيضًا من جملة القيادات الإخوانية التي باركت ثورة الخميني وبايعتْهُ، وقد ذكر نعمان الوتر مؤلف كتاب “الخطوط العريضة لجماعة الإخوان المسلمين وخلافتهم المرتقبة” نقلًا عن “أبي الحسن المصري المأربي” أن عبدالمجيد الزنداني يُصرِّح أنَّ في عنقه بيعة للخميني، وقد ذكر الوتر ذلك في كتابه بعد أنِ انشق عن أحد التيارات المَحسوبة على جماعة الإخوان في اليمن، هكذا كانت مسيرة الزنداني في حالة من التناقضات الدائمة.

عبدالمجيد الزنداني.. ماذا أرسل للحوثي قبل وفاته وكيف أحدث تناقضًا لتنظيم القاعدة

عبدالمجيد الزنداني.. وتُهـم الإرهـاب

وجهت وزارة الخزانة الأمريكية منذ وقتٍ مبكر للشيخ عبدالمجيد الزنداني تهم دعم الإرهاب، ومع أن الزنداني واجهَ كل تلك التهم بالنكران والتكييف، إلا أن لعبدالمجيد تاريخًا حافلًا في دعم وزراعة بذور التطرف والإرهاب، فقد نجح في تأسيس ما يُسمى بحركة “الأفغان العرب” نواة القاعدة وداعش لاحقًا، إلى جانب أنه أحد أهم وأبرز وأقدم مؤسسي الإخوان المسلمين في اليمن.

وقد استمر دعم الزنداني لتنظيم القاعدة دون توقف أو تواني، فقد كشفت وثائق “أبوت آباد” دعم الزنداني للجِهاديين المُلتحقين بتنظيم القاعدة خاصةً.

وقد كان الدعم الزنداني ينطلق تحديدًا من جامعة الإيمان والتي كان الزنداني يتخذها كغطاء لدعم الجماعات المُسلحة المتطرفة، إلى جانب تفريخ جيل من المُتطرفين، ممن برزوا لاحقًا كقيادات شرعيّة وميدانيّة في تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، ومن أبرزهم (حارث النظاري) القيادي الشرعي البارز في تنظيم القاعدة و(أبي هاجر مُزهر العدني) -عضو اللجنة الشرعية لتنظيم داعش في ما يسمى بـ”ولاية اليمن”-، وقد صرَّح الدكتورعبدالله النفيسي: أن عبدالمجيد الزنداني كثيرًا ما يدعو للحوار مع تنظيم القاعدة أو (أنصار الشرعية) في اليمن.

الزنداني حالة من المُتناقضات.. يُحدث تناقضًا لـ"تنظيم القاعدة" وخلافًا داخل "جماعة الحوثي"

عبدالمجيد الزنداني وأبو هاجر مزهر العدني عضو اللجنة الشرعية لتنظيم داعش في ما يسمى بـ”ولاية اليمن”، وأحد أبرز القيادات الميدانية

جاء في أحد أوراق وثائق “أبوت آباد”: أن عبدالمجيد الزنداني جهَّز الكثير من الجهاديين في جامعة الإيمان بصنعاء، وقد كانت انطلاقتهم من هناك، وليس ذلك فحسب بل ذكر أنَّه تم توجيه عددًا آخر من جامعة الإيمان وليس فقط تجهيز من جاء إليهم، ولم يخفَ ذلك في البيان الأخير لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والذي جاء تحت عنوان: “بيان تعزية في وفاة الشيخ العالم: عبدالمجيد الزنداني”، فقد حمل البيان عبارات التعظيم والإجلال، وكما أشار لدور الزنداني في حرب أفغانستان.

أما كُتب الزنداني فقد خلف فيها إرثًا مليئًا بالتطرف والعنف والإرهاب، فالبدء من كتاب التوحيد الذي حاول جاهدًا فيه الترويج لمسائل الحاكميّة، وما سبق ونظر له سيد قطب، وقد مثَّل الزنداني الجناح القطبي المتشدد في جماعة الإخوان، وقد كان الزنداني متأثرًا بـ”سيد قطب” وتنظيراته و أفكاره العنيفة والمُتطرفة.

عبدالمجيد الزنداني.. ماذا أرسل للحوثي قبل وفاته وكيف أحدث تناقضًا لتنظيم القاعدة

أبو هاجر العدني.. خريج جامعة الإيمان في صنعاء

الزنداني وميليشيا الحوثي

كشف المصدر المُقرب من الشيخ عبدالمجيد الزنداني حصريًا لـ”أخبار الآن”، أن الشيخ عبدالمجيد الزنداني قبل وفاته كان قد دخل في حوار ومحاولة تقارب وإصلاح علني مع جماعة الحوثي، إلا أن استعلاء جماعة الحوثي عرقل الحوار بين الشيخ والميليشيا، وقد كشف عن تفاصيل الحوار والتقارب، قائلًا: المكتب السياسي لحركة حماس أوعز للشيخ عبدالمجيد الزنداني بالتقارب مع جماعة الحوثي في صنعاء، وذلك قائم على عدد من المرتكزات ومن أهمها:

  1. تأجيل الحرب والصراع الداخلي في اليمن.
  2. تصفير السجون من المعتقلين لدى الطرفين، وخصوصًا المحسوبين على الطرفين “الحوثي و”جماعة الإخوان”.
  3. دعم هجمات ميليشيا الحوثي في البحر الأحمر، سياسيًا وإعلاميًا ودينيًا، وتوحيد الخطاب، وتجنب أي خلافات.

وأضاف المصدر قائلًا: تفاعل الشيخ عبدالمجيد الزنداني مع دعوة المكتب السياسي لحماس، وقد أرسل الزنداني رسالةً خطية مع الصحفي أنيس منصور لـ”جماعة الحوثي” في مسقط، إلا أن كل محاولات الزنداني في التقارب مع ميليشيا الحوثي باءت بالفشل، وذلك يعود لسببين:

الأول: تعنت ميليشيا الحوثي للحوار مع الشيخ الزنداني، وإن كان الجناح المتواجد في مسقط موافقًا ومرحبًا، إلا أن بعد العودة لما يسمى بـ”مكتب السيد” جُمِّد أي حوار في هذا الصدد.

الثاني: اعتبرت ميليشيا الحوثي أن كل ما يحصل من محاولاتٍ للتقارب ليس إلا ضياعًا وهدرًا للوقت، فالخطوة الأولى هي التحرر من التحالف العربي، لا سيما السعودية خصوصًا.

وفي هذا الصدد قال المصدر: حاول الشيخ عبدالمجيد الزنداني أن يُصدر بيانًا باسم هيئة علماء اليمن دعمًا وتأييدًا لهجمات ميليشيا الحوثي في البحر الأحمر إلا أن الجناح المتشدد في الهيئة خصوصًا المحسوبين على التيار السروري، رفضوا تصدير هكذا بيان، مما دفع الزنداني للخروج أكثر من مرة في مقاطع مرئية يحاول فيها التقريب، وتأجيل الخلافات الداخلية كخطوة أولى التقارب.

واختتم المصدر قائلًا: ثَمَّ خلافٌ بين قيادات في ميليشيا الحوثي بشأن التعاطي مع مبادرات الزنداني ووساطات المكتب السياسي لحركة حماس، فقد كانت قيادات وأعضاء الجماعة في مسقط متفاعلة بشكلٍ إيجابي إلى حدٍ ما مع مبادرات الشيخ عبدالمجيد الزنداني إلا أن توجيهات ما يسمى بـ”مكتب السيد” عطل وجمد أي حوار أو وساطة في هذا الصدد.

وبعد وفاة الشيخ أيضًا أبدى أحد قيادات جماعة الحوثي أسفه على عدم التعاطي مع مبادرات الزنداني، إلا أن جماعة الحوثي وبشكل عام أشادت بموقف عبدالمجيد الزنداني الأخير تجاه عملية طوفان الأقصى ودعوتهِ لتأجيل الصراع الداخلي في اليمن.

وبدورنا في “أخبار الآن” تواصلنا مع الصحفي أنيس منصور، للتأكد من صحة الرواية، فأكد أنيس منصور الرواية، وقال بالفعل حملت رسالة -كاكية اللون- من الشيخ عبدالمجيد الزنداني إلى جماعة الحوثي في مسقط، إلا أن الجماعة لم تتعاطَ مع الرسالة البتة بعد أوامر جاءت لهم من صنعاء، وبعد أسبوعٍ وأكثر أعدت الرسالة للشيخ عبدالمجيد الزنداني دون أن أعلم ما فيها.

وقد كان واضحًا من كلمة الشيخ عبدالمجيد الزنداني الأخيرة بشأن “أحداث غزة”، أن الزنداني يدعو للتقارب مع ميليشيا الحوثي ولملمة الخلافات التي يعتقد الإسلاميون المتطرفون عمومًا أنها أمورٌ ثانوية في هذه المرحلة، وهذا ما قد تطرقت إليه “أخبار الآن” في وقت سابق من تحول الضربات الأمريكية البريطانية إلى نقطة ارتكاز في شرعنة وتعزيز التحالفات بين الجماعات المتطرفة السنيّة من جهة وميليشيا الحوثي من جهة أخرى، على نهج متلازمة طهران.

عبدالمجيد الزنداني.. ماذا أرسل للحوثي قبل وفاته وكيف أحدث تناقضًا لتنظيم القاعدة

الزنداني.. يُحدث تناقضًا لـ”تنظيم القاعدة”

مع بيان تعزية تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بوفاة عبدالمجيد الزنداني لم تكن مفاجأة لعدد من المراقبين والباحثين في شؤون الجماعات الراديكالية لاسيما بعد بيان تعزية لـ”آل هنية”، إلا أن بيان تعزية وفاة الزنداني أحدث استنكارًا في الأوساط الجهادية في اليمن.

وفي هذا الصدد جهاديٌّ منشق عن تنظيم القاعدة -شارك سابقًا ضمن الجماعات الجهادية في البوسنة والهرسك، ومن ثُمَّ مع تنظيم القاعدة في اليمن- يصرح لـ”أخبار الآن”، قائلًا: “إن تعزية تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بوفاة عبدالمجيد الزنداني أمرًا مستغربًا وبيانًا مستنكرًا، كيف للتنظيم أن يأتيَ بمثل هكذا عبارات تحمل التعظيم والإجلال لرجل يعتقد أنه يدافع عن نظام قطر ونظام تركيا، وأنتم تقولون أن هذه الأنظمة مرتدة عميلة، ما هذه الفوضى المنهجية؟”.

وأضاف قائلًا: لقد كفرتم كل من دافع عن الحكومة السعودية، وإن سلم من التكفير لم يسلم من تُهم العمالة والخيانة، فما الذي حدث؟! فالزنداني يدافع عن أنظمة أنتم تقولون “أنها مرتدة وكافرة مثل قطر وتركيا”؟ فما الذي يحدث؟ وما كل هذه الفوضى الشرعية والمنهجية داخل التنظيم.

واختتم قائلًا: إن الفوضى والتناقضات الشرعية والمنهجية الحاصلة داخل تنظيم القاعدة أو في الخطاب الإعلامي ما هي إلا نتاج غياب القيادات الشرعية والتي تخلص منها الريمي بالقتل والتصفية تحت تهم الجاسوسية، وتخلص منها باطرفي بالتهميش والتنحية، وكان الأولى لهم السكوت بدلًا من محاولة تسجيل موقف على حساب تناقضات التنظيم التي لا تنتهي.

وقد أثبتت أيضًا وثائق أبوت أباد عدم رضى القيادة العامة لتنظيم القاعدة عن عبدالمجيد الزنداني، وقد وصف أبو يحيى الليبي ما يقوم به الزنداني في بعض الأحداث بـ”القبائح والفضائح”، إلا أنه فورًا استدرك قائلًا: للإنصاف، فإن عددًا من المجاهدين تم توجيههم وتجهيزهم من ‎جامعة الإيمان، واختتم قائلًا: ولا نجد الآن ما يحوجنا إلى فتح جبهة معه، ومع أتباعه.

ومع أن الزنداني قدم الدعم الكامل لتنظيم القاعدة، إلا أن القيادة العامة لم تكن راضية عن مواقفه، لاسيما السياسية والتي كان في حينها شريكًا في حكومة علي عبدالله صالح، والتي يعتقد التنظيم أنها حكومة مرتدة كافرة بكل من فيها، إلا أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب اليوم تجاهل كل ذلك وقدم عبارات التعظيم والإجلال في تعزية عبدالمجيد الزنداني.

عبدالمجيد الزنداني.. ماذا أرسل للحوثي قبل وفاته وكيف أحدث تناقضًا لتنظيم القاعدة

الخلاصـة

تكفيرٌ وتحريضٌ على العنف، جمع بين تأسيس “جماعة الإخوان” في اليمن، وبين تأسيس ما يسمى بـ”الأفغان العرب” وكل ذلك كان نواة لما بعد ذلك من عنف وتفرخ لجماعات التطرف والإرهاب.

عبدالمجيد الزنداني تاريخ من التناقضات، أحدث اليوم تناقضًا لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وخلافًا داخليًا بين قيادات ميليشيا الحوثي، ومع كل تلك الخلافات والتناقضات بين الزنداني وتنظيم القاعدة وجماعة الحوثي، فثَمّة ما يجمعهم اليوم في إيران على نهج متلازمة طهران.

لكن التماهي مع الأجندة الطائفية الإيرانية يحدد أيضاً الوجهة النهائية التي لا رجعة فيها لتنظيم القاعدة بعد تسليم رقابهم للعدو، والتوجه نحو التصفية، تابعا ذليلا.

ليست نهاية مفاجئة لقصة القاعدة، عندما يكتب الفصل الأخير مصطفى حامد ويلعبه سيف العدل كدمى تحركها أجهزة المخابرات الإيرانية من خلف الكواليس.

عبدالمجيد الزنداني.. ماذا أرسل للحوثي قبل وفاته وكيف أحدث تناقضًا لتنظيم القاعدة