جرائم بالجملة، وانتهاكات ممنهجة. الجلاد فيها الحزب الشيوعي الصيني، والضحية شعب بأكمله عانى الأمرّين بسبب ثقافته وديانته المختلفة. من دون أدنى شك فإنّنا نتحدث هنا عن الإيغور، تلك الأقلية المسلمة التي تصدّرت قصتها عناوين الصحف العالمية، وباتت قضية الإيغور مصدر قلق لدول ومنظمات حقوقية لم تعد تستوعب وجود هكذا نموذج في القرن الواحد والعشرين.
وربّما يتبادر إلى الأذهان عند الحديث عن الإيغور، معاناة شعوب أخرى كما هو الحال في ميانمار وكوريا الشمالية، إلّا أنّ الفارق يكمن في وجود تحقيق دولي أو إجراءات من شأنها أن تحدّ من القمع ولو جزئياً في تلك الدول، مقارنةً بحال الإيغور وسعي بكين الحثيث لعرقلة أيّ إجراء قد يتخذ ضدّها بسبب الأقلية المسلمة.
وانطلاقاً من النقطة السابقة، تعمل منظمات دولية على جمع ما أمكنها من أدلة تدين الصين، وكان منها منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي أكّدت على لسان أحد مسؤوليها أنها تحاول فتح تحقيق مستقل حول الانتهاكات التي يتعرض لها الإيغور.
وفي مقابلة مع “أخبار الآن“، قالت صوفي ريتشاردسن مسؤولة ملف الصين في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إن “المنظمة وثّقت على مدى 4 أشهر الانتهاكات التي تمارسها الحكومة الصينية بحق الإيغور والترك المسلمين والتي كان منها وضع قيود على حرية المعتقد والحد من قدرة الأفراد على تعليم أطفالهم لغتهم الأم”.
وأضافت: “نحن فى مسعى لفتح تحقيق دولي مستقل في هذه الانتهاكات تماماً كما في ميانمار وكوريا الشمالية.. نطمح أن تتحول أزمة حقوق الإنسان التي يعانيها الإيغور إلى شأن دولي”.
الخبيرة الحقوقية شدّدت على أنّه “ما لم يبدأ العالم الخارجي بالضغط على الصين وتحميل المسؤولين الصينيين مسؤولية أفعالهم أسوة بحكومات مستبدة أخرى، فمن المتوقع أن تبدأ الحكومة في محو الهوية الفريدة للإيغور والشعوب المسلمة الأخرى، وهذا يمثل بحد ذاته خسارة وكارثة على العالم أجمع”. وفق تعبيرها.
ريتشاردسن لفتت إلى ضرورة وجود دور بارز للحكومات في الدول ذات الأغلبية المسلمة، خصوصاً في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا ومنظمات كمنظمة التعاون الإسلامي، وقالت: “الحكومة الصينية ما لم تشعر بدعم متنوع وواسع النطاق لا سيما على صعيد الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، ستستمر في الاعتراض والادعاء أن قضية الإيغور تُحرك فقط من قبل الدول الغربية لأسباب سياسية.. يجب أن نفهم أن هذه حضارة عريقة ومميزة تعود لقرون غابرة على طول طريق الحرير، وهي الآن تُدمر ويكاد يفوت الأوان. إذا لم نتحرك سريعاً فستقضي الحكومة الصينية على هذه الحضارة للأبد”.
انتهاكات بالجملة
لم يقتصر دور “هيومن رايتس ووتش” على توثيق الانتهاكات والجرائم بحق الإيغور، بل سعت إلى كشفها للعالم أجمع كما فعلت العديد من المنظمات الأخرى خلال السنوات السابقة، وقالت “ريتشاردسن”: “لم نوثّق هذه الانتهاكات فقط، بل قمنا بكشفها للعيان.. تحاول الحكومة الصينية نفي صحة هذه الانتهاكات، إلا أننا تمكنّا من إظهار مدى انتشار القيود على ممارسة شعائر الدين الإسلامي، إضافة إلى تجريم ذلك من قبل بكين التي أنشأت تطبيقات للشرطة وهي إحدى الأساليب لمراقبة متى يؤدّي الناس صلواتهم، وبالتالي يستخدمون هذه المعلومات في التحقيق مع الناس أو احتجازهم بتهمة أنهم مذنبون”.
وأضافت “على سبيل المثال، متابعة الدراسة في جامعة ما في الشرق الأوسط يُعتبر اليوم أمراً مشبوهاً. كل هذه الممارسات هي انتهاكات لحرية المعتقد، ونعتقد أنّ هذه الأمور يجب أن تستدعي استنفار المجتمعات حول العالم لمطالبة الحكومة الصينية بوقف اضطهادها للإيغور”.
ومن أبرز ما كشفته الخبيرة الحقوقية لأخبار الآن من أدلة حصلت عليها المنظمة، “تعليقات وتصريحات مرعبة لمسؤولين في الحكومة الصينية، تنعت الإسلام بالفيروس الإيديولوجي الذي يجب القضاء عليه، وتصف الإيغور وأقليات أخرى بالفئران والصراصير وغيرها من النعوت السلبية”.
وقالت ريتشاردسن لـ”أخبار الآن“: “يُلاحظ أنّ الديبلوماسيين الصينيين يتكلمون بهذه اللغة على وسائل التواصل الاجتماعي ولا يتوقعون أن يرتد الأمر عليهم، وتويتر إحدى المنصات التي تسمح للعالم برؤية هذا التصرف. هذه اللغة المريعة ليست مفاجئة فحسب، بل تساعد على حشد الرأي العام الدولي ضد التهديد المحدق بهذا المجتمع وبوجوده”.
واللافت ما تحدثت عنه الخبيرة الحقوقية حول سعي بكين إلى فرض ثقافة الحزب الشيوعي الصيني على شعب بأكمله وهي حالة نادرة وربما وحيدة لم يعان منها شعب سابق وقالت: “مشروع حكومة شي جين بينغ يقوم على أساس فرض الطابع الصيني على الدين، وهذا المصطلح يعني إجبار المجتمعات الدينية كافة على أن تكون تابعة سياسيّاً للحكومة الصينية والحزب الشيوعي الصيني، بغض النظر عمّا إذا كان الأمر متعلق بالحقوق أو الدين. أما بالنسبة إلى مناطق الإيغور، فالأمر كان واضحاً من خلال تدمير ليس فقط لمدينة كاشغر القديمة التي تعتبر موقعاً تاريخيّاً وثقافياً عظيماً بل أيضاً تدمير مساجد وإزالة الهلال، وحتى إزالة الأحرف العربية من لافتات المتاجر”. وأضافت: “لقد فرضت الدولة ذلك بشكل صارم. هذه الممارسات بحد ذاتها جرائم بحق الإنسان وفقًا للقانون الدولي”.
كيف يمكن إجراء تحقيق دولي؟
وبالعودة إلى نقطة التحقيق الدولي وإمكانية الشروع به ضد الحكومة الصينية، قالت ريتشاردسن: إنّه “قد ينشأ تحقيق دولي، ومن المحتمل أن تتم المحاكمة أو فرض عقوبات فردية على المسؤولين في الحكومة الصينية الذين سبّبوا هذه المشاكل”.
وأضافت: “هذه تدابير رادعة بقوّة وينبغي على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها. الإيغور يحصلون على أماكن آمنة بعد هروبهم من الاضطهاد، فالصين بلد خطر عليهم، أعتقد أن عدم عودتهم تُعدّ طريقة للضغط على بكين، والتعبير أن سياساتها تجاه هذه المجتمعات غير مقبولة ولن يتمّ التسامح معها”.
ريتشاردسن شدّدت في نهاية المقابلة على ضرورة محاسبة الصين، وعدم النظر إلى نفوذ بكين الاقتصادي، وخاصة أن وعود الحكومة الصينية لدول عديدة حول منح اقتصادية لم يتحقق كما كان مطروحاً، وقالت: “مؤخرا بدأنا نشهد بعض التغيرات في التعامل مع الحكومة الصينية، فمثلاً مبادرتها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لاقت دعماً أقل، والأمر المهم ليس فقط بالنسبة إلى المنظمات فقط كمنظمتي، بل أيضاً بالنسبة للدول والحكومات حول العالم، ولذلك ألفت مرة أخرى إلى ضرورة البدء باتخاذ أشكال بنّاءة لتأمين الحماية للإيغور ومحاكمة مرتكبي الجرائم ضد حقوق الإنسان”.