من الفنان المصري الذي أجبره المرض على بيع الخضار والفاكهة في السعودية؟

الفنان المصري حقق شهرة واسعة في طفولته

• أشهر أدواره شقشق صبي الورشة في مسلسل أرابيسك

يوم الاثنين الموافق 5 ديسمبر 2022، رحل عن عالمنا الصديق العزيز والكاتب الصحفي محمد أبو الغيط وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، بعد رحلة قاسية مع مرض السرطان.

وكان الراحل قد شارك متابعيه فصولها كاملة، بلغة بديعة وتفاصيل بالغة القسوة، كما ترك أبو الغيط بين أيدينا قبل رحيله كتاب “أنا قادم أيها الضوء” الصادر عن دار الشروق، في الفصل الأخير من الكتاب ترك وصية إلى طفله الوحيد “يحيى”، لكن إهداء الكتاب كان من نصيب من أضاءت إليه حياته، فاقتبس منها نوراً يهديه في طريقه، ورحمة تخفف آلامه، ولطفاً تسكن إليه روحه، إلى زوجته إسراء شهاب.

لم يمر شهر على وفاة محمد أبو الغيط، حتى شعرت زوجته إسراء شهاب بعدم قدرتها على الرؤية بالعين اليسرى بعد شعور سابق بالتنميل. ذهبت إلى نفس المستشفى الذي فارقت فيه حبيبها، المستشفى الذي تمنت ألا تعود إليه مرة أخرى. وبعد فحوصات عديدة، تم تشخيص إسراء بالمرض المناعي التصلب المتعدد (MS)، ثم بدأت على الفور في تلقي جرعات من الكورتيزون لمدة 3 أيام في محاولة لإعادة النظر للعين اليسرى.

كما أخذ الأطباء عينة من الحبل الشوكي، كي يضعوا خطة علاج طويلة الأجل في مركز متخصص بلندن في محاولة لمحاصرة المرض والحد من تطوراته ونوباته القاسية. أسأل الله لها الصبر والشفاء، وأسألكم الدعاء لها بالصحة والعافية وللغالي الراحل محمد أبو الغيط بالرحمة والمغفرة.

شقشق

تزامن إعلان صديقة إسراء المؤلم والصادم عن مرضها مع زيارة كنت أقوم بها لأحد الفنانين المصريين الذين حققوا شهرة كبيرة في طفولتهم وشبابهم، وأصيب بنفس المرض التصلب المتعدد (MS) منذ قرابة 20 عاماً، المرض الذي بسببه تبدلت أحواله وانقلبت حياته رأساً على عقب. ارتبطت أنا وكثيرين من أبناء جيلي بعدد كبير من أعماله الفنية والدرامية. زرته في شقة الأسرة الصغيرة بالطابق الثالث بشارع فرعي من شارع “فيصل” الشهير بالجيزة حيث تقيم معه والدته وشقيقته إيمان.

إنه الفنان عمرو محمد علي الذي قام بدور “شقشق” صبي الورشة في مسلسل “أرابيسك” الشهير من بطولة الفنان صلاح السعدني، وغيرها من الأدوار المهمة والمؤثرة في أعمال سينمائية شهيرة مثل مستر كاراتيه مع الفنان أحمد زكي وسارق الفرح ومسلسلات عديدة مثل الوسية وليالي الحلمية وعباسية واحد ورفاعة الطهطاوي وغيرها. تزيد حصيلته الفنية عن 70 عملاً، بخلاف عشرات الأعمال الإذاعية والدوبلاج  لم يتم رصدها ولا حصرها، كما شارك في إعلان تليفزيوني تم تصويره في البحرين لكريم نيڤيا شاركه فيه الفنان أيمن عزب وكان الإعلان من إخراج مخرج الإعلانات الشهير جورج دوس.

يرجع الفضل في الوصول إلى الفنان عمرو محمد علي، والظهور من جديد بعد ما يزيد عن 15 عاماً من الغياب إلى الكاتبة الصحفية والإعلامية زينب عبداللاه التي استضافته في برنامجها “حكايات زينب” بتلفزيون اليوم السابع بعد رحلة من البحث عنه في مسقط رأسه بشارع السلام بمنطقة الكيت كات الشعبية بمصر التي عاش فيها طفولته وصباه.

الطفولة

ولد الفنان عمرو محمد علي سليمان في 15 سبتمبر عام 1975. كان والده يعمل محاسباً بالسفارة اليابانية بالزمالك ودرس الإخراج فيما بعد لكنه لم يمارس المهنة وأصيب بمرض ألزهايمر مبكراً وهو في الأربعينيات توفى عام 2001 عن عمر يناهز 60 عاماً. أما الأم فكانت ربة منزل ويرجع إليها الفضل الأكبر في حياة عمرو وإخوته، فهي التي كانت تصطحب أبناءها في طفولتهم إلى الاستديوهات وتسافر معهم من لوكيشن تصوير إلى آخر ومن دولة إلى أخرى.

أسرة فنية

عمرو محمد علي هو الطفل الثالث في الترتيب بين 6 أبناء، وهي أسرة فنية بامتياز باستثناء الأخ الأصغر محمد الذي لم يعمل في الفن مطلقاً. حمل الأبناء جميعاً لقب العائلة “سليمان”، ما عدا عمرو اختار لقب “محمد علي” بجانب اسمه. كان الأخ الأكبر إيهاب سليمان هو كلمة السر في تاريخ أشقائه الفني. بدأت الحكاية عندما فاز في برنامج مواهب صغيرة الذي كان يقدمه الإعلامي الكبير ماجد عبدالرازق الشهير بـ “بابا ماجد” والذي وافته المنية في ديسمبر عام 2010، وخلال وجود شقيقه عمرو معه في الإذاعة اكتشفه المخرج الراحل إبراهيم الصحن بسبب لباقته وشخصيته وامتلاكه الكاريزما رغم أنه كان ذاهباً لمساندة شقيقه إيهاب.

الشقيق الأكبر إيهاب سليمان

كان إيهاب (مواليد 1969) موهوباً منذ طفولته في الغناء، وشارك في مسلسل محمد رسول الله، كما صدر له ألبوم غنائي من 8 أغنيات أواخر الثمانينات من إنتاج الفنان “صلاح عرام“، ولم يستكمل إيهاب مسيرته الفنية وانتقل للعمل بشركة فودافون لسنوات عديدة حتى هاجر إلى أمريكا عام 2009 وعمل في شركة للحراسات الخاصة المدنية، وحصل على رخصة معتمدة في حل المشكلات الزوجية وأسس شركة ناشئة تعمل في مجال سيارات الليموزين ويتحمل هو وشقيقه أحمد تكلفة علاج شقيقهما عمرو.

أحمد سليمان

أما شقيقه أحمد سليمان (مواليد 1972) فشارك خلال طفولته مع “عمرو” في مسلسل “نور الإسلام“، ومسرحية “هنا عرايس بتترص” من إخراج المخرج جلال توفيق والد الفنانين ياسر جلال ورامز جلال، وقام بأعمال أخرى بمفرده، كما أنه خاض مؤخراً تجربة التقديم التليفزيوني من خلال برنامج “دوس فرامل” على قناة الحدث لكن التجربة لم تستمر.

نجلاء سليمان وإيمان سليمان

تعد الفنانة نجلاء سليمان (مواليد 1980) الشقيقة الصغرى هي الوحيدة من بين الأبناء الستة التي استمرت في مسيرتها الفنية حتى اليوم، وهي مطربة درست في  ‎أكاديمية الموسيقى العربية و‎تعمل في الهيئة العامة لقصور الثقافة، وتشارك في العديد من الحفلات بصحبة عدد من المطربين، ولديها موهبة صوتية وفنية ملحوظة.

كما شاركت الفنانة نجلاء سليمان في إحياء حفلات جامعية، وأهدتها كلية الإعلام بجامعة القاهرة، مؤخرًا شهادة تقدير لمشاركتها في إحياء حفل تخرج طلاب برنامج الدراسات العليا.

أما الشقيقة الكبرى إيمان سليمان (مواليد 1976) فهي عضوة في نقابة المهن الموسيقية وممثلة في الإذاعة والتليفزيون ومطربة في مسرح البالون، وشاركت في طفولتها مع الفنان عادل إمام في فيلم رجب على صفيح ساخن إلا أنها أصيبت بالمرض هي الأخرى.

التعليم

“أنا كنت خايب في التعليم” بهذه الجملة لخص لي الفنان عمرو محمد علي مسيرته التعليمية. درس في مدارس حكومية بالكيت كات، حيث قضى المرحلة الابتدائية بمدرسة طلعت حرب، ولا ينسى “عمرو” فضل معلمته “أبله” فتحية ولا ابنتها “مروة” زميلته بنفس المدرسة، وكذلك أبله “فوزية”، وكانتا أصحاب الفضل في مشاركته في فريق المسرح بالمدرسة وتدريبه وصقل موهبته، فيقول لي عنهما: “دول اللي ربوني وساعدوني”، لكنه لا يعرف عنهما شيئاً الآن.

وقضى المرحلة الإعدادية في مدرسة مصطفى كامل، والثانوية في مدرسة يوسف السباعي، وكان خلال هذه الفترة منشغلاً جداً بالتمثيل، ولا يذهب للمدرسة إلا خلال الامتحانات، ورغم ذلك اجتاز المرحلة الثانوية، واعترف لي أنه كان “يغش” في لجان الامتحانات دون أن يلحظه المراقبون حتى حصل على مجموع 167 درجة.

ذهب تنسيق الثانوية العامة بـ “عمرو” إلى المعهد العالي للخدمة الاجتماعية ببنها، وأخبرني أنه خلال الدراسة الجامعة اضطهده أحد الأساتذة في المعهد لذا كان يكره الذهاب إلى بنها بسببه، لكنه في نفس الوقت لا ينسى دكتورة هالة منصور أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها التي كانت تعامله برقي وإنسانية.

وصل عمرو إلى الفرقة الثانية، ولم يستكمل دراسته بالمعهد. بعدها بحوالي 10 سنوات حاول “عمرو” أن يستكمل تعليمه الجامعي، فتقدم للدراسة في كلية الإعلام جامعة القاهرة (تعليم مفتوح) لكنه لم يستكمل الدراسة بها أيضاً فقد تسبب مرضه في سقوطه خلال المحاضرات، وحمله زملاؤه إلى المنزل ولم يعد للجامعة مرة أخرى.

قرار الزواج

بعد التألق الفني وتحديدا في 13 أغسطس 2001، تزوج عمرو محمد علي من بدور زاد، وهي روائية وممثلة مسرحية، خريجة معهد الفنون المسرحية قسم نقد ودراما وتعمل في مسرح البالون حالياً. انتقل العروسان بعد الزواج للحياة في شقة بالجيزة بالقرب من مستشفى أم المصريين، وأنجبا ابنتهما الوحدة شهد الشهيرة بـ “نور” وهو اسم جدتها لأمها.

 

نور عمرو

خلال طفولة “نور عمرو”، شاركت كممثلة في مسرحية “2000 وشوية” من تأليف محمود جمال وإخراج طارق حمدي. وهي حالياً طالبة بالفرقة الثانية بكلية الإعلام جامعة القاهرة، تعيش مع والدتها ويزوران “عمرو” مرة كل شهر. شاركت “بدور” الأم في أعمال مسرحية وإذاعية عديدة، من أهمها بطولة مسرحية “من غير كلام”، للكاتبة الكبيرة الراحلة فتحية العسال، وإخراج المخرج الكبير محسن حلمي، وشاركها البطولة الفنانة عزة بلبع والفنان أيمن عزب.

 

الانفصال

لم تدم الحياة الزوجية بين “عمرو” و”بدور” طويلاً، وحكى لي شقيقه “أحمد” أن بداية شعور “عمرو” بالمرض كان في صباح أحد الأيام وهو في منزله الزوجية بالجيزة، يومها لم يستطع “عمرو” النهوض من السرير وبعدها بفترة حصل الطلاق.

أشطر فناني جيله

بعد قرابة 20 عاماً من الانفصال وبعد انفراد اليوم السابع وظهور “عمرو” من جديد، وصفته طليقته “بدور” بـ “أشطر فناني جيله وأشهرهم”، وقالت في تدوينة لها على فيس بوك: “عمرو محمد علي والد ابنتي الوحيدة، انفصلت عنه وبنتى عمرها شهور، لا أعرف كيف عاش حياته بعد الانفصال، ولا يعرف هو كيف عشت حياتي، لكن هو قبل أن يكون فى بطاقة التعريف والد ابنتي، هو زميلي الفنان الشاطر الموهوب”. ترى أم ابنته الوحيدة أن “عمرو” كان لازم ياخد حبوب الشجاعة ويخرج يقول جاااي “أنا لسه عايش”، كان لازم يخرج يحكي عن مرضه الذي أقعده سنين طويلة وأعجزه عن الحركة.. تقصد مرض التصلب المتعدد.

ما هو التصلب المتعدد؟

التصلب المتعدد أو اللوحي (MS)، يطلق عليه “سارق الشباب” وهو من أكثر الأمراض الشائعة التي تصيب الجهاز العصبي المركزي  (الدماغ والحبل الشوكي)، ويصل عدد المصابين به إلى 2.8 مليون شخص حول العالم، ومن أعراضه ضعف النظر، وضعف الأطراف، والشعور بالتنميل، وعدم الثبات وعدم الإتزان، ومشاكل في الذاكرة والإرهاق. تصاب معظم الحالات به بين سن 20 و40 عاماً، والنساء الأكثر عرضة للإصابة به من الرجال.

مصر الأعلى في الشرق الأوسط

في عام 2018، أكدت دراسة أعلنت عنها الجمعية المصرية لرعاية مرضى التصلب المتعدد “رعاية” في مؤتمر صحفي أن مصر هي الدولة الأعلى في بلدان الشرق الأوسط من حيث الإصابة بمرض التصلب المتعدد، وأن عدد المصابين في مصر قد يتراوح من ٢٥ إلى ٤٠ ألف شخص، كما أن ٥٦٪ من مرضى التصلب المتعدد بدون عمل أو فقدوا وظائفهم، وأن متوسط أعمار المرضى في مصر هو ٣٣ سنة.

دراسة أخرى، نشرت عنها الكاتبة الصحفية نجوى طنطاوي في مجلة “للعلم”، تقول أن عدد المصابين بالمرض في مصر حوالي 25 ألف شخص، لكنها في ذات التحقيق أكدت أيضاً أن تقديرات “شعبة مرض التصلب المتعدد” في “الجمعية المصرية لطب الأعصاب” تذهب إلى أن عدد المصابين بالمرض في مصر قد يصل إلى 60 ألف شخص، وذلك في ظل غياب الأرقام الرسمية وعدم تشخيص المرض في بداياته بصورة صحيحة.

 

الفرق بين إصابة مؤمن زكريا وعمرو محمد علي

يتابع المصريون حالة اللاعب المصري الشهير مؤمن زكريا الذي داهمه مرض مناعي أثر على حركته، ونال تعاطف الجميع من زملائه بمختلف الأندية ومن الجماهير المصرية والعربية، والمرض المصاب به مؤمن هو مرض التصلب الجانبي الضموري، وهو نفس المرض الذي أصيب به اللاعب الكبير أشرف قاسم، وكذلك لاعب نادي النصر السعودي خالد الزيلعي، الذي فارق الحياة نهاية سبتمبر 2022. ورغم اختلاف المرضين، إلا أن أعراض مرض اللاعب مؤمن زكريا تتشابه إلى حد كبير مع مرض الفنان عمرو محمد علي وكذلك الفنان السوري يحيى بيازي الذي تسببت إصابته بالتصلب المتعدد وحسرته على تجاهل زملائه، جدلا كبيرا في سوريا في نوفمبر 2022.

تسبب عدم التشخيص الدقيق في البداية أو الجهل ربما، والإهمال الطبي أحياناً في تدهور حالة عمرو أكثر. استمر عمرو محمد علي في العمل بعد أعراض المرض المفاجئة، وشارك في مسلسل ريا وسكينة عام 2005 وخلاله كان المخرج يطلب منه عدم (التبريق) بعينه أثناء أداء الدور. لم يكن يعرف عمرو ماذا يقصد المخرج ولم يكن المخرج يعرف شيئاً عن طبيعة مرض عمرو، ثم شارك بعدها في مسلسل حدائق الشيطان عام 2006، لكنه منذ ذلك التاريخ اعتزل التمثيل واعتزل الناس.

السفر إلى السعودية

أدرك عمرو أن مسيرته الفنية توقفت في عز شهرته وشبابه، وكان في هذا التوقيت قد تعرف في مصر على مقاول سعودي يكبره سناً هو “مبارك الهاجري” الذي كان يمتلك مجمعاً صناعياً بمنطقة أم الساهك التابعة لمحافظة قطيف بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، ويمر من خلال “أم الساهك” الطريق السريع الواصل بين مدينة الدمام ومدينة الجبيل، فقرر عمرو السفر إلى السعودية على كفالة صديقه المقاول.

 

بيع الخضار والفاكهة

حصل الفنان الشاب “عمرو محمد علي” على تأشيرة عمل، وسافر إلى السعودية وكانت المهنة المدونة ببطاقة الإقامة في السعودية هي “سائق خاص” لـ “فهد بن مبارك بن فهد الهاجري” نجل صديقه، وكانت هذه طريقة معتادة في ذلك الوقت لاستقدام العمالة المصرية إلى المملكة على أن تمارس مهنة أخرى بعيداً عن العمل كسائق خاص. وكان الاتفاق بين “عمرو” والمقاول السعودي أن يفتح لها مشروعاً خاصاً لبيع الخضار والفاكهة بجوار محطة بنزين بنفس المنطقة على الطريق السريع.

كان الفنان عمرو محمد علي أكثر أبناء جيله موهبة، يقف يومياً ليبيع الخضار والفاكهة للزبائن، ويستقبل البضاعة الجديدة، ويفرزها ويفرشها على الطريق السريع. حكى لي عن واقعة لا ينساها، وهي أن إحدى السيدات جاءت لتشتري منه بطيخة، وكان وقتها يبيع البطيخ للزبائن على “المكسر” أي بعد فتحها بالسكين، ولسوء حظه عندما فتح البطيخة وجدها “قرعة” واضطر إلى فتح واحدة أخرى، فوجدها “قرعة” أيضاً، إلا أن السيدة اشترتها منه وقالت له إن كون البطيخة “قرعة” فهي من خلق الله وليس له ذنب. وحكى لي أيضاً عن الزبائن الذين كانوا يحبون الشراء منه ولا يذهبون إلى أحد غيره. وبعد أن كان المشروع عبارة عن فرشة فاكهة في الطريق السريع، استطاع بعد ذلك بناء “كشك” بجوار محطة البنزين وتطوير تجارته، وكان يضخ المكسب في المشروع نفسه.

حكى لي الفنان عمرو محمد علي أيضاً أن صديقاً سعودياً كان قد تعرف عليه هناك وكان يعمل ممثلاً مسرحياً، أخذه للمشاركة في التمثيل في مسرحية سعودية، وذهب معه بالفعل وشارك معهم ليوم واحد فقط لكنه لم يكرر التجربة في اليوم التالي لعدم إجادته اللهجة السعودية وشعوره بالغربة مع فريق العمل، إلى جانب نوبات المرض التي كانت تداهمه وتفقده اتزانه.

تمزيق جواز السفر

خلال وجود عمرو في السعودية، كان شقيقه أحمد – أقرب أشقائه إليه – يعمل في الإمارات. لم يكن يعجبه ما يفعله عمرو في السعودية، وكان الكفيل السعودي بطبيعته معجباً بصحبة فنان مصري معروف، لكنه كان يمارس نوعاً من الوصاية عليه أيضاً.

وهنا دعا أحمد شقيقه لزيارة الإمارات، وبمجرد وصوله مزق جواز سفره وتحديداً الورقة التي تحتوي على تأشيرة السعودية حتى لا يعود إليها مرة أخرى، وبالفعل انتهت تجربة العمل في بيع الخضار والفاكهة بالسعودية بعد قرابة عام تقريباً، لم يجن “عمرو” منها شيئاً وكانت تجربة سيئة ثم عاد إلى الوطن.

تصريح العمل

بعد عودة عمرو محمد علي إلى مصر، كانت السيدة العظيمة والدته التي تحملت فوق ما تطيق مع أشقائه، تحاول بشتى السبل أن تضمن حياة كريمة لنجلها الذي كانت تعقد آمالا كبيرة على نجاحه الفني قبل أن يغدر به المرض ويفتك به، وكانت حريصة كل الحرص أن تحصل له على عضوية نقابة المهن التمثيلية، فكانت تذهب كل عام إلى مقر النقابة لتجديد تصريح العمل السنوي الخاص به، وواجهتها متاعب جمة في تجديد الترخيص.

رسوم التجديد

رغم تلك المتاعب، لا تنسى الأم أبداً النبل الذي كان يتعامل به معها نقيب المهن التمثيلية الفنان أشرف زكي، النقيب الحالي، وكان على دراية تامة بظروف عمرو المرضية، وتذكر أنها ذهبت ذات مرة لتجديد الترخيص ودفعت الرسوم واستلمت الإيصال، وعند مغادرتها مقر النقابة، أعاد إليها النقيب أشرف زكي ما دفعته من رسوم. لكنها وبعد مرور عام تلو الآخر فقدت الأمل في حصول نجلها على العضوية العاملة بالنقابة.

 

عضوية عاملة ومعاش استثنائي

بعد انفراد اليوم السابع وظهور عمرو مجددا بعد مرور قرابة ٢٠ عاماً على مرضه، أدلى الفنان أشرف زكي بتصريحات صحفية أكد فيها منح عمرو محمد علي عضوية عاملة ومعاشاً استثنائيا من النقابة وهي الخطوة التي كانت تنظرها الأسرة منذ سنوات. واتصل النقيب بالفعل بالأم تليفونياً وأبلغها القرار بنفسه.

 

تسبب مرض “عمرو” في متاعب كبيرة له وللأسرة، وذات مرة كان ذاهباً للحصول على الجرعة الشهرية من مستشفى قصر العيني الشهير بمصر بسيارته فيات 128، لكنه فقد السيطرة على السيارة وكاد أن يدهس عدداً من المارة لكنه اختار الدخول في الرصيف لانقاذهم. وبدلاً من الحصول على الجرعة، حمله الناس إلى طوارئ حوادث المستشفى مصاباً بجروح وكدمات. ولا ينسى شقيقه أحمد اضطراره إلى بيع سيارة ماركة “كيا سيراتو” لشراء حقنة واحدة لـ “عمرو” تكلفتها 180 ألف جنيه من تركيا، شاركه في شرائها شقيقها الأكبر إيهاب.

وفي بدايات مرض عمرو كان يتم حقنه بـ “الكورتيزون”، مما تسبب في زيادة وزنه ثلاثة أضعاف وزنه الحالي، وكانت أصعب لحظة مرت بالأسرة العام الماضي، عندما أصابته نوبة شديدة من المرض. لم يكن يتحرك مطلقاً، فاتصلت الأم بأشقائه الذين جاءوا سريعاً وحملوه على أكتافهم ذاهبين به إلى الطبيب الذي أنقذه بالأدوية واستقرت حالته مرة أخرى الحمد لله.

خلال الساعات التي قضيتها معه، كانت الذاكرة لا تسعفه كثيراً لكني وجدته أيضاً شخصاً عزيز النفس بأخلاق فرسان، يقضي معظم وقته وحيداً أمام شاشة صغيرة أو مع صوت قارئ للقرآن. يحتاج الفنان عمرو محمد علي إلى رعاية طبية واجتماعية ونفسية، يحتاج إلى ضمان اجتماعي وصحي، وإلى بارقة أمل في علاج لمرضه، وهذا واجب على الدولة وعلى النقابة. لكن بجانب هذا كله، فإنه يحتاج إلى محبة وحضن زملائه من الفنانين الذين شغلتهم الحياة عنه وتسببوا في هذا الجرح الغائر في صدره لتجاهلهم له وعدم سؤالهم عليه.. أسأل الله له الشفاء.