نافالني من داخل إمبراطورية الخوف
إمبراطورية الخوف.. جملة قد تختزل بعضاً من ما يعانيه المعارض الروسي أليكسي نافالني في أحد المعتقلات سيئة السمعة في روسيا بعد الحكم عليه بالسجن بتهمة انتهاك شروط المراقبة القضائية، مدة ثلاثة أعوام ونصف بموجب حكم سابق صدر عام 2014، تُحذَف منها الأشهر التي أمضاها في الإقامة الجبرية في ذلك العام.
شبكة “سي إن إن” الأمريكية، أوردت تقريرا تحدث عن الظروف التي يعيشها المعارض الروسي وكذلك شهادة معتقل سابق في السجن سيئ السمعة Penal Colony IK-2 بمنطقة فلاديمير، التي تبعد قرابة ساعتين عن موسكو، إضافة إلى إجراء مراسل الشبكة زيارة إلى المستعمرة العقابية.
ويقول مراسل الشبكة الأمريكية في التقرير: “عند البوابات الصدئة للمستعمرة العقابية رقم 2، يقوم ضباط السجن المتشددون، بإبعاد الزوار غير المرغوب فيهم.”.
وتابع: “أطلق كلب شرس المظهر تحذيره بينما كان الحراس يفحصون جوازات سفرنا قبل أن يأمرونا بمغادرة الموقع السيئ السمعة.. الحياة في الداخل مخفية عن الأنظار، خلف الأسوار المعدنية العالية والأسلاك الشائكة المحيطة بهذه المنشأة المتداعية في منطقة فلاديمير في روسيا، على بعد ساعتين بالسيارة من العاصمة موسكو”.
نافالني استطاع تقديم انطباعاته الأولية عن سجنه، في منشور قام بنشره عبر حسابه الرسمي على إنستغرام، وذكر فيه: “لم يكن لدي أي فكرة أنه من الممكن وجود معسكر اعتقال حقيقي على بعد 100 كيلومتر من موسكو.. قاموا بحلق شعري.. كاميرات الفيديو في كل مكان، والجميع مراقبون، وعند أدنى انتهاك يقومون بإعداد تقرير.. أعتقد أن شخصًا ما في الطابق العلوي قرأ رواية أورويل 1984”.
شبكة “سي إن إن” ذكرت في تقريرها، أنها التقت سجيناً سابقاً يدعى كونستانتين كوتوف، كان قد أمضى فترتي حكم في المنشأة العقابية، لخرقه قوانين مناهضة الاحتجاج في روسيا، واصفاً تلك الفترة من حياته بأنها كانت “بائسة”.
تم إطلاق سراحه آخر مرة في ديسمبر وكان قلقًا بشأن العودة إلى السجن، لكنه وافق على السفر مع فريق “سي إن إن” لشرح كيفية عمل المستعمرة العقابية من الداخل.
وقال: “منذ الدقائق الأولى لوصولك إلى السجن، فإنك ستعاني من ضغوط نفسية ومعنوية هائلة”.
وتابع: “أنت مجبر على القيام بأشياء لم تفعلها أبدًا في الحياة العادية. يُحظر عليك التحدث مع محكومين آخرين. إنهم يجبروك على معرفة قائمة أسماء الموظفين. أنت تقف على قدميك طوال اليوم من الساعة 6 صباحًا حتى العاشرة مساءً غير مسموح لك بالجلوس. لا يسمحون لك بالقراءة ولا يسمحون لك بكتابة خطاب”.
مشاهدة التلفاز.. فن من فنون التعذيب
أوضح كوتوف، أن السجناء ينامون في غرف ثكنات على أسرّة من الحديد. وقال إن حوالي 50 إلى 60 رجلاً ينامون في غرفته، ولكل منهم مساحة صغيرة للعيش.
وأوضح: “تستيقظ في السادسة صباحًا، تخرج إلى الفناء القريب وتستمع إلى النشيد الوطني لروسيا – كل يوم نشيد الاتحاد الروسي”.
وتابع: “لا يمكنك الكتابة، لا يمكنك القراءة. على سبيل المثال، كنت أشاهد التلفزيون طوال اليوم تقريبًا، القنوات الفيدرالية الروسية. هذا تعذيب عن طريق مشاهدة التلفزيون!”
ويلفت السجين السابق، إلى تعرض السجناء إلى نظام يومي وصفه بـ “النشاط من دون أي معنى”، وقال: “تم توبيخي لعدم إلقاء التحية على موظف، ولأنني قمت بفك الزر العلوي.. إن أدنى انتهاك يمكن أن يؤدي إلى وضع نزيل في الحبس الانفرادي، ربما لشهور في كل مرة”.
يتم الحفاظ على النظام من قبل حراس السجن والسجناء المعروفين باسم “النظامين” الذين يتعاونون مع إدارة السجن.
وقال كوتوف، إنه على الرغم من أن ما يعرفون باسم “النظامين” محكوم عليه أيضًا، إلا أنهم يعتمدون على الإبلاغ عن أي شخص لا يلتزم بالقواعد.
وأوضح: “إنهم مثل الجواسيس الذين يتابعون كل خطواتك ويبلغون الإدارة بها.”
إمبراطورية الخوف
من المعروف أن العنف سلوك شائع في السجون الروسية، فعلى سبيل المثال، أظهر مقطع فيديو نشرته صحيفة “نوفايا غازيتا” الاستقصائية الروسية، تعرض سجناء للضرب على أيدي حراس في مستعمرة عقابية في “ياروسلافل”، المنطقة المجاورة للسجن الذي يقبع فيه نافالني.
أدانت محكمة روسية أشخاص عدة بالتورط في ما أصبح فضيحة وطنية، لكن سجناء سابقين يقولون إنها ليست قضية فردية، وقال كوتوف، إنه “رأى السجناء يتعرضون للضرب من قبل الحراس في أغلب الأحيان، كانوا يفكون ساق الكرسي ويضربون الناس على أرجلهم”.
ذكر نافالني في رسالته على إنستغرام، أنه لم يشاهد بعد أي عنف لكنه يؤمن بوجوده بسبب الخوف الذي شاهده على وجوه زملائه السجناء.
وقال، إنه كان يتم إيقاظه كل ساعة من قبل أحد الحراس وهو يسلط الكاميرا والضوء في وجهه للتحقق من وجوده هناك حيث تم تصنيفه على أنه “خطر”.
ولفت كوتوف، إلى أنه يخشى على حالة نافالني العقلية وليس صحته الجسدية، موضحاً أنه يعتقد أن شهرة المعارض الروسي الواسعة ستعني أن المسؤولين لا يريدون أن يتعرض لأذى جسدي.
وقال: “إنهم يريدون حرمانه من صوته.. هذا هو هدفهم”.
من جانبه، قال “بيوتر كوريانوف” وهو خبير من مؤسسة الدفاع عن حقوق السجناء، إن الوضع “خطير للغاية” في معسكر الاعتقال، الذي وصفه بأنه “إمبراطورية للخوف”.
وقال لشبكة سي إن إن: “من الصعب البقاء هناك والتزام الهدوء وعدم الرد على الاستفزازات.. الأمر صعب للغاية من الناحية النفسية. أصغر انتهاك ممكن قد يؤدي إلى إصابة المحكوم عليه بضرر جسدي جسيم.”
وأوضح أنه “داخل صفوف الثكنات المكونة من طابقين، يمكن أن يُطلب من النزلاء تنظيف الأرضيات بفرشاة الأسنان وغيرها من المهام المهينة وغير المجدية المصممة للإذلال”.
وألقي القبض على نافالني بعد عودته إلى موسكو من ألمانيا، حيث كان يتعافى من التسمم بغاز الأعصاب “نوفيتشوك”.
ويلقي المعارض الروسي باللوم على أجهزة الأمن الروسية في وضع “نوفيتشوك” في ملابسه الداخلية، وتتفق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع نافالني في مسؤولية موسكو عن تلك الحادثة، وفرضت على بعض المسؤولين الروس عقوبات لتورطهم.
كانت السلطات الروسية مترددة في البداية في تحديد مكان نافالني بالضبط، ورفضت إخبار محاميه أو حتى أفراد أسرته بمكان احتجازه إلا بعد أيام من نقله، إلا أنه بعد التأكد من وجوده في Penal Colony 2، من المتوقع أن يقضي بقية عقوبته هناك.