لجأ النظام الإيراني في ميزانيته الجديدة إلى بيع الاعفاء من الخدمة العسكرية الالزامية بثمن في مؤشر آخر إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية بسبب العقوبات الدولية المفروضة ضد إيران ثم هبوط اسعار النفط الذي زادها حدة.
ويأتي بيع الاعفاء من الخدمة العسكرية في وقت يجري الرئيس حسن روحاني مفاوضات نووية صعبة مع القوى الدولية تجعل المكاسب الاقتصادية من أي اتفاق بشأن برنامج إيران النووي إغراء من الصعب مقاومته.
ولكن منتقدين حذروا من أن هذا الإجراء يهدد بتعميق الفوارق الإجتماعية بين الميسورين القادرين على شراء الإعفاء لأبنائهم، والمحرومين الذي سيرون أبناءهم يُساقون إلى الجيش، مع ما قد يترتب على ذلك من تداعيات يمكن أن تفجر بوجه النظام احتجاجات شعبية جديدة.
ولاقى الإجراء ترحيبًا في مناطق شمالي طهران، حيث قال شاب قدم نفسه باسم شيان "نحن نشتري سنتين من حياتنا" بدفع ثمن الإعفاء من الخدمة العسكرية، مشيرا إلى شلة من أصحابه كانوا يحتفلون في أحد الأحياء الراقية شمالي العاصمة الإيرانية. وأكد الآخرون أنهم جميعا مستعدون لدفع الآلاف المطلوبة من الدولارات مقابل إعفائهم من الخدمة العسكرية.
وفي حين أن بعض الشباب الذين تستطيع عائلاتهم الميسورة دفع ثمن الإعفاء من الخدمة العسكرية، فإن الإجراء الذي يشمل نحو مليوني شاب مشمولين بالخدمة الإلزامية يعبر عن هشاشة الاقتصاد الإيراني اليوم.
وكانت حكومة روحاني خفضت تقديراتها لسعر النفط الذي أعدت ميزانيتها على أساسه من 72 دولارا للبرميل، إلى 40 دولارا، وأعلن روحاني أن حكومته أعدت أقل الميزانيات اعتمادًا على النفط.
ولكن التوقعات تشير إلى ان إجمالي الناتج المحلي الإيراني الذي حافظ على معدل نمو في حدود 5 في المئة، طيلة السنوات العشر الماضية، سيتراجع إلى 2 أو حتى1 في المئة في السنة المالية المقبلة، وتبددت آمال طهران السابقة بمضاعفة عائدات النفط إلى 60 مليار دولار في السنة المقبلة، ببقاء حجم هذه العائدات في حدود 30 مليار دولار كما كانت العام الماضي.
واعتبر الباحث الاقتصادي في جامعة فرجينيا التكنولوجية الأميركية جواد صالحي اصفهاني ان هبوط اسعار النفط "صدمة هائلة لتوقعات الحكومة". وقال اصفهاني لصحيفة كريستيان ساينس مونتر إن الميزانية التقشفية الجديدة "تعني أن الحكومة لن تكون لديها مصروفات تنموية، كانت دائما القوة المحركة لعملية النمو في إيران".
ويرى مراقبون أن مستقبل روحاني السياسي يعتمد على تحسين الوضع الاقتصادي وأن هذا قد يتطلب منه التوصل إلى اتفاق نووي مع مجموعة 5 + 1 يخفف سنوات من العقوبات، التي تشمل النفط والتجارة والنشاط المصرفي. وقال الباحث الاقتصادي أصفهاني "ان هبوط اسعار النفط نسف آمال روحاني". ولاحظ أصفهاني أن قدرة روحاني على دفع عجلة النمو الاقتصادي خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة، متوقفة على مآل المفاوضات النووية، فهو إما يحصل على مليارات الدولارات من تخفيف العقوبات او يقول للإيرانيين "آسف عليكم الانتظار فترة أطول".
وتسببت الأزمة الاقتصادية بإلغاء مشاريع وخفض الزيادة في الرواتب إلى نصف نسبتها العام الماضي. وطُلب من الوزراء أن يبحثوا عن مصادر تمويل بجهودهم الخاصة، من زيادة أجور البريد إلى زيادة الغرامات التي تُفرض على مخالفي أنظمة المرور.
وقال الاقتصادي الاصلاحي سعيد ليلاز في طهران ان الضائقة الاقتصادية تعني "ان حرارة الأوضاع الاجتماعية ستكون أعلى بكثير". وأوضح ليلاز ان خفض الميزانية "يعني نموا اقتصاديا أقل وتشغيلا اقل لليد العاملة ورضا أقل بين المواطنين".
ولم يُقر قانون الميزانية في البرلمان حتى الآن ولكن القانون يعلن بصراحة ان 289 مليون دولار من ايرادات بيع الإعفاء من الخدمة العسكرية يجب ان تُنفق على تقوية القوات المسلحة الإيرانية.
ويبدأ سعر الاعفاء اليوم بنحو 6500 دولار ويمكن ان يرتفع إلى ضعف هذا المبلغ، وقدر عباس علي منصوري عضو لجنة الأمن في البرلمان الإيراني ان تتراوح ايرادات الحكومة من برنامج بيع الاعفاء من الخدمة العسكرية ما بين 2.9 و5.8 مليار دولار، وهذا الثمن الباهظ هو السبب وراء التحذير من حدوث هزات اجتماعية.