الذهب يوجد في كل بيت مصري، بعضه حديث، وبعضه قديم ينتمي لحقبات تاريخية مختلفة: العهد الملكي أو الإسلامي، أو حتى العهد الفرعوني، حيث كانت تجارة الآثار- ومن بينها المشغولات الذهبية- غير مجرمة حتى منتصف القرن الماضي.
يصعب على وجه الدقة حصر حجم الذهب المتداول بين الشعب المصري، وتتركز الدراسات والأرقام الرسمية على الذهب المتداول الحديث الذي يتم دمغته سنويًا من قبل الدولة.
في الوقت الذي تمر مصر بأزمة مالية بسبب ارتفاع الدولار والتضخم وتأثيرات الحرب الروسية، وتتفاوض مع صندوق النقد الدولي لترتيب حزمة دعم جديدة، خرجت العديد من المبادرة بهدف استغلال الذهب المكدس في البيوت للخروج من الأزمة.
بحيرة من الذهب
المستشار العام لشعبة الذهب باتحاد الصناعات المصرية، وصفي أمين، صرح في 2019 وقت توليه رئاسة الشعبة العامة للمشغولات الذهبية باتحاد الغرف التجارية بأن مصر تعيش فوق بحيرة من الذهب.
وأوضح أمين، أن عمليات الاستخراج لا تتم بصورة نشطة بسبب بعض القوانين، ولذلك يكثر التنقيب العشوائي.
وأكد وصفي أن مصر تمتلك 120 منجما للذهب منها 99 منجما من المؤكد أنها تحتوي على الذهب، وأنه يجري العمل حاليًا على باقي المناجم التي يرجع بعضها لعصور مصر القديمة، ولم يتم استكمال إنتاج الذهب فيها واستنفاد مخزوناتها نظرًا لضعف التقنيات في الماضي.
دمغة الليزر
لضبط السوق، وتسهيل حصر الذهب ومنع تهريبه، أعلنت الحكومة المصرية هذا العام استبدال دمغة الذهب التقليدية بدمغة الليزر.
تطبيق الدمغة بالليزر للمشغولات الذهبية، هو نظام جديد ومطور للدمغة، حيث سيتم عمل كود لكل قطعة ذهب مدون عليه كافة التفاصيل الخاصة بالمنتج سواء الشركة المصممة، أو وزنه، أو نوع العيار الخاص به (QR) بدلا من الدمغة التقليدية بالقلم، حيث يستطيع المستهلك من خلال موبايل أبليكيشن التأكد من بيانات قطعة الذهب وعيارها، وأنها مدموغة بمعرفة مصلحة الدمغة والموازين، وهو الأمر الذى سيقضى تماما على مسألة الغش فى الذهب.
لكن بمجرد إعلان الحكومة عن دمغة الليزر أثيرت في وسائل الإعلام ووسائل التواصل حملة من الرفض تجاه القرار، خوفًا من إجبار المواطنين على إعادة دمغ الذهب الموجود في بيوتهم، لكن المسؤولين أكدوا أن ذلك يتعلق فقط بالذهب الجديد، أما القديم فلن يتم حصره أو إعادة دمغه.
حجم تجارة الذهب
رغم أنه يصعب حصر كافة الذهب الموجود في مصر، إلا أن مصلحة الدمغة والموازين المصرية تعلن سنويًا عن حجم الذهب المتداول والتي قامت بدمغه على مدار العام.
يقدر حجم إنتاج المشغولات الذهبية المدموغة في مصر من قبل مصلحة الدمغة والموازين بوزارة التموين، بنحو 65 طنًا في العام.
نحو 20% من حجم الذهب في مصر مستورد والباقي إنتاج محلي، أي بنسبة 80%.
وفي مطلع هذا العام، أعلن مجلس الذهب العالمي ارتفاع الطلب على المشغولات الذهبية في مصر بنسبة 42% في 2021 ليبلغ 27.9 طن مقارنة بـ 19.7 طن في 2020.
تنتج مصر حاليا أكثر من 15.8 مليون طن من الذهب بالشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص من مناجم السكري، من المتوقع أن تتزايد هذه الأرقام مع مشروع المثلث الذهبى بالصحراء الشرقية، وطرح 38 قطعة أرض بمساحة 12 ألف كيلو متر مربع للقطاع الخاص العالمي.
استهلاك الذهب
مجلس الذهب العالمي قال: إن نصيب الفرد فى مصر من الطلب الاستهلاكي للذهب سجل 0.3% خلال 2021.
يرجع استهلاك الذهب في مصر لارتباطه بالزواج، حيث يقدم المتقدم لعروسه شبكة ذهبية، تتراوح من دبلة فقط، إلى ما يصل إلى نصف كيلو ذهب أو أكثر، حسب ثراء العائلة وموقعها الجغرافي في محافظات مصر، حيث تشترط بعض العائلة كميات كبيرة من الذهب لزواج بناتهن.
ويعتبر المصريون أن شراء الذهب ووضعه في البيوت، استثمار آمن تحسبًا للتقلبات المالية، وغالبًا ما يتم توارث هذا الذهب من جيل إلى جيل.
وقد أشار تقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي في مايو إلى أن البنك المركزي المصري اشترى 44 طنًا من الذهب خلال شهر فبراير/ شباط الماضي ليرتفع إجمالي ما يملكه بنسبة 54% ويصل إلى 125 طنًا، وهو بذلك يعادل 17% من إجمالي الاحتياطيات المصرية، كما أنها النسبة الأعلى بين دول المنطقة.
مبادرة للاستغلال
في سبتمبر الماضي، قدم رجل الأعمال المصري ورئيس لجنة الشباب والرياضة بمجلس الشيوخ أحمد أبو هشيمة، حلا للتغلب على أزمة الدولار في مصر.
وذكر أبو هشيمة، أن ادخار الذهب لدى الشعب المصري ثقافة موروثة لدى العديد من الأجيال، حيث توجد عادة لدى المصريين بادخار الذهب لاستخدامه وقت الأزمات أو أي حدث طارئ لأي عائلة مصرية: “الدهب موجود في بيوت المصريين طبعا، وفي كل فئات الشعب المصري سواء 10 جرام أو 10 كيلو”.
وتابع أحمد أبوهشيمة أنه إذا تم عمل مبادرة بالحصول على هذا الذهب من الشعب المصري مقابل عائد مادي سنوي: “لو جيت قولت للمصري أنت عندك كيلو دهب هاخده منك وهديك كل سنة 3% زي الوديعة المصرية، بس الوديعة فلوس كاش ده دهب انت سايبه في البيت اخده منك وهتاخد نسبة معينة 3% مثلا، يبقى انت بتحوش الدهب مع الدولة والدولة بتستخدمه برده وبعد انتهاء المدة ترجع الدهب بتاعك تاني”.
وأوضح أحمد أبوهشيمة أن تلك الفكرة غير تقليدية يمكن العمل من خلالها على حل أزمة الدولار، حيث إن الذهب المصري يتم تقييمه بالدولار أيضا ويمكن استخدامه في حل أزمة العملة الصعبة في مصر، وأضاف: “لو قلنا 10 ملايين سيدة كل واحدة عندها 50 جرام دهب، والغرام بـ 50 دولار مثلا، هتلاقي مصر داخلها حوالي 25 مليار دولار سيولة من الدولار، ومصر هتحل الأزمة دي، والمواطن هيكون ادخر الدهب وممكن يرجعه في أي وقت”.
لكن مبادرة أبو هشيمة قوبلت بالرفض من قبل المواطنين المصريين، وهاجمته وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وإن كان بعض المحللين الاقتصاديين، من بينهم حنان رمسيس، قالت إن الفكرة قابلة للتطبيق إذا استطاعت الدولة إقناع سيدات مصر بإيداع الذهب في بنك خاص مقابل عائد أو فائدة محددة مجزية مع ضمان أصل الذهب لاسترداده عند الرغبة.
لكن مصرفيين قالوا إن هذه المبادرة يصعب تنفيذها في مصر، لأنه ليس من عمل البنوك تلقي مدخرات الذهب الخاصة بالمواطنين بهدف إيداعها في الجهاز المصرفي، ولن تساهم في حل الأزمة الاقتصادية أو تدعم احتياطي النقد الأجنبي.
مبادرة التبرع
بعد مبادرة أبو هشيمة بأسابيع، خرجت مبادرة أخرى من الطرق الصوفية المصرية، حيث أعلن الدكتور علاء أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية ورئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية، عن “مبادرة سداد ديون مصر”.
المبادرة تطالب رئيس الجمهورية بفتح حساب في البنوك لتلقي التبرعات من الشعب المصري للمساعدة في سداد ديون مصر، وتطالب الفنانين والمشاهير بقيادة حملات لجمع الأموال والذهب من المدن والقرى بالمحافظات على غرار حملات الفنانين في القرن الماضي.
ووجه أبو العزائم نداء للشعب المصري طالبهم فيه بأن يفعلوا ما فعله آباؤهم بعد نكسة 1967 بأن قاموا بالتبرع بأموالهم وذهبهم من أجل المجهود الحربي وإعادة بناء الجيش، موضحًا أن الوضع الحالي لا يختلف عن وضع الحرب، لأن سداد الديون سيخفف من حمل الأزمة الاقتصادية التي أثقلت الحكومة والشعب المصري.
وأوضح أبو العزائم أن بعد حرب 1967 كان كل بيت مصري قادر على التبرع يتبرع بجزء من مشغولاته الذهبية أو أمواله السائلة لصالح المجهود الحربي، وكان لهذا تأثير كبير على إعادة بناء الجيش والنصر في حرب أكتوبر 1973، وفي هذه المرحلة ستساعد هذه الأموال والذهب في حل أزمة الديون ورفع قيمة العملة المصرية.