أخبار الآن | دمشق – سوريا (آية الحسن)
يرصد فيلم "حب في الحصار" لـ "مطر اسماعيل" التفاصيل اليومية التي تقوم عليها حياة عائلة محاصرة تسكن في جنوب العاصمة دمشق. وما هو أدق تفصيل يمكن أن يصف جنوب دمشق إلاّ الحصار.
نبدأ كمسترقيّ النظر على بيت العائلة الصغير، الذي يشبه كل البيوت الدمشقية والمحاصرة تحديداً، هذا الحصار الذي يطبع كل شيء بوشمه الخاص.
رحلة البحث عن الماء
الأواني البلاستيكية الفارغة، خزانات الماء، بعض القطرات هنا وأخرى شحيحة هناك، هي رحلة أم وسيم كل يوم محملة بتلك الأواني تبحث عن الماء، تتفادى هدره مرة لتسخى به مرات أخرى. ببعض القطرات تستطيع أن تؤمن حاجة أولادها للغسل والطبخ.
يبدو الفيلم وكأنه رحلة البحث عن الماء ضمن كل ما يمر عليك من صور التقطت في بيت عائلة "أبو ياسين"، إلى جانب موسيقى خفيفة الظل، فتصدر من الراديو الصغير أغاني الحبّ والأخبار اليومية التي تملأ ذلك الفضاء الشقيّ، والذي لم يتوقف هنا فقد خطته أيادي الصغار التي وجدت من قطرات الماء الزائدة لعبة مسلية يلعبون بها ويضحكون بملأ أفواههم الصغيرة، وكأن كل ما هو حيّ في البيت مرتبط بما إذا كانت هذه الأواني فارغة أم ممتلئة.
إلى هنا لم ينتهي الحب بعد، فقلب "أم وسيم" و"أبو ياسين" يتسع للأولاد الثلاثة والموسيقى، وبعض الأوراق الخضراء التي عثرت عليها خلال رحلتها اليومية، فرجعت لتطهو طبخة اليوم التي تقيت بها قلب أطفالها، وتحولها بفعل بعض كلمات الحب التي تقولها لأولادها الصغار على الدوام إلى طعام شهي. الصغار الذين على الأغلب لم يعرفوا من الحياة إلاّ حصاراً لوّن أصابعهم بالأسود حين أجبرهم على إيقاد المواقد وتقطيع البلاستيك.
30 قتيلاً لقوات الأسد والمليشيات الموالية لها في معارك بريف حلب الجنوبي
تحول العائلة الكلمات والأغراض في ذلك البيت الصغير إلى أمر ممكن، يُرّكبون الأشياء القديمة يقصون ويلصقون، كل ما هو موجود يمكن أن يستفاد منه، وهكذا يتحول البيت إلى عش حبّ صغير يتعاون من فيه على خلق الحياة والبسمة.
تولد الرغبة في خلق الحياة داخل أصغر التفاصيل وأدقها، تلك التي تجبر الحصار على الانكسار بدل الكسر، فمن بقي على قيد الحياة هناك في الجنوب يتقن الحياة على طريقه، وبعيداً عن تمجيد البؤس الذي صار سمة لا تفارق يوميات المحاصرين، تسير كل يوم "أم وسيم" برحلة صغيرة مع الأطفال الذي لا يذهبون إلى المدارس بل يرتدون البدلات المدرسيّة ربما للاحتماء من المطر.
حبٌّ يبدد الفقر
في اليوم الذي لا نعثر فيه على خضار وحشائش يمكن أن نقف في طابور اعتيادي للحصول على القليل من الطعام، فتبدو تلك الكمية القليلة وافية بالغرض تشفي قلوباً جائعة.
الابن الأصغر "وسام" يقف بجانب أبيه، تبدو ملابسه متسخة وعلى وجهه الكثير من العلامات السوداء، لا ماء يغسل أوساخ الصبي، ولكن هناك الكثير من القبل التي تبدد السواد والأوساخ من القلب والوجه. في إحدى أقوى المشاهد والتي تعترف بما تبقى من الحياة في بيت العائلة، التي مازالت تقوى على العطاء والحبّ. هو سلاحها الفعال أمام استعصاء الحياة، ومع ذلك فلا شيء يستعصي على الحلّ في بيت العائلة الصغيرة، هم تماماً مثل خزان ممتلئ بالحب بدل خزان الماء الفارغ، حتى تعلم الصغار إن لم يجدوا الماء هنا سيجدونه هناك لا محالة، فالسبل لا تنقطع أمام عزيمة رحلات الأم اليومية.
الجيش الحر في القنيطرة يطلق معركة لبيك يا داريا
والجدير بالذكر أن فيلم "حب في الحصار" حاز منذ أيام على جائزة "سمير قصير" لحرية الصحافة والإعلام عن أفضل تحقيق سمعي بصري. وفي كلمة للمخرج عقب نيله الجائزة شكر "أم وسيم" على رحابة صدرها وتقبلها لتصوير جزء من حياتها على تشبه حياة مئات العائلات المحاصرة. وذكر أيضاً أن منحة الفيلم ذهبت لصالح مؤسسة ألفابيت التي تقدم التعليم البديل للاجئين السوريين.
كما جاء في تعريف المخرج للفيلم: "أكثر من سنتين مرّت ولا يزال حصار النظام السوري لـ100 ألف إنسانٍ مدنيّ في جنوب العاصمة دمشق مستمراً ، قضى خلال هذه الفترة أكثر من 200 إنساناً جرّاء الجوع والمرض، وعاش الباقون خلال فترات الحصار الشديدة بالاعتمادِ الكليّ على ما تنبته الأرض من حشائش ومزروعات، مقاومين ما استطاعوا الى ذلك سبيلا، لغة الحصار والجوع بأبجدية الأمل والحب".