أخبار الآن | سان بطرسبورغ – روسيا (محمود طه)
في عام ١٩٤٢م شهدت المعمورة واحدة من أشرس المعارك على مر التاريخ، عندما أصبحت السيطرة على حقول النفط في القوقاز ونهر فولغا العظيم هي الهدف الأول لأدولف هتلر.
حينها أطلق هتلر عمليته الكبرى بهدف احتلال الإتحاد السوفييتي الذي كان يمثل حوالي سدس مساحة العالم، لتدور رحى معركة خُلدت في كتاب التاريخ البشري، وبلغت خسائرها البشرية حوالي ٢ مليون ضحية، هي معركة ستالينغراد.
المعركة الأكبر في التاريخ الإنساني شهدت أكبر كمية ذخيرة مستهلكة، وأكبر عدد من القتلى والجرحى والأسرى، وسط اصرار شديد من هتلر على استكمال الغزو، وعناد أكبر من جانب ستالين الذي رفض التراجع ولو خطوة واحدة.
الجحيم في ستالينغراد غطى أرجاء المدينة بالكامل، لتكتسي البيوت والمدارس والكنائس والمصانع بألسنة النيران، حتى سطح نهر فولغا العظيم كان مغطى باللهب.
مشاهد من الجحيم رُسمت في شوارع المدينة بسبب معارك الفيرماخت الألماني والجيش الأحمر السوفييتي، إضافة إلى قتال الشوارع الذي شارك به المدنيين، ليظن الجميع أن هذه المدينة ستختفي من على وجه الكرة الأرضية في غضون أيام.
ولكن ما حدث كان العكس تماما، فبعد انتهاء المعركة بانتصار الجيش الأحمر، كانت بداية النهاية للحرب العالمية الثانية وانهيار القوات الألمانية، ليشاهد العالم بعد ذلك الجيش الأحمر يغزو شوارع برلين.
وبعد ذلك اُعيد بناء المدينة بفضل جهود أهلها المناضلين، لتصبح واحدة من أهم المراكز الثقافية والصناعية في الاتحاد السوفييتي، ثم تغير اسمها مرة أخرى لتُصبح فولغوغراد استنكارا لعبادة الفرد التي تسببت في تسمية المدينة في السابق على اسم الزعيم ستالين.
درس قدمه التاريخ للبشرية في إعادة البناء بعد الدمار الكامل، ليصبح مضربا للأمثال، حتى على الصعيد الكروي!.
فقد شاءت الصدفة أن يشهد ملعب المدينة المواجهة الأخيرة لمنتخبي مصر والسعودية في المونديال، وقضت النتائج أن يدخل الفريقان المواجهة بلا أي آمال في التأهل إلى الدور الثاني حيث خسرا في الجولتين السابقتين أمام أوروغواي وروسيا.
مواجهة تحمل ثلاث نقاط شرفية يسعى لاقتناصها كلا المنتخبين، ولكن الأهم بعد انطلاق صافرة نهايتها هو بداية العمل وإعادة البناء بعد السقوط المونديالي الكبير، ومحاولة دراسة أسباب الظهور الباهت بموضوعية بعيدا عن تصفية الحسابات الشخصية التي تسيطر على واقع الكرة العربية بعد أي اخفاق.
بداية أمل جديد في حقبة أفضل يتم تدشين قواعدها من حيث انتهى الأمر، والتخلي عن سياسة النسف الكامل والبداية من صفر جديد عادة ما تنتهي اليه الأمور بعد سنوات.
فهل ينجح العرب في إعادة البناء هذه المرة مستلهمين روح ستالينغراد التي أبهرت التاريخ البشري، أم يتم طي صفحة الاخفاق على الطريقة العربية واللجوء إلى مسكنات مؤقتة لتهدئة الألم؟.
اقرأ أيضا: