أخبار الآن | المانيا (DW)
قبل ثلاث سنوات كانت هناء القصيباتي "39 عاماً"، تعيش مع زوجها وأبنائها في دمشق. ولكن بعد اندلاع الحرب في سوريا، حيث أصبح زوجها عاطلا عن العمل، بدأ أفراد الأسرة – مثل العديد من المواطنين السوريين- بالتفكير في الهجرة خارج البلاد. ولكن عندما حصل أفراد الأسرة على تأشيرة للرحيل إلى ألمانيا، توجهوا، بدل ذلك، إلى السويد لطلب اللجوء هناك.
أقرأ أيضا: سورية موهوبة عمرها 8 سنوات.. بفرشاتها تنقل معاناة السوريين للعالم!
في مستهل حديثها أوضحت هناء القصيباتي أنه لم تكن ألمانيا هدفنا، لأننا لم نكن نعلم بوجود ترحيب باللاجئين هناك، لهذا توجهنا مباشرة إلى السويد، عندما حصلنا على تأشيرة السفر.
كانت ظروف طلب اللجوء في السويد جيدة، فقد حصلت الأسرة على سكن مستقل فور وصولها، كما تمكن الأبناء أيضا من الالتحاق بالمدارس واستطاعوا تعلم اللغة وبناء علاقات صداقة.
لكن سرعان ما تبدد حلم العائلة، فقد تم رفض طلب لجوئها في السويد، اعتمادا على اتفاقية دبلن، وعن هذه التجربة تقول هناء: بالرغم من ذلك قررنا البقاء هناك لمدة ستة أشهر،على أمل أن يتم تغييرالقرار،لأن الأمور كانت تسير هناك بشكل جيد، لكن بعد صدور قرار الترحيل، عدنا إلى ألمانيا لنبدأ مشوار اللجوء من الصفر.
المشوار في ألمانيا كان أصعب، بحسب هناء. فالحصول على سكن مستقل وإمكانية التحاقالأبناء بالمدارس كانت من أكبر الصعوبات التي واجهتها العائلة : أمضينا شهرين ونصف في الانتقال بين عدة مراكز لجوء، اختلطت فيها الاجناس والشراح المجتمعية. وكانت نفسيتنا سيئة للغاية، خاصة لدى إبنتي التي كانت تمر بمرحلة المراهقة وكانت دائمة البكاء، بسبب عدم التحاقها بالمدرسة.
وتسترجع هناء تلك الذكريات المؤلمة، فتنهمر باكية وتقول” كنا نعيش هنا بأجسادنا فقط، وعقولنا مع عائلاتنا بسوريا، حيث هدمت منازلهم”.
بعد قبول طلب لجوئهم بألمانيا وحصول زوج هناء على عمل استطاع من خلاله الاستغناء عن المساعدات المقدمة من الدولة بشكل كامل، انتقلت العائلة للعيش بسكن مستقل بمدينة ميونخ، والبدء في مواجهة تحديات أخرى للاندماج بالمجتمع الجديد.
الإنترنيت في مواجهة أوقات الفراغ
في سوريا لم يكن لهناء وظيفة معينة، فقد كانت تهتم ببيتها وبمتابعة دراسة أبنائها، لكن بسبب افتقادها لمحيطها الاجتماعي الذي تعودت عليه ببلدها، فقد فكرت في خلق محيط اجتماعي جديد وتقول هناء: أنا بطبيعتي إنسانة اجتماعية ولا أستطيع الجلوس بالبيت بدون عمل أو مزوالة أي نشاط ، لم أكن حقا أعمل في سوريا، ولكن كان هناك تديل مثل زيارة الأهل والأصدقاء.
فكرت هناء في عمل يكون مناسب لها وملىء الفراغ الذي كانت تحس به، وبعد بحث طويل قررت العمل في التجارة الإكترونية وبالتالي في بيع الشالات الشرقية والحجابات ومستلزمات مرتبطة بالصلاة. وعن فكرة مشروعها تقول هناء: بصراحة كانت لدي أفكار كثيرة، ولكن أحسست أن هناك نقص بهذا المجال فهناك محلات بيع للحجاب والأوشحة ولكن هناك نساء، منهن السوريات، تعودن على نوعية معينة من الأقمشة والألوان والجودة ،ولا يجدن ذلك إلا بصعوبة. خاصة الملابس الخاصة بالصلاة. وقد وجدت الأوشحة الشرقية اهتماما كبيرا لدى الألمانيات أيضا، لأنهن يملن إلى الحس الشرقي والمشغولات اليدوية.
ثقافة التسويق عبر الإنترنيت
في البداية لم تكن لدى هناء أدنى فكرة عن التجارة الإلكترونية، أي البيع من خللا استخدام شبكة الانترنيت. وكانت لها فرصة الحديث مع أحد التجار من سوريا فأخبرته بفكرة مشروعها وأضافت: ” كنت زبونة لدى هذا التاجر، وهو يمتلك محل مشهور بجودة منتوجاته في دمشق، في بادئ الأمر اتصلت به لأشتري لنفسي وأخبرته عن فكرة المشروع، فشجعني وقدم لي الدعم.
وعن المعاملات التجارية في ظل الحرب الدائرة بسوريا قالت هناء: لم تكن للتاجر مشاكل مع الجمارك وشحن البضاعة، لأنه بعد الحرب تم فتح عدة فروع خارج سوريا مثل جدة والرياض ومصر والأردن:عندما تواجهنا صعوبة في شحن البضاعة من سوريا إلى ألمانيا، يقوم التاجر بتزويدي بالبضاعة من أحد تلك الفروع.
اقرأ أيضا: مشروع "الصابون الحلبي" بالبارا.. يمنح حياة جديدة للصناع السوريين!
حرصت هناء على استدراج مشروعها بشكل قانوني في ألمانيا، لذلك كانت تسأل الأصدقاء من بين العرب والألمان عن الإجراءات القانونية اللازم اتخاذها: حرصت على إتمام كل الأمور المتعلقة بالتسجيل الضريبي والجمارك. وفي الوقت نفسه كنت أبحث وأسأل عن كيفية البيع عبر شبكة الإنترنيت.
ولم تتوقع هناء أن يلقى مشروعها مثل هذا النجاح، ليس فقط بسبب حداثته في المعاملات التجارية، وإنما أيضا بسبب غياب ثقافة التسوق عبر الإنترنيت لدى العديد من الزبونات السوريات وتضيف:هذه المشكلة كانت تأخذ مني الكثير من الوقت، أذكر موقفا واجهني في بداية مشواري مع إحدى الزبونات التي لاتجيد القراءة والكتابة وطلبت أن تتم صفقة البيع من خلال الحديث بالهاتف، وفي موقف آخر حين اتفقت معي إحدى الزبونات على صفقة شراء أبلغتني لاحقا برفض زوجها لذلك. ثم تستدرك هناء، وهي تبتسم:مررت بمواقف مشابهة كثيرة، ولكن دائما أحاول تخطيها و إيجاد الحل الذي يرضي الزبونة ويرضيني.
رائحة الشام في المنتوجات
وعن طريق صفحة مشروعها على فيسبوك والتي اختارت لها هناء اسم "حجابي أناقتي"، تعرفت اللاجئة السورية على نساء سوريات، يقمن في ألمانيا وأوروبا، حيث إنهن معجبات بمشروعها وبما يقتنونه منها. إحدى الزبونات السوريات كتبت لهناء ملاحظة:عندما فتحت طقم ملابس الصلاة، فاحت منه رائحة الشام، وتذكرت أهلي وأحبائي هناك.
وتشير هناء إلى أنه بالفعل قد تكون بعض الملابس أحياناً معطرة برائحة الصابون الشامي: كان الموقف مؤثراً للغاية وبكيت حينها.
ومن بين زبونات هناء، سيدات ألمانيات من محيطها الاجتماعي، ساعدنها في تطبيق مشروعها وأعجبن كثيراً بالمنتوجات السورية والتطريز اليدوي. ومن بينهن السيدة فالتغاود هازه، وهي مديرة مؤسسة أزول بلوس، التي انشأت مؤخراً بمدينة ميونيخ لدعم اللاجئين وإدماجهم في المجتمع الألماني وفي سوق العمل.
وتقول السيدة هازه، في حديثها لـDW عربية: تعرفت على هناء وعلى مشروعها عن طريق زوجها، السيد موفق المفتي، والذي يعمل كمسؤول عن قسم الكمبيوتر بمؤسسة أزول بلوس،
عائلة هناء عائلة سورية مثقفة، حيث استطاع أفرادها الاندماج في المجتمع في وقت وجيز وترى السيدة هازه أن فكرة تسويق المنتوجات عبر فيسبوك تعبر عن مدى انفتاح العائلة على وسائل أخرى في المعاملات التجارية وتشير في نفس الوقت إلى ضرورة التركيزعلى دور الإنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي في تسهيل إندماج اللاجئين بالمجتمع، إضافة إلى اللغة.
السيدة فرانسيسكا أوبامي أصبحت هي الأخرى من الزبونات الوفيات لهناء وتحدثت ل DWعربية عن مشروع هناء قائلة : تعلم اللغة الألمانية والبدء بمشروع خاص في وقت وجيز يعتبر انجازا مهما لهناء، ولكن برأيي كان لزوجها الفضل في ذلك، فكل إمرأة ناجحة يقف وراء نجاحها رجل منفتح، داعم وفخور بزوجته، ولا يكتفي بمنحها الدعم ،وإنما يفرح لنجاحها من كل قلبه.
دعم الزوج لمشروع زوجته
وتؤكد هناء بدورها على أهمية دور زوجها في العمل على تشجيع مشروعها وإنشائه وتقول: كان زوجي الداعم الأول لمشروعي ولأغلب أفكاري وكنا نحاول دائما معاً معرفة السلبيات والايجابيات، حيث كنا نعلم أن المردودية ستكون ضعيفة في البداية، ولكن كنا مطمئنين بسبب وجود دخل آخر لنا من عمل زوجي الثابت
كما يؤكد الزوج السيد موفق المفتي أن زوجته كانت في حاجة لمثل هذا المشروع لملء فراغها وتكوين صداقات داخل المجتمع الألماني ويقول: ساعدت هناء من خلال مرافقتي لمشروعها خطوة بخطوة، حيث كان المشروع جديدأ بالنسبة لنا جميعاً، وقد تعرفنا أيضا سوياً على كل ما تتطلبه القوانين من إجراءات لإنشاء هذا المشروع.
أقرأ أيضا:
لوحات تركية ترسم معاناة السوريين الفارين من الحرب.. في معرض إسطنبول الدولي للكتاب