أزمة الإسكان تدفع الأسر لإنفاق 40% من دخلها لسداد أقساط شراء منزل
مثل قيام البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة صدمة في أسواق الإسكان العالمية، وكتب نهاية الطفرة العقارية التي نمت الثروة لملايين المستثمرين.
الأسواق في جميع أنحاء العالم عالقة بين تكاليف الاقتراض المرتفعة بشكل حاد – والتي من المرجح أن تبقى لمدة – ونقص المعروض من المنازل الذي يحتم استمرارية ارتفاع الأسعار.
قد تختلف السيناريوهات في كل بلد، لكنها جميعها تضيف عبئ محتمل على الاقتصادات العالمية حيث ينفق الناس المزيد من دخلهم على السكن، سواء كانوا يستأجرون أو يمتلكون.
قال مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في وكالة موديز أناليتكس: “لقد انتهى العصر الذهبي لإسكان الأسرة.. السنوات العشر المقبلة ستكون أكثر صعوبة”.
ويتوقع زاندي أن يبلغ متوسط أسعار الفائدة على الرهن العقاري لمدة 30 عاما في الولايات المتحدة، والتي تبلغ حاليا حوالي 7.4٪، حوالي 5.5٪ على مدى العقد المقبل، مقارنة مع مستوى منخفض يبلغ 2.65٪ في أوائل عام 2021. وستشهد معظم الدول المتقدمة الأخرى زيادة مماثلة، كما يقول.
المستقبل ضبابي
لا يزال الكثير مجهولًا، فالحرب المتفاقمة في الشرق الأوسط وأوكرانيا والمتاعب الاقتصادية المستمرة في الصين – التي تواجه سلسلة من الأزمات العقارية التي تتمحور حول مطوريها المثقلين بالديون – يمكن أن تساهم في انكماش عالمي أوسع من شأنه أن يقلل الطلب على الإسكان ويدفع الأسعار إلى الانخفاض بشكل كبير، مما يتسبب في تباطؤ اقتصادي عالمي واسع النطاق.
وحتى مع تراجع التضخم وتخفيف حملات رفع أسعار الفائدة في العديد من البلدان، بدأ المستهلكون يتقبلون فكرة مفادها أن تكاليف الاقتراض قد لا تكون أبدا منخفضة كما كانت خلال السنوات الخمس عشرة التي تلت الأزمة المالية.
تأثر دول العالم بالأزمة
في الولايات المتحدة، أدى التصادم بين انخفاض المعروض وارتفاع معدلات الرهن العقاري خلال خفض مبيعات المنازل إلى أدنى مستوى منذ عام 2010، وفقا للرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين.
وأصبحت الأسرة تحتاج حوالي 40% من متوسط دخلها لشراء منزل نموذجي، حسبما تظهر بيانات من شركة InterContinental Exchange.
وقال الاقتصاديون في مجموعة جولدمان ساكس إن تأثير ارتفاع معدلات الرهن العقاري سيكون أكثر وضوحًا في عام 2024، ويقدرون أن المعاملات ستنخفض إلى أدنى مستوى منذ أوائل التسعينيات.
وقال بنجامين كيز، الأستاذ في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا: “في بعض النواحي، نحن في المراحل الأولى من هذه الفترة الجليدية، ومن غير المرجح أن تذوب في أي وقت قريب”، وأضاف: “هذه الغرابة يمكن أن تستمر لفترة طويلة.”
هذا من شأنه أن يكون له آثار غير متوقعة، وقد يكون التنقل للحصول على الوظائف محدودا، وقد يضطر أفراد الأسرة والأصدقاء في كثير من الأحيان إلى العيش معا.
وفي نيوزيلندا، ارتفعت أسعار العقارات بنسبة 30٪ تقريبًا في عام 2021 وحده، وتم سحب حوالي 25% من المخزون الحالي من الإقراض العقاري في ذلك العام، وكان خمس هؤلاء من المشترين يشرون لأول مرة، وفقًا لبنك الاحتياطي النيوزيلندي.
لقد جعلت طفرة الإسكان العالمية في العقد الماضي من العقارات طريقا سريعا نحو الثروة في بلدان مثل نيوزيلندا وأستراليا، وخاصة كندا، حيث تحول عشرات الآلاف من الناس إلى مستثمرين هواة.
لكن ارتفاع أسعار الفائدة وعوائد السندات يعني أن الحسابات انقلبت فجأة، فامتلاك شقة في تورونتو، أكبر مدينة في كندا، سيحقق الآن عائدًا يبلغ 3.9% فقط بعد تكاليف الرهن العقاري والنفقات الأخرى، أي أقل من 5% المكتسبة من خلال الاستثمار في أذون خزانة حكومة كندا، وفقًا لدراسة أجراها بنك مونتريال.
أصبح المستثمرون الذين يشترون الوحدات قبل البناء مصدرًا رئيسيًا لتمويل المطورين في العقد الماضي، وقد أدى تراجعهم إلى تأخير أو إلغاء آلاف الوحدات المخطط لها في مدن مثل تورونتو، فأصبح السوق الكندية التي تعاني بالفعل من نقص المعروض.
ويحدث وضع مماثل في أوروبا، حيث يهدد ارتفاع أسعار الفائدة وتكاليف البناء المرتفعة بتكثيف ضغوط العرض. وفي ألمانيا، انخفضت تصاريح البناء الجديدة بنسبة تزيد على 27% في النصف الأول من العام، وفي فرنسا انخفضت بنسبة 28% حتى يوليو/تموز.
أما السويد، التي تعاني من أسوأ تراجع لها منذ أزمة التسعينيات، لديها معدلات بناء تصل إلى أقل من ثلث ما يعتبر ضروريًا لمواكبة الطلب.
وأظهر تقرير صدر في سبتمبر من قبل شركة KPMG أن ما يقرب من ربع حاملي الرهن العقاري في المملكة المتحدة يفكرون في البيع والانتقال إلى عقار أرخص بسبب الارتفاع الكبير في تكاليف التمويل.
وبالنسبة لأصحاب العقارات، الذين غالبا ما يكون لديهم قروض عقارية ذات سعر فائدة متغير، يمكن أن يكون الأمر أسوأ، وهذا يترجم مباشرة إلى ضغوط على المستأجرين.
وفي آسيا، أصبحت كوريا الجنوبية تتمتع بأعلى نسبة ديون أسرية إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم المتقدم، بنسبة 157%، وما لم تبدأ أسعار الفائدة في الانخفاض، فإن سوق الإسكان في هونج كونج سوف يستمر في المعاناة، فقد ارتفعت الأسعار في المدينة بشكل كبير في العقد الماضي، وأصبحت القيمة لا تعوض ارتفاع تكاليف الاقتراض – وهو نفس السيناريو الذي يحدث في معظم أنحاء العالم.
فقاعة تنتظر الانفجار
تعليقًا على هذه الأزمة، قالت الخبيرة الاقتصادية السابقة بالبنك الدولي الدكتورة شيرين الشواربي، إن هناك فقاعة في سوق الإسكان تنتظر الانفجار في أي وقت.
وأوضحت الشواربي، في تصريح خاص لـ”أخبار الآن”، أن الأسعار ارتفعت نتيجة إقبال الناس على شراء الذهب والعقار لحفظ القيمة في ظل التضخم الذي ضرب العالم أجمع.
وأشارت الشواربي إلى خطوة عدم وجود قوة شرائية قادرة على استيعاب هذه الأسعار المبالغ فيها، خصوصًا أن التكاليف تزداد يومًا بعد يوم بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
وقالت الشواربي إن تكلفة المشاريع الإسكانية زادت، وبالتالي طالبت العديد من الشركات بإعادة التسعير نتيجة زيادة قيم القروض التي أصبحت الشركات مطالبة بسدادها للبنوك، وهذا يعني أن المستثمر في العقار خسر جزء من قيمة أمواله رغم أنه لجأ للعقار لحفظ القيمة.
وأوضحت الشواربي أنه رغم أن هناك خوف وقلق من الأوضاع الاقتصادية، إلا أن هناك أخبارًا إيجابية تلوح في الأفق، مع زيادة الاستثمارات وتحرك الاقتصاد بعد الأزمات الأخيرة.