أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة – بواسطة "عماد أبو الفتوح " بالتعاون مع أراجيك
بعض الدراسات الحالية، تؤكد أننا نعيش ظروفاً شديدة التشـابه بأوروبـا فى القــرون الوسيطــة، أوروبا الزرقـاء الأنيقــة الآن ، المليئة بالجبــال الخضــراء ، والوجــوه الشقراء النضــرة ، والتقنيــة والحداثة والنظـافة والإدارة والتنظيــم والخدمـات والإبداع ، لم تكـن كذلك من 500 سنة كمـا تعرفون جميعـاً ، عندما كانت التسليـة الوحيــدة المُتاحة للناس وقتها ، هي قتــل بعضهم البعـض لإعلاء كلمة الرب ..
من المُمتع فعلاً أن نوضّـح لماذا نعيش فى ظـروف مُشابهـة لـ ( أوروبا القــرونوسطيـّة ) كمـا يُطلق عليها الأكاديميــّون والمتحذلقـون ، ولكـن بطريقة مُختلفة قليلاً .. طريقة المُقـارنة الفكـرية بشكــل فردي ، وليس المقارنـات الإجتمـاعية العــامة بين الشعوب الاوروبية و الشعــوب العــربية، بشكـل عام، ( دليل ) سريع مُبسّـط يوضّـح لك إن كنتَ أنت نفســك تعيش بعقليــة القـرون الوسطى الأوروبية في القــرن الحادي والعشــرين ، أم أنك تعيش بمفـردات وأدوات العصــر .
تعتبــر كلمة "الحــرية " .. مُــردافة للتحلل الأخلاقي
عندمـا تسمع تعبيــر "الحرية"، لاحظ أفكـارك .. إذا قفــز في ذهنــك فوراً بلا تفكيــر، بمجرد سمـاع كلمة " الحرية " ، مفهــوم التحرر الجنســي، والعلاقــات الجنسيــة المُشينة ، والشذوذ ، والسحــاق ، وكل هذه الكلمــات المُريعة ، فيجب أن تعرف فوراً أنك على رأس قائمة المُفكــرين بعقلية القرون الوسطى، في القـرون الوسطى ، كـان إذا نوديَ بالحـرية بين المثقفين والنخــب بغرض التطوّر السيـاسي والمُجتمعـيعادة، فأوّل ماكان يتبــادر لذهن العامّة المُحافظين وقتهـا أن المطــلوب هو الحرية الجنسية .. هكذا فقـط ، وبشكـل مُباشر ، دون إسقــاط مفهوم الحرية على حق التعبير ، التفكيـر ، الاعتراض ، التأييد ، الإنتمـاء السياسي والفكــري، فقط انت تخشـى جداً من كلمة ( الحرّية ) لأنك تعرف تماماً أن بداخلك وحـش مُريــع سيتحــرر بمجـرّد رفع الغطـاء !
عندمـا لا تستــريح لكلمـة "مواطنة" !
تخيفك جداً هذه الكلمة، وتقلقك ، وتجعلك تفكّــر بعصبيــة وحذر ، وتهاجم وتعتــرض على من ينـادي بها .. كيف يجــرؤ أحد بأن يُنــادي بإعلاء مبــدأ المواطنة ، الذي يعنـي المُســاواة بين البشــر في البلد الواحد، في البلد العـربي الواحد متعدد الطوائف ، تعتبر أن طائفتك "السيد"وبقية الطوائــف والأديـان درجة ثــانية، في هذا الوطن ..
فقط عندما ينـادي مُناد بإعلاء قمية "المواطنة"، وأن الجميع متســاويــن فى الحقوق والواجبات والمُعاملات بشكـل كامل ، تجــد أن كل الفــرق تتحـــد في السعــي إلى سحقــه ، وتكفيــره ، وتخوينه ، وتضليله ، وتفسيقــه ، وإتهامه بأنه متآمــر ضد الدين والوطن، هذا الملمح بالذات من أهم ملامح عقليــة القرون الوسطـى، التى سادت أوروبــا لسنــوات طويلة جداً …
عندمـا ترعبك الأفكـار المُخالفة لما تربّيت عليه
القـرون الوسطـى الأوروبية ، كـان أكثـر شيء مُخيف للعــامّي أن يقع أمامه فكــراً مُخالفـاً لفكــر الكنيسة .. أو يروّج لكنيســة أخــرى .. ناهيــك عن التــرويج للأفكــار العلميــة والإنســانية بعيــداً عن مفهــوم الكنيسة ..
مُجــرد تنـاول هذه الأفكـار ومناقشتهـا ، لا يُعرّضه فقط للمســاءلة من السلطـات .. بل يعرّضــه لأزمـات نفسية ، وعقدة ذنب بالغة : كيــف جرؤت أن أقرأ كتــاباً أو اتعرض لفكـر مخالف لفكــر المُجتمع والحيـاة الذي تعيشه ؟
إذا كنتَ تعيش بعقلية هذا العـالِم المُسلم المُنفتح ، السابق لعصــره ، فأنت تعيش بالضبط فى زمـانك الصحيح ( القرن الحادي والعشـرين ) .. أما إذا كنتَ تعيش بعقليــة أمين المكتبــة المُرتعش الخائف من مجرد قراءة أفكــار مُخالفة للأفكــار الذي نشــأ وتربّى عليهـا .. فأهلاً بك في القــرون الوسطى !
عندما يكون تركيزك كله منصبّـا على قضايا عجيبة !
هل الموسيقى حرام أم حلال ؟ .. هل يجــوز الشــرب من الإناء مُباشــرة ؟ .. هل يجوز مُصـافحة الأجنبــي ؟ .. هل إرتداء البنطلــون حرام ؟ .. هل يجــوز الأكــل بالملعقــة ؟
من المهـم أن يلتــزم الإنســان حرفيـاً بمنهاج دينه ، فلكــل تصوّراته للديــن وتطبيقــاته .. ولكنـي – صدقاً – لا أفهم أن يكون كل تفكيــرك مُنصباً على هذه القضـايــا ، في الوقت الذي لا تفعـل فيه أي شيء تقريباً فى حياتك !