تخوف في الولايات المتحدة من الركود الاقتصادي
لجأ الكثيرون إلى بيع الأسهم في جميع أنحاء العالم، مع انخفاض المؤشرات الأمريكية إذ دفعت المخاوف من تباطؤ الاقتصاد في الولايات المتحدة الأسهم العالمية إلى التراجع، بينما تصدرت أسهم شركات الطاقة والمرافق الخسائر على نطاق واسع.
المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد الأمريكي تزايدت بعد تباطؤ نمو الوظائف بشكل حاد في يوليو، ويشعر المستثمرون بالقلق من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي تحرك ببطء شديد وسيحتاج إلى اللحاق بالركب في خفض أسعار الفائدة، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وتباطأ التوظيف في الولايات المتحدة بنسبة أكبر من المتوقع في تموز مع ارتفاع معدّل البطالة إلى أعلى مستوى منذ أواخر 2021، وفق بيانات حكومية نشرت الجمعة، وسط دعوات لخفض أسعار الفائدة.
واستحدث أكبر اقتصاد في العالم 114 ألف وظيفة الشهر الماضي، وهو رقم يعكس تراجعا مقارنة بـ179 ألف وظيفة تم استحداثها في حزيران، وفقا لوزارة العمل.
وارتفع معدل البطالة إلى 4,3 بالمئة، وهو الأعلى منذ أكتوبر 2021، وفقا لبيانات حكومية.
وبناء على هذه البيانات، بدأت حالة مفاجئة من الذعر العالمية بين عشية وضحاها، مما أدى إلى انخفاض قيمة الأسهم والعملات وحتى العملات المشفرة وإثارة احتمال حدوث تباطؤ أوسع نطاقًا في الأفق، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست”.
وكانت بداية الاضطرابات في اليابان، حيث انخفض مؤشر نيكي 225 بأكثر من 12 في المئة، وهو أسوأ انخفاض له في يوم واحد منذ الانهيار بعد الاثنين الأسود في عام 1987.
خسائر في أوروبا والولايات المتحدة
توالت الخسائر في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، حيث تخلص المستثمرون من الأصول الأكثر خطورة.
في أوروبا، سجل مؤشر الأسهم الرئيسي أدنى مستوى له في أكثر من ستة أشهر الاثنين.
وأغلق المؤشر ستوكس 600 منخفضا 2.2 بالمئة، لكنه ابتعد عن أدنى مستوى سجله خلال الجلسة. سجل المؤشر القاري أكبر انخفاض له في ثلاثة أيام منذ يونيو 2022، وأغلق دون مستوى 500 نقطة الرئيسي لليوم الثاني، بحسب وكالة رويترز.
وعلى صعيد المؤشرات الأوروبية الأخرى، تراجع المؤشر داكس الألماني والمؤشر كاك 40 الفرنسي والمؤشر فايننشال تايمز البريطاني والمؤشر إيبكس 35 الإسباني بنسب تتراوح بين 1.4 بالمئة و2.3 بالمئة، لتصل إلى أدنى مستوياتها في عدة أشهر خلال اليوم.
وفي الولايات المتحدة، أغلقت مؤشرات الأسهم الرئيسية على انخفاض حاد الاثنين.
وانخفضت المؤشرات الثلاثة الرئيسية بأكثر من 2.5 في المئة، حيث قاد مؤشر ناسداك الخسائر وانخفض متوسط داو جونز الصناعي بأكثر من 1000 نقطة. قلصت الأسهم وعوائد الخزانة الانخفاضات بعد أن جاءت بيانات قطاع الخدمات أفضل من المتوقع.
وسادت حالة من العزوف عن المخاطرة وسط مخاوف من احتمالية انزلاق الولايات المتحدة إلى ركود، وهو ما أثر بشكل حاد على تداولات وول ستريت وأسواق الأسهم الأخرى، وزاد من آمال خفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو الاقتصادي.
وقدمت أنباء انتعاش قطاع الخدمات الأمريكي في يوليو بعض الارتياح للمتعاملين، مما ساعد الأسهم الأمريكية والأوروبية على تعويض بعض الخسائر.
خشية من ضعف الاقتصاد الأمريكي
يخشى خبراء الاقتصاد أن يكون الاقتصاد الأمريكي أضعف مما أدركه محافظو البنوك المركزية في بنك الاحتياطي الفيدرالي، وقد يجبر بنك الاحتياطي الفيدرالي على خفض حاد في تكاليف الاقتراض في سبتمبر – أو حتى خفض أسعار الفائدة في حالات الطوارئ قبل ذلك – لتحفيز الطلب.
وقال ستيفن براون نائب كبير خبراء الاقتصاد في أمريكا الشمالية لدى كابيتال إيكونوميكس “إن التباطؤ الحاد في الرواتب في يوليو والارتفاع الحاد في معدل البطالة يجعل خفض أسعار الفائدة في سبتمبر أمرا لا مفر منه وسيزيد من التكهنات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ دورة تخفيف السياسة النقدية بخفض 50 نقطة أساس أو أكثر.
ماذا يعني الركود؟
الركود هو تباطؤ كبير ومنتشر وممتد في النشاط الاقتصادي. والقاعدة العامة هي أن ربعين متتاليين من النمو السلبي للناتج المحلي الإجمالي يشيران إلى الركود. ومع ذلك، تُستخدم أيضاً صيغ أكثر تعقيداً لتحديد الركود.
ويقيس خبراء الاقتصاد في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية (NBER) الركود من خلال النظر في رواتب غير زراعية، والإنتاج الصناعي، ومبيعات التجزئة، من بين مؤشرات أخرى.
ويشير المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية أيضاً إلى أنه “لا توجد قاعدة ثابتة حول التدابير التي تساهم في المعلومات في العملية أو كيفية ترجيحها في قراراتنا”.
يجب أن يكون الركود عميقاً ومنتشراً ودائماً حتى يتم تصنيفه كركود وفقاً لتعريف المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية. نظراً لأن بعض هذه الصفات قد لا تكون واضحة عند بدء الركود لأول مرة، فإن العديد من حالات الركود تسمى بأثر رجعي.
ما تأثير الركود على كلفة المعيشة؟
لأن الركود الاقتصادي يكون مصحوباً بارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، فإن ذلك يعني بالتبعية زيادة في أعباء كلفة المعيشة للأسر. ويأكل معدل التضخم من القيمة الحقيقية للأجور مما يجعل دخل الأسر يقل عملياً حتى لو زادت الرواتب، وهكذا يقل الإنفاق الاستهلاكي على السلع والخدمات. ومثلها مثل الدولة، ترتفع كلفة الاقتراض للأسر كي تنفق على احتياجاتها الأساسية وتعوض تدهور قيمة الدخول، كما أن استمرار الركود يكون مصحوباً بزيادة معدلات البطالة، بالتالي وجود أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل مما يضغط على قدرة الأسر لتحمل أعباء كلف المعيشة. ومع تردي النشاط في الاقتصاد في فترة الركود لا تتوفر فرص عمل بالقدر الذي يستوعب العمالة العاطلة. وليس بالضرورة أن تخفض الأسعار بقوة في فترات الركود الاقتصادي، بالتالي تتحمل الأسر أعباء مضاعفة للإنفاق على ضرورات المعيشة. وغالباً ما تضطر إلى تأجيل الحصول على متطلبات غير ضرورية بشكل حرج لتتمكن من الاستمرار.
لكن الأهم طبعاً بحسب الاندبندنت هو أن ثقة الناس في المستقبل تتدهور، وهذا ما يقلل الإنفاق الاستهلاكي وربما يزيد من معدلات الادخار. وعلى رغم أن الادخار يكون مفيداً في توفير ملاءة محلية للاستثمار العام الحكومي فإنه بالضرورة ليس الحل الأمثل للأسر، بخاصة أن معدلات التضخم تأكل من قيمة المدخرات على المدى البعيد.