أخبار الآن | دبي- الإمارات العربية المتحدة (وكالات)
في تاريخ 18 كانون الأول/ ديسمبر عام 1973 صدر قرار من الأمم المتحدة أدخلت بموجبه اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المقررة في الجمعية العامة ولجانها الرئيسية ، ومن يومها يحتفل العالم باللغة العربية في نفس التاريخ كل عام .
اقرأ : 500 كلمة أساسية يستعلمها الفرنسيون يوميا.. أصلها عربي
واللغة العربية يتكلّم بها أكثر من 420 مليون عربي، فضلاً من أن ملياراً ونصف المليار من المسلمين حول العالم، يحتاجون إلى استعمالها في شؤون شتى، خاصة في ما يتعلق بالقرآن الكريم والعبادات والشعائر والسنّة النبوية الشريفة ومختلف فروع الفقه.
أكثر من 12 مليون مفردة في العربية
الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، هو الاحتفال بها بصفتها الفصحى، وباعتبارها لغة القرآن الكريم الذي كان له الدور الأساسي في حفظها وانتشارها حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن. فما هو أصل اللغة العربية الفصحى؟
لم يقل في العربية (الفصحى) إلا لتمييزها من باقي اللهجات السائدة عند العرب. فللعرب لغات وألسن، ولكل قبيلة لسانها، دون أن يعني هذا انقطاع التواصل، بل كان مجرد خصوصيات لسانية معينة أثرت اللغة في مادتها وتكوينها حتى وصل عدد مفردات هذه اللغة إلى أكثر من 12 مليون مفردة، تبعاً لما ورد في (المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام) للعلامة العراقي جواد علي، والذي نقل أن عدد مفردات العربية هو 12 مليوناً و305 آلاف و52 مفردة، ورقماً على النحو التالي: (12305052) مفردةً، وهي بذلك، أغزر لغة في التاريخ، بعدد مفرداتها، لسببين أساسيين بحسب لغويين ونحويين، أولاً للثراء الهائل بجذور الكلمات العربية التي ينتج منها مفردات عبر الاشتقاق، وثانياً لما يسمّى الترادف الناتج من لغة القبائل، والذي في حقيقته ليس إلا مجموعة واسعة من الاشتقاقات والتراكيب والصيغ، أكثر منه ترادفاً، بدليل بقاء المفردات المنتمية للترادف، في التكلم والكتابة، ولا يزال (رأى ونظرَ وشاهد وبصَّ وعاينَ وأبصرَ) مع كل ما يوحّدها من ترادف وهْمي، لأن في كل واحدة من تلك الكلمات التي أدرجت في الترادف، خاصية دلالية تختلف عن الأخرى.
اقرأ : اليوم العالمي للغة العربية.. 500 مليون يتحدثون العربية
(نجْد).. أرض الفصحى المنسيّة
لا ينطبق رأي الإخباريين والنحويين العرب، ورأي المستشرقين الأجانب، حول قضية أصل اللغة العربية الفصحى، بحسب ما أفرده جواد علي في مفصّله. ففيما يجمع أغلب الإخباريين العرب، على اعتبار لغة قريش اللغة الفصحى وأن أهل قريش “هم أفصح العرب لساناً وأصفاهم لغة” وصولاً إلى اعتبار العربية الفصحى هي عربية قريش، يرى مستشرقون كبار أن الفروق بين اللهجات في (الحجاز) و(نجد) ومناطق البادية المتاخمة لنهر الفرات، لم تكن كبيرة، وأن اللهجة (الفصيحة) شملت جميع اللهجات في المناطق المشار إليها. حسب المستشرق الألماني تيودور نولدكه (1836-1930) للميلاد.
وليس بعيداً مما أورده نولدكه، بأن الفصحى تشمل غالبية لهجات العرب، يؤكد المستشرق الإيطالي اجنتسيو غويدي (1844-1935م) بأن اللغة العربية الفصحى هي مزيج من لهجات تكلّم بها أهل (نجد) والمناطق المجاورة لها. مؤكداً أن الفصحى لم تكن مقصورة على قبيلة معينة، أو لهجة قبيلة معينة.
وسيلاحظ أن اسم (نجد) سيتكرر كثيراً في إشارة المستشرقين إلى أصل اللغة العربية الفصحى، فبعد غويدي، ها هو المستشرق الإيطالي كارلو ألفونسو نالينو (1938-1872و) وهو أحد أعظم المستشرقين مكانة وإحاطة بتاريخ العربية، ويصفه الفيلسوف المصري عبد الرحمن بدوي بـ”المستشرق العظيم” في كتابه (موسوعة المستشرقين)، يقول إن اللغة العربية الفصحى تولدت من إحدى اللهجات النجدية، كما ورد في مفصّل جواد علي.
أمّا المستشرق الألماني، مارتن هارتمان، (1918-1851م) فيحدد مكان العربية الفصحى أكثر، فيقول إن العربية الفصحى هي لهجة أعراب (نجد) و(اليمامة).
إقرأ أيضا: أخطاء فادحة في اللغة العربية يرتكبها الاعلاميون يومياً!
لكن المستشرق السويسري كارلو لاندبيرغ (1924-1848م) يذهب باتجاه مختلف في تحديده أصل اللغة العربية الفصحى، حسب ما ورد في مفصّل جواد علي، إذ يؤكد أن الشعراء هم الذين وضعوا قواعد هذه “اللهجة”. فيما يرى الألماني أوجست فشر (1949-1865م) أن اللغة العربية هي بالأصل، لهجة خاصة، يؤيده في ذلك، ما قاله المستشرق الكبير كارل بروكلمان (1956-1868م) والذي يعتبر أن اللغة العربية الفصحى، لغة فنية قائمة فوق اللهجات، حتى وإن أفادت من جميع اللهجات.
التمييز في العربية، ما بين الفصيح منها والعامي، ليس بالأمر المستغرب، بحسب المستشرق الفرنسي ريجي بلاشير (1973-1900م). فهو يعتبر أن وجود (لهجات) عربية، ولغة عربية عُليا، فصحى، لا يوجد فيه أمر مخالف للعادة. لطالما أن لغة التدوين والآداب، تتطلب معايير مختلفة عن معايير التخاطب الشفوي العفوي.
وصاغ بلاشير نظرته في أصل الفصحى، على أساس ما قام به علماء اللغة العرب، في “غربلة اللهجات” وهم في طريقهم لضبط قواعدها. منتهياً إلى أن الفصحى الحالية، لهجة ولدت من لغة الشعر ولغة القرآن.
ولاحظ المؤرخ فؤاد حمزة، في كتابه (قلب جزيرة العرب) والذي صدر في ثلاثينيات القرن الماضي وأصبح مرجعاً لكبار الباحثين، أن “حاضرة نجْد” الآن، هي أقرب إلى “اللهجة الفصيحة من حاضرة الحجاز”.
القرآن الكريم لغات لا لغة واحدة؟
ينقل ابن كثير في كتابه (فضائل القرآن) عشرات الأقوال التي ترى أن القرآن ما نزل بلغة قبيلة بعينها. فينقل في أولى تلك الروايات المنسوبة إلى أشخاص بعينهم: “… قال الله تعالى (قرآناً عربياً) ولم يقل (قرشياً). واسم العرب يتناول جميع القبائل تناولاً واحداً، يعني حجازها ويَمَنها”.
ثم ينقل ابن كثير عن أحد أشهر علماء العربية، وهو أبو عبيد القاسم بن سلام، والمتوفى سنة 224 للهجرة، ما مختصره عن اللغات التي نزل بها القرآن: “ولكنه عندنا أنه نزل سبع لغاتٍ متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف الواحد منها بلغة قبيلة والثاني بلغة أخرى سوى الأولى”.
هنا ستبدو العلاقة وثيقة، بين ما يراه مستشرقون في أن اللغة العربية الفصحى (مزيج من لهجات تكلم بها أهل نجد والمناطق المجاورة لها) برأي غويدي، أو ما رآه نولدكه، بأن الفصحى هي كل لهجات الحجاز ونجد والبادية المتاخمة لنهر الفرات، وبين ما يعتقد به لغويون عرب قدامى لهم مكانتهم التي جعلت واحداً حافظاً كابن كثير ينقل عنهم فيقولون باللغات التي نزل بها القرآن، وليس باللغة الواحدة وبالتالي، ليس بالقبيلة الواحدة.
إلا أن أصل الفصحى نفسه والذي كانت أرض العراق المكان الذي ولدت فيه الغالبية الساحقة من المصنفات اللغوية والنحوية المدوّنة لهذا الأصل، لا يزال يحتاج إلى الكثير من البحوث في هذا السياق، لأنه يعتبر من أصعب المسائل المطروحة أمام اللغويين والباحثين. فحتى لو تم التحقق من أن الفصحى هي لغة قريش، فمن “أين جاءت لغة قريش نفسها؟”. والسؤال لطه حسين، المفكر المصري الشهير والقائل بنزول القرآن الكريم بلغة قريش، أصلاً. وهنا، يردّ الدكتور جواد علي، في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، على طه حسين وعلى جميع القائلين بالأصل القرشي للغة العربية الفصحى فيقول: “من يقول إن لغة القرآن هي لغة قريش، وإن لغة قريش هي العربية الفصحى، وإنها لغة الأدب عند الجاهليين، قولٌ بعيد عن الصواب، ولا يمكن أن يأخذ به من له أي إلمام بتاريخ الجاهلية”.
لغات القبائل في القرآن الكريم
وضِع في لغات القرآن، أكثر من مصنّف في تاريخ العربية منذ القرن الثاني للهجرة، فهو موضوع أثير له قيمته الكبرى عند أهل اللغة. وأحد الكتب التي تم تحقيقها في هذا المجال، هو كتاب (اللغات في القرآن) الذي رواه المصري إسماعيل بن عمرو بن راشد الحداد، والمتوفى سنة 429 للهجرة، وحقّقه الدكتور صلاح الدين المنجّد في العام 1946م.
وكي يسهّل المنجد على القارئ، رسم مخططاً يجمل فيه لغات القبائل العربية، في القرآن الكريم، استمدّه من كتاب إسماعيل بن عمرو، فتظهر نسبة لغات القبائل العربية في القرآن الكريم على الشكل التالي: قريش 124 مفردة، هذيل 45، كنانة 36، حمير 23، جرهم 21، تميم وقيس عيلان 13، أهل عُمان وأزد شنوءة وخثعم 6، طيء ومذحج ومدين وغسان 5، بنو حنيفة وحضرموت 4، خزاعة وعامر ولخم وكندة 2، العمالقة وسدوس وسعد العشيرة 1. لتكون قريش صاحبة النسبة الأكبر، بالإطلاق، قياساً بباقي القبائل.
مع الإشارة إلى أن جميع من ألف في “لغات” القرآن الكريم، أو حقّق، كالمنجد، يذكر أن تلك الأعداد غير نهائية، نظراً لعدم الإحاطة الكاملة بلغات العرب أصلا.
اقرأ أيضاً :