متجر بابازيان دشّن في العام 1903
يبدو الزمن كأنه متوقف في متجر بابازيان الأرمني للساعات في القاهرة المقام منذ العام 1903 في أسفل بناية شُيدت على طراز هوسمان الفرنسي من القرن التاسع عشر، حيث يحاول الستيني ” أشود” الحفاظ على تقليد عائلي متوارث منذ عقود.
يزخر المحل الصغير الواقع في ميدان العتبة، أحد أكثر ميادين العاصمة المصرية ازدحاما وضجيجا، خلف واجهاته الزجاجية المؤطرة بالخشب الملون بساعات جيب قديمة وأخرى بسوار تعود الى عقود غابرة، وبإعلانات اصفرّ ورقها بمرور الزمن تشهد على العصر الذهبي للمكان العريق.
وتحت طاولة البيع العتيقة التي لا تزال صامدة منذ ما يزيد على قرن، توجد في أدراج خشبية قطع غيار لكل أنواع الساعات وماركاتها.
وتحتل ساعات حائط من طرازات مختلفة يعود بعضها إلى القرن التاسع عشر كامل مساحة جدران المحل. وهي مملوكة لزبائن أتوا بها لإصلاحها، أو إلى ” أشود بابازيان ” نفسه الذي يجمعها ويرفض بيعها.
وداخل مكتبه الصغير الزاخر بالمحفوظات من كتب وساعات رقاصية شتى، يجلس بابازيان البالغ من العمر 64 عاما حارسا لذاكرة المكان.
وتشهد على ذلك صورتان بالأبيض والاسود معلقتان فوق كرسيه، الأولى لجده نرسيس المعروف بـ”فرنسيس” وهو مؤسس المحل، والثانية لوالده سركيس.
ويُعدّ محل بابازيان اليوم من الأماكن النادرة في القاهرة التي يتم فيها تصلح ساعات تعمل وفق الآليات القديمة. ويقول الساعاتي مرتديا كنزة من الصوف وسروال جينز “لدي قطع غيار تعود الى أيام جدي”.
مشاهير
في العام 1893، هجر الجيش العثماني نرسيس بابازيان الذي قفز في سفينة لا يعرف وجهتها, ووجد نفسه في مدينة الاسكندرية الساحلية شمال مصر، بحسب ما يؤكد حفيده ” أشود ” لوكالة فرانس برس.
بعد عشر سنوات، افتتح محل الساعات الخاص به في القاهرة, والذي ما زال يحمل اسمه على واجهته الخارجية.
وبحسب “أشود بابازيان”، تردد الكثير من المشاهير من العصر الذهبي للسينما المصرية على المحل مثل يوسف وهبي وفؤاد المهندس وعبد المنعم ابراهيم.
كما كانت العائلة المالكة المصرية في عهد فاروق (اخر ملوك مصر) تستدعي والده في القصر الملكي لاختيار ساعات، وفق أشود.
ويروي الرجل أنه “بعد الثورة كان الضباط (الذين أطاحوا الملكية عام 1952) يأتون. كانوا أصدقاء لوالدي وكانوا يعشقون الساعات”.
ولم يعد زبائن المحل اليوم من السياسيين أو المشاهير، لكنهم كثر وأوفياء للمحل و”غالبيتهم أصبحوا أصدقاء”، وفق بابازيان الذي يقول “ليس لدينا زبائن من المارة الغرباء”.
ويقول طلعت فرغلي (71 عاما) وهو تاجر من زبائن بابازيان إنه يتردد على المحل منذ العام 1965. ويضيف إن الساعاتي “موثوق فيه للغاية ونحن نسميه الخواجة (كلمة دارجة في مصر تطلق على الأجنبي)”.
أما أحمد المليجي (62 عاما) فهو من هواة جميع ساعات الحائط وبدأ في اقتنائها اعتبارا من العام 1984 ويمتلك الآن 35 منها. ويقول لوكالة فرانس برس “كنت أمر أمام محل أشود وكنت مولعا بالساعات على الجدران. وذات
يوم قررت أن أشتري واحدة ومنذ ذلك الحين لم أتوقف”.
واستقبلت مصر أعدادا كبيرة من الأرمن اعتبارا من القرن التاسع عشر. لكن عددهم حاليا لا يتعدى بضعة آلاف، وفق تقديرات عدة.
ولم يبدِ ولدا ” أشود” حتى الآن اهتماما بمواصلة مهنة الأسرة، لكنه لا يستبعد أن يغيّرا رأيهما لاحقا قائلا “لا أحد يعلم” ما قد يحصل.