فيلم “الشقراء” سلط الضوء على الوجه الآخر لأيقونة الإغراء مارلين مونرو
- كتب وأفلام تبحث في سر هوس الجماهير بها رغم وفاتها منذ 60 عامًا
- لم تنجح وفاة مارلين مونرو في طي صفحتها.. بل زادت إثارتها
بوستر كبير عُلق على جدار غرفتي، منذ عشرين عامًا، كنت قد اشتريته لفنانة شهيرة، أعلم أن اسمها مارلين مونرو، كنت أتوقف أمام ملامحها في صورةٍ ليست الوحيدة عند بائع الصور لهذه النجمة، لكنها الأشهر، والتي كوّن الملايين من خلالها خيالهم لفتاة الأحلام.
تذكرتُ هذه اللحظات وأنا أشاهد فيلم (الشقراء) أو Blond بلوند، والذي طرحته شبكة نتفيلكس في 28 سبتمبر الماضي، من بطولة آنا دي أرماس التي جسدت دور مونرو، وأعتقد أنه سيتم ترشيحها لجائزة الأوسكار عن هذا الدور، خاصة بعدما جسدته ببراعة، وأدريان برودي الذي لعب دور الكاتب والروائي أرثر ميلر، وسارا باكستون، وبوبي كانفال، وخافيير صامويل، وجوليان نيكولسون، وكان ينتظر الجميع عرض الفيلم، لا سيما عشاق النجمة الأمريكية، ومتتبعي سيرتها.
وعلى الرغم من طرح عدد لا بأس به من الأفلام والوثائقيات والكتب والروايات عن حياة مارلين مونرو، حيث إن الفيلم الأخير والمأخوذ عن رواية كتبتها الروائية الأمريكية المولودة في سنة 1938 جويس كارول أوتس، وصدرت عام 2000، هو الفيلم السادس عشر؛ الذي يتطرق إلى حياة النجمة الأمريكية، وعلى الرغم أنه لم يتلقى إشادات الجمهور، أو إعجاب النقاد، إلا أنه سلّط الضوء بشكل أكثر دقة عن “الألم والصراع” في حياة مارلين مونرو، أو نورما جين، وهو اسمها الحقيقي الذي وُلدت به.
بعد الإعلان عن تصوير الفيلم، انتظر الجمهور والنٌقاد معًا لحظة العرض، على أمل أن يُقدم الفيلم الجديد؛ مادةً مختلفةً عن حياة أو وفاة واحدة من أكثر نجمات السينما الأمريكية إثارة.
إعلان فيلم الشقراء الذي يسلط الضوء على حياة مارلين مونرو
الروايةُ التي بُنيت عليها أحداث الفيلم حققت نجاحًا كبيرًا، وتصدرت المبيعات في الولايات المتحدة الأمريكية، تقول عنها كاتبتها جويس إنها “رواية خيالية”، لكن قرر المخرج السينمائي أندرو دومينيك (وهو مخرج أفلام وكاتب سيناريو أسترالي مولود في نيوزيلندا) تحويلها إلى فيلم عن أيقونة هوليوود، واعتمد على أسلوب مختلف في السرد، لعرض مراحل مختلفة من حياتها في فيلم من ساعتين و45 دقيقة.
مارلين مونرو، لم ينجح موتها منذ ستة عقودٍ مضت – تحديدًا في أغسطس عام 1962- في طي صفحتها، والبحث عن وجه آخر يملأ الفراغ الذي تركته، ولا حتى توقفت عمليات طباعة صورها لتُباع على الأرصفة، وفي المحلات على اعتبار أنها أيقونة السحر والجمال الخالدة.
كما لم تنجح إحداهن واللاتي سلكن نفس المسلك، وهو لعب أدوار الإغراء فيما بعد، في إزاحتها لتتموضع مكانها على جدران غرف الشباب، ربما فلتت بعض النجمات إلى عقول بعض المراهقين، لكن تظل مارلين مونرو أيقونة الأنوثة الباقية، ليس فقط خلال فترة لمعانها في منتصف القرن الماضي، ولكن على مدار عقود تلت وفاتها.
وأتفهم تماما مجدها الذي حققته في حياتها، حتى وصلت إلى إقامة علاقة غرامية مع الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي – وفق روايات- وتطرق إليها الفيلم الأخير، حتى أنه أظهر الرئيس الأمريكي في صورة متهورة ومهتزة ولا يفكر إلا في الجنس، وهو ما أثار ردة فعل واسعة. لكن الأمر المُحير واللافت هو البحث في سيرتها وهوس الجمهور بها بعد 6 عقود من وفاتها، وهو الأمر الذي يمكن تلخيصه في سؤال واحد “كيف لها بهذا الخلود”؟
مونرو بدأت كعارضة للأزياء، إلا أن التقى بها المنتج السينمائي هاوارد هيوز (ديسمبر 1905 – أبريل 1976) وأقنعها بتوقيع عقدها الأول مع شركة أفلام فوكس للقرن العشرين في أغسطس 1946 (والتي أصبحت الآن تابعة لشركة ديزني)، وبدأت مونرو رحلتها السينمائية والاستعراضية، وحققت شهرة واسعة برصيد أفلام وصل إلى 29 فيلما منها (الرجال يفضلون الشقراوات، والبعض يفضلونها ساخنة، وشجار على شقراء، وحين تنام المدينة، وكان آخر أفلامها شيء لابد منه).
مارلين مونرو، أو نورما جين- وهو الاسم الذي وُلدت به لتجد نفسها بلا أب- على الرغم أن شهادة ميلادها توضح أن والدها هو مارتن إدوارد مورتنصن (1897-1981)، وهو من أصول نرويجية وكان يقيم في كاليفورنيا، ويعمل في الكشف على عدادات الغاز- لكن لم تعترف مارلين أبدا بكونه والدها، وتقول إن والدتها أرتها صورة فوتوغرافية لوالدها حين كانت طفلة، وهو المشهد الذي سلط الضوء عليه الفيلم الجديد.
لم تتمكن أمها من رعايتها، وهو ما دفعها للإقامة عند أسر مختلفة، حيث عاشت أول 7 سنوات من عمرها مع أقارب جدتها ألبرت وإدا بولِندر، وانتقلت فيما بعد إلى أسرة أخرى، وتطرق الفيلم إلى سردية أنها نشأت في دار للأيتام.
ويمكن أن أتخيل، وتتخيلون معي عذاب هذه الطفلة التي كانت تبحث عن والدها في كل رجل، ولطالما انتظرت عودته، وكانت تنظر إليه في كل وجه تراه، حتى أنها كانت تنادي على كل رجل تحبه (Daddy دادي)، وأعتقد أن المخرج أراد التركيز على هذا الجانب في حياة نورما جين، الجانب الداخلي، ليس الجانب الخارجي.
كانت نورما جين قارئة ومُثقفة، وذكية – كان معدل ذكاءها 168، وهو رقم أعلى من ذلك الذي وصل إليه ألبرت أينشتاين، لكن قررت هوليوود أن ترى فيها الجسد والإثارة والإغراء، حتى أنها تعرضت للاعتداء الجنسي والابتزاز الجسدي، يمكن أن يقول أحدهم أنها قبضت الثمن (شهرة وأموال وخلود في ذاكرة السينما وعشاقها) لكنها بالتأكيد ظُلمت عندما تم حصارها في زاوية وحيدة، وربما تكون هي سبب مآسيها- كانت دائما تقول عندما تشاهد أفلامها “هذه ليست أنا”.
تُوفيت مارلين مونرو وهي في السادسة والثلاثين من عمرها، في أغسطس عام 1962، بعد تناول جرعة كبيرة من أقراص مخدرة أو منومة، بينما تقول روايات أخرى إنها تعرضت للاغتيال بعد تهديدها بفضح علاقتها بالرئيس الأمريكي الراحل.
وبغض النظر عن كل ما سبق، وعن سبب وفاتها، أو حتى كيفية اختيارها لطريقة حياتها، تظل مارلين مونرو؛ النجمة الخالدة في تاريخ السينما الأمريكية، ولا أبالغ إن قلت -صاحبة الرقم القياسي- للصور المُعلقة في غرف الشباب.