بهيكلها الأسود اللامع وتصميمها الدافئ العائد إلى نهاية القرن التاسع عشر، لا تزال سفينة “السودان” البخارية التي ألهمت “ملكة الجريمة” أجاثا كريستي تقاوم الزمن، محافظة على ذكرى الروائية البريطانية حية في الأذهان.
ويتباين التصميم الأنيق لهذه السفينة البخارية البالغ طولها 73 مترا وعرضها 14,5 مترا، مع المراكب البدائية الأخرى التي تبحر في نهر النيل.
ورغم جائحة كوفيد-19 التي أرغمت شركات الرحلات البحرية السياحية على وقف أنشطتها أشهرا عدة، عادت “السودان” سريعا إلى الخدمة في تشرين الأول/أكتوبر.
ويقول مدير السفينة أمير عطية “تلقينا حجوزات على الفور”، وباتت كل الغرف محجوزة في السفينة البالغ وزنها ألف طن.
ويشير إلى أن “أجواء رحلة” أجاثا كريستي على السفينة شكّلت مصدر إلهام لها في كتابة الفصول الأولى من روايتها “موت فوق النيل” التي نُشرت في العام 1937.
ولا تزال الرواية هي الأخرى حية، إذ إنها اقتُبست مجددا في عمل سينمائي من توقيع المخرج البريطاني كينيث براناه من المتوقع عرضه في 2021.
وشُيدت السفينة لصالح الأسرة المالكة المصرية في العام 1885 قبل تحويلها باخرة سياحية سنة 1921.
وقد نزلت أغاتا كريستي التي كتبت 66 رواية، مع زوجها عالم الآثار ماكس مالوان على السفينة في العام 1933.
ويقول عطية إن كريستي، على غرار أفراد النخبة الغربية حينها، كانت كثيرة الأسفار.
وهي تلقت مع زوجها دعوة “للإقامة في فندق ونتر بالاس في الاقصر، ثم قاما برحلة نيلية لبضعة ايام على ظهر سفينة السودان قبل أن تختتم جولتها في فندق أولد كتراكت” بمدينة أسوان.
وبعد إهمالها طويلا، تعيش السفينة شبابا متجددا منذ شرائها وتجديدها من جانب شركة فرنسية للرحلات البحرية في العقد الأول من القرن الحالي.
ولم يعد محرّك السفينة البخارية يستخدم الفحم كوقود، “بل الديزل والطاقة الشمسية”، وفقا لعطية.
ومن على الجسر الخشبي، ما زال بإمكان الزائرين الاستمتاع برؤية النخيل على ضفاف النيل الرملية، تماما كحال المفتش البلجيكي هركول بوارو، أحد أبرز شخصيات روايات أغاتا كريستي.
ذاكرة محفوظة بعناية
من بين 23 غرفة وجناحا على الباخرة، يؤكد عطية أن الجناح حيث نزلت أجاثا كريستي هو أكثر الأجنحة المرغوبة من زوار السفينة التي يعمل عليها 67 موظفا “ليلا نهارا”.
ويضيف “عادة تكون هناك طلبات حجز لعامين مقبلين”.
ويستكمل السائحون رحلتهم في التاريخ عبر فندق “أولد كتراكت” الفخم الذي احتفظ هو الآخر بآثار رحلة الروائية البريطانية.
في مدخل الفندق، يمكن رؤية كرسي متحرك ومكتب صغير كانت تجلس عليه الكاتبة في جناحها خلال زياراتها المتعددة، وفق سليم شور مدير الفندق.
هذه الآثار الباقية من رحلات الروائية ما زالت “عنصر جذب بحد ذاتها” اذ يأتي عشاق قصص كريستي لالتقاط الصور الى جوار هذا الكرسي، بحسب شور.
ومنذ إنشائه عام 1899 صار هذا الفندق محطة مفضلة لرجال دولة وفنانين وأفراد من الطبقات المخملية في العالم.
واستقبل الفندق خصوصا رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل (مع جناح باسمه على غرار الروائية)، و”تقريبا كل الرؤساء الفرنسيين خلال السنوات الأربعين الأخيرة”، وفق مديره.
كما نزل في الفندق الروائي المصري الحائز جائزة نوبل للآداب نجيب محفوظ.
لكن منذ 2016، يستقطب الفندق أعدادا متزايدة من المصريين الراغبين في رؤية موقع تصوير مسلسل “غراند أوتيل” الذي تدور أحداثه في خمسينات القرن الماضي وحقق نجاحا واسعا لدى عرضه في ذلك العام.