أخبار الآن | أوربا – متابعات (يمنى الدمشقي) 

لم تكن السيدة "زينة عبود" التي اشتهرت بأطباقها اللذيذة والفريدة، تتوقع أن تلك الأطباق ستكون أول ما تلقى به ملكة هولندا ومن دون تحضير مسبق لتلك الزيارة المفاجئة، إذ كانت السيدة قد عملت منذ وصولها إلى هولندا على التعريف بأشكال مختلفة عن أصالة المطبخ الحلبي مستفيدة من مهارة والدتها في الطبخ ومحاولة بطريقة أو بأخرى التعريف عن الوجه الآخر لمدينة حلب، الوجه الذي لا يشبه الموت والدمار والقتل.  

"زينة عبود" متخرجة من كلية الاقتصاد في جامعة حلب وعملت بعدها كمديرة تسويق في شركة فنادق ومطاعم وتجهيزات، وهي ابنة تاجر مشهور في حلب، عاشت حياة رفاهية كبيرة إلى أن جاءت الحرب وأضرت بها كما أضرت بغيرها، حتى باتت الآن من أمهر الطهاة السوريين في هولندا بعدما وصلت إليها، وحظيت أطباقها بإقبال كبير من مختلف الجنسيات، رغم أنه لم يمضِ وقت كبير على وصولها إليها.

الرحلة من الموت إلى كبيرة الطهاة في الكامب 
خرجت زينة من سوريا بعدما دمر بيتها وفقدت أملاكها، وباعت ما تبقى لها لتتمكن من المجيء إلى هولندا حيث يقيم أولادها سابقاً، وعانت في رحلتها تلك من صعوبات كثيرة أولها تعرضها لخطر الغرق في "البلم" الذي أقلها من تركيا إلى اليونان، ثانيها المعوقات التي واجهتها في مسيرة رحلتها بعدما تعرضت للسجن في كرواتيا إلى أن وصلت إلى هولندا وأقامت في كامب للاجئين، وهناك بات الطعام مختلفاً عليها جداً. ولأنها دخلت في حالة اكتئاب حاولت أن ترفع من معنوياتها بأي شكل، فاقترحت على مسؤولي الكامب أن تطبخ هي للاجئين وساعدها صديقها "كوس" في ذلك حيث كان ينظم حفلات لإسعاد اللاجئين، وصار يطلب منها أن تطبخ، وبالفعل تمت الموافقة على أن تطبخ زينة لهم تحت إشراف جمعية "لايخر دس هيلس" لتزداد شهرتها بعدها وتبدأ الطبخ للمشردين في هولندا تحت رعاية منظمات وجمعيات ثم إلى المشافي حتى وصلت إلى تنظيم المؤتمرات والولائم وغيرها. 

زينة تقدم طريقة وصفاتها السرية
تقول زينة في حديث خاص لأخبار الآن: "لم يكن الطبخ يوماً وسيلة لكسب العيش لكنه كان أحد الهوايات التي كنت أمارسها مع العائلة، ففي كل تنافس مع أفراد العائلة لتقديم أطباق فريدة كنت أحتل المرتبة الأولى بتقديم أطباقي، الطبخ في النهاية هو فن وتفنن ووضع بهارات بلا مقادير مع حب وإحساس من القلب، ولهذا أرى أن طبخي يعجب الجميع لأني أطبخ بإحساسي وحبي لا بالمقادير المتوفرة فقط".

وأضافت: "إضافة إلى ذلك فالطبخ هو لوحة فنية ستبقى قائمة في عقول السوريين وهم من سينقلها إلى الهولنديين والأوروبين بشكل عام، لأنه ذكرى من ذكريات العائلة فمن منا يستطيع أن ينسى طبخ أمه؟ وأنا في غربتي أود أن أعيد كل سوري لحضن أمه عبر أطباقي". 

وتتابع زينة: "كل هذه المهارة بالطبخ التي أتمتع فيها هي قليل فقط من مهارة أمي، ولأن سوريا حضارة عريقة ومشهورة بفنها المتنوع الذي يعتبر الطبخ أحدها، فإني استفدت من هذا التنوع خاصة في المطبخ الحلبي في إعادة بناء نفسي من جديد، فحياة الحرب لا تعني أن نموت ونحن لا نزال على قيد الحياة بل أن نعمل جاهدين لاستثمار كل ما لدينا من مهارات لنشر هذه الثقافة لدينا، فاليوم إذا سألت أي شخص أجنبي هل تذوقت من قبل الطبخ السوري ستجيبك ابتسامته عن ذلك!". 

وليمة الملكة 
رحلة طبخ زينة بدأت في منزل صديقتها "ليزا يانسن" التي طلبت منها تحضير طبق سوري في سهرة رأس السنة لجميع الأصدقاء المدعوين وكانت زينة أحدهم، وبالفعل حضرت زينة طبقاً حلبياً مشهوراً "كباب باذنجان" وحصدت عشرات الإعجابات على تميز هذا الطبق حيث تقول: "من منزل هذه الصديقة بدأت رحلتي في عالم فن الطبخ، وتوسعت علاقاتي بعدما صرت أتنقل بين منازل أصدقائي وحصدت وصفاتي الكثير من الإعجابات، حتى وصلنا إلى احتفال "برنس كلاوس فاوند" عندما كنت مدعوة للحفل ومنهمكة بتحضير الأطباق، ليدخل علي أحد المشرفين ويقول لي بأن الملكة وعائلتها سيتذوقون طبخي اليوم! كانت المفاجأة الكبيرة لي وسعدت كثيراً بذلك رغم أن شعور الارتباك اعتراني بشدة، لكن هذا الحلم الذي طالما راودني شجعني لتقديم وصفات أشهى وباحترافية أكبر، وما إن تذوقت الملكة الأطباق حتى أبدت إعجاباً شديداً بها وأكثر ما أحبته "الكبة المشوية" ثم أبدت الملكة إعجابها بهذه الثقافة العريقة لمدينة حلب التي أضيفت إلى عراقتها التاريخية".

تعيش اليوم زينة في هولندا بعدما حظيت باحتفاء كبير بها في وسائل إعلام هولندية كبيرة ووسط دهشة الأصدقاء من الإبداعات التي تقدمها لهم بشكل يومي، ووسط تفرد حقيقي بتحقيق حلمها، فإضافة إلى تطوعها في مشفى "AMC” تحت إشراف بلدية أمستردام حيث تطبخ هناك كل شهرين لتحقيق الاندماج بين اللاجئين والهولندين؛ تمكنت زينة من الحصول على ترخيص لشركة باسمها تحت عنوان "زينة كتشن" مختصة بشؤون الطبخ السوري والحلبي على وجه الخصوص حيث يتم التنسيق فيها للمؤتمرات والحفلات والمهرجانات، إلا أن الشركة لا زالت قيد التأسيس وهي بحاجة لتمويل حتى تتمكن من الانتشار، لتكون بذلك أول لاجئة سورية تنقل أصالة المطبخ السوري وتوسعه بهذه الاحترافية، إضافة إلى حصولها على دعوة من لندن للقيام بدورات تدريبية في الطبخ.

 

اقرأ أيضا:
موجة صقيع أوروبا تعصف بلاجئيها