أخبار الآن | الجديدة – المغرب (أ ف ب)
لا تخلو مدينة أو قرية مغربية من "فرقة خيالة" تشارك في الاحتفالات الوطنية وتحيي المواسم الشعبية التي تقام بها، وتميزها في المقابل عن باقي جهات البلاد، وتبدع هذه الفرقة التي يتوارثها أبناء المنطقة أبا عن جد في الفن التراثي المغربي الأصيل يدعى "فن التبوريدة" تعود جذوره لأيام مقاومة قبائل المغرب للغزاة المستعمرين، ولزمن معارك التحرير التي خاضوها لاسترجاع الثغور المغربية السليبة.
لا تزال "فنتازيا" الخيول المغربية الموروثة عن تقليد حربي قديم، تثير حماسة وإعجابا كبيرين في المغرب وقد خلدها الرسام أوجين دولاكروا قبل قرنين في لوحات زيتية تعود لزمن الاستشراق.
واتى آلاف الاشخاص بمناسبة الدورة التاسعة لمعرض الفرس في مدينة الجديدة (غرب المغرب)، للاستمتاع بعروض فرق "التبوريدة" (من كلمة بارود) القادمة من مختلف أنحاء المغرب والمشاركة في الجائزة الكبرى الأولى للملك محمد السادس.
والفانتازيا التي تسمى أيضا الخيالة والباردية وأصحاب البارود في المغرب، هي عروض للفروسية تحاكي الهجمات التي كانت تشن في زمن الحروب في الدول المغاربية عبر التاريخ.
وتجمع هذه الدورة أفضل فرق "التبوريدة" وعددها 15 في عروض تنافسية يمتزج فيها صهيل الخيل بالأصوات المتعالية للفرسان والجمهور.
وعلى مدرجات المنصة المقابلة للحلبة، تحلق اصطف الاف المتفرجين من مختلف الأعمار، يشجع كل منهم "صربة" (سرب) الخيول التي تمثل منطقتهم، وقد تميزت كل واحدة منها بطريقة اللباس وتقديم العرض.
وفي مدخل الحلبة الرملية الشاسعة اصطف العشرات من الفرسان ممتطين أحصنتهم ومرتدين ألبستهم التقليدية المطرزة بالوان زاهية، حاملين البنادق التقليدية بانتظار ولوج الميدان.
وفيما يتلى عبر مكبرات الصوت اسم الفرقة واسم قائدها، تتعالى هتافات الجمهور وتشجيعاته.
ومن خلال هذه العروض ينقل الفرسان للشباب عشق ركوب الخيل والاعتناء بها، كما يستعيدون رمزيا الأمجاد الحربية القديمة واضعين الخناجر المرصعة المتلألئة تحت أشعة الشمس.
ويقول حميد بنعزو الامين العام ل"جمعية معرض الفرس" إن التبوريدة "تجسد فن الفروسية التقليدي المغربي الذي يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر".
وتحاكي العروض ما كان يقوم به الفرسان العرب والبربر في ساحات الحروب في المغرب. وتكون الانطلاقة في صف متناسق وفق تعليمات "المقدم" (قائد الفرقة) فيما ينتظر الجمهور نهاية العرض المتمثلة في خروج البارود بشكل متناسق ومتزامن في طلقات مدوية.
ويؤكد مصطفى الملاغي (42 سنة) الذي يعمل موظفا ومزارعا في أوقات الفراغ وينتمي ل"صربة" مدينتي فاس ومكناس (وسط المغرب) ان "+التبوريدة+ وخيولها هي بمثابة عمل فني".
ويوضح أن "القبائل المغربية تحتفل بانتصاراتها عن طريق عروض +التبوريدة+، حيث يستعرضون مهاراتهم في ركوب الخيل والتعامل مع البندقية، وجمالية السروج، في نوع من الاستعراض العسكري".
ورغم انتهاء زمن الحروب، تستمر هذه الطريقة الاحتفالية التي سادت عموما في البوادي والقرى. وتمتلك مدن وقرى "صربة" خاصة تشارك سنويا في أكبر بطولة وطنية بدار السلام في العاصمة الرباط ليتم بعدها اختيار أفضل الفرق للمشاركة في جائزة محمد السادس.
وتتميز كل فرقة بسروجها مع مكملات أخرى لزينة الفرس. ويتكون السرج التقليدي في المغرب من حوالى 34 قطعة يشارك في صناعتها قرابة 14 حرفيا بينهم نجارون وحدادون وخياطون يتنافسون في إبداع أجود السروج.
وتتفرد كل فرقة بلباسها الجميل انطلاقا من عمامة الرأس مرورا بالسلهام المنسدل على الظهر ثم القميص والسروال التقليدي المغربي والحزام وانتهاء بالحذاء المزركش بتطريزات ملونة.
وتشتهر عروض التبوريدة خصوصا في وسط المغرب وغربها وفي الصحراء التي يرتدي فيها الفرسان "الدراعة" (اللباس الرجالي الصحراوي) الزرقاء الفخمة ويتميزون بإطلاق البارود في اتجاه الأرض وليس بتجاه السماء كما تفعل باقي الفرق.
ويشرح مصطفى أن السبب في ذلك "يعود لكون العدو زمن الحرب كان يختبئ في الرمال وليس في الجبال"..
وتعكس عروض التبوريدة اليوم ذلك الترابط القوي المستمر بين الإنسان والخيول في المغرب وباقي دول شمال أفريقيا المعروفة بتربيتها فصيلة الحصان البربري الذي ارتبط اسمه بشعوبها الأمازيغية من المغرب حتى ليبيا، وكذلك بالامبراطورية الرومانية.
ويفيد مربو هذه الجياد ان الحصان البربري وشجاع وسريع وقادر على التحمل وقطع مسافات طويلة، كما يصلح لجميع الألعاب الرياضية مثل الفروسية والبولو، ويتميز عن نظيره العربي برأسه وجسمه الكبير وهو أكثر قوة وتحملا من الحصان الإنكليزي.
وتظهر ابحاث علمية إن اكثر من 60 % من سلالات أحصنة العالم المعروفة، تأثرت بالحصان البربري.
وتخصص لهذا الحصان سنويا معارض تحكي طرق تربيته ولوازم تزيينه واستعمالاته في الحروب والجيش، وكذلك علاقته بالسلاطين المغاربة عبر التاريخ، حيث ما زال ملك المغرب يحافظ الى اليوم على تقاليد أجداده في امتطاء الخيل بلباس تقليدي، خلال مراسم البيعة التي تقام كل سنة بحضور كبار مسؤولي الدولة.
ورغم ما تخلفه التبوريدة من إصابات بسبب أخطاء المبتدئين، إلا أنها تجذب كل سنة مزيدا من المعجبين والممارسين وتذكر بشعبية لعبة "البوزكاشي" الأفغانية التي يتنافس خلالها الفرسان على جيفة معزاة.
وتتكون الصربة من 11 إلى 15 فارسا يركبون خيولهم مرفوعي الرأس يتوسطهم "المقدم" الذين يأتمرون بأوامره التي يصدرها عبر صرخات عالية لتنضبط الخيول والفرسان خلال الانطلاقة وعند إطلاق البارود.
وقبل إطلاق البارود تتقدم الفرقة أمام الجمهور فيما يسمى "الهدة" باللغة الدارجة، وهي مرحلة استعراض زينة الخيول والفرسان وإظهار القدرة على التحكم في الحصان والسلاح.
تليها مرحلة "الطلقة" التي تبدأ من وسط الميدان حيث يتسارع جري الخيول في خط مستقيم بتنسيق من "المقدم" والفرسان، لتنتهي هذه المرحلة بإطلاق البارود في السماء أو الأرض وتوقف الخيول عن الجري عند نهاية الميدان وسط تشجيع الجمهور.
ولتجنب الحوادث التي غالبا ما تكون بسبب سوء حشو البندقية أو إحكام السروج "على الفارس الجيد داخل +الصربة+ أن يتسم بانضباط الجنود" على ما يؤكد أحد الفرسان.
ويدوم العرض دقيقة واحدة على الأكثر لكل فرقة، لكن في معرض الجديدة تتنافس الفرق لمدة ساعتين تقريبا قبل غروب الشمس في لوحة فنية متكررة.
المزيد من الأخبار:
إقامة معرض الفرس السنوي بمدينة الجديدة في المغرب للاحتفاء برياضة الفروسية
الفيلم الجزائري "الآن يمكنهم المجيء" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان عنابة للفيلم