أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (DW)
بينما هي تتحدث عن شوقها وحنينها الدائم لأهلها في سوريا، أصدر هاتفها المحمول نغمة مفاجئة. إنها رسالة وصلتها على تطبيق الهاتف "واتساب" وبالتحديد على المجموعة العائلية، التي تجمع بشكل افتراضي شتات أفراد عائلة اللاجئة السورية عبير، والتي تقطعت أوصالهم جراء الحرب.
أصبح تطبيق التواصل الفوري “واتسآب” يلعب دوراً مهماً في ربطه اللاجئين بعائلتهم المتفرقة عبر أنحاء العالم بسبب ظروف الحرب و صعوبات تجميع العائلة قانونياً في بلدان اللجوء. وتقول عبير، التي سارعت بفتح الرسالة التي وصلتها، إنها رسالة قصيرة من والدتها ترسلها لها يومياً لتذكيرها بشرب الماء، فهي تنسى ذلك دائماً حتى عندما كانت في سوريا، وتضيف عبير في حديثها مع DW عربية وقد اغرورقت عيناها بالدموع قائلة: ”إنها أمي لا تنسى شيئاً يتعلق بي أبداً رغم البعد“. وترى عبير أن المجموعة العائلية لا يمكنها أن تحل محل ما فقده السوريون في الحياة الطبيعية وبالأخص في غرفة المعيشة، حيث تجتمع العائلة دائما لقضاء الوقت مع بعضها البعض وتبادل أطراف الحديث. الآن كل فرد من أفراد أسرة عبير أصبح في مكان بعيد عن الآخر.
وتعيش عبير (27 عاماً) في ألمانيا منذ ثلاث سنوات، أما والديها فبقيا في سوريا، بينما يعيش كل من إخوانها في بلدان أوروبية مختلفة. وتقول عبير عن دور خدمة “واتسآب” في ربطها بعائلتها وإخوانها:“ لم يعد هناك شيء يلم شتات عائلتنا سوى هذا التجمع الافتراضي، الذي بات يحتل مكانة مهمة في حياتي وحياة كل العائلات اللاجئة المتفرقة عبر العالم “. وتتذكر عبير حياتها في سوريا وتجمع عائلتها يوميا على مائدة واحدة. "لم نكن نفترق أبداً والآن أصبح كل واحد منا في مكان بعيد عن الآخر، ما كنت لأتصور أنه سيأتي هذا اليوم ونفترق".
فيديو لبطلة إماراتية تروي فيه إنقاذها لسائق يحترق بحادث سير
ويتقاسم كل فرد من أفراد عائلة الشابة اللاجئة ما يقوم به خلال يومه. وتتقاسم عبير وأفراد عائلتها كل الأمور الحياتية الخاصة بهم عن طريق عدد من الرسائل المكتوبة والمقاطع الصوتية والصور وأشرطة الفيديو القصيرة. وتقول عبير إن أهلها يرسلون لها عادة صور الزهور أو الشموع مع جمل وعبارات مثل “صباح الخير” أو “مساء الخير“. وتضيف عبير وقد بدت الابتسامة على وجهها للمرة الأولى وهي تتحدث عن عائلتها، التي لم تراها منذ ثلاث سنوات :” أحيانا كثيرة يرسلون لي قصصا مقتبسة ومكررة عن الأخلاق والحكمة ودروس الحياة. هم يعلمون أن لا أحد يقرأ مثل هذه الرسائل ومع ذلك يرسلونها بلا انقطاع“.
ولا يمكن لمحمد، 26 عاماً، لاجئ سوري مقيم في ألمانيا، الاستغناء عن “واتسآب” في محادثاته اليومية مع عائلته وأصدقائه المقيمين في سوريا وبلدان أوروبية أخرى. ويقول محمد في حواره معDW عربية:“ واتسآب هو الوسيلة الوحيدة التي تربطني حالياً بعائلتي في سوريا“.
ولم يلجأ محمد وعائلته إلى إنشاء مجموعة على واتسآب لأفراد العائلة الواحدة، بسبب الرغبة في الحفاظ على خصوصية كل فرد من أفراد العائلة كما يقول. ويعتمد محمد على المكالمات الهاتفية الدولية للتواصل مع عائلته في حال انقطاع الإنترنيت في مناطق الحرب. و يرى محمد أنه لا يمكن لـ "واتسآب” أن يكون المكان المناسب لمناقشة وحل المشاكل الاجتماعية بين اللاجئ وأسرته، فهو يتقاسم مع عائلته الأخبار السارة فقط، بينما يحتفظ بالمشاكل والصعوبات التي تواجهه في بلد اللجوء لنفسه، وعن السبب في ذلك يقول اللاجئ السوري:" شخصياً لا أتحدث عن مشاكلي الخاصة مع أحد، خاصة مع أفراد عائلتي لأنهم بعيدون عني ويعيشون في ظروف تختلف كلياً عن الظروف التي أعيش فيها هنا”.
من جهته يرى يحيى أن لا شيء يغني عن "لمة العيلة” الحقيقية ولكن يبقى استخدام "واتسآب” أحسن من لا شيء، ويصف يحيى ذلك في حديثة لـDW عربية بالمثل السوري القائل "الرمد أحسن من العمى”. وتعيش أغلبية عائلة يحيى في سوريا، ومنهم والدته، التي يحرص على التواصل معها يومياً عن طريق "واتسآب". كما لدى يحيى أخ مقيم في لبنان وأخت مقيمة في النمسا، فيما يعيش البقية متفرقين في مناطق مختلفة في سوريا. وعن تواصله معهم يقول يحيى:" بعض الأوقات لا أستطيع أن أتواصل مع جميع أهلي، بسبب تواجدهم في مناطق لا يوجد فيها إنترنيت، لهذا أكتفي بمكالمة والدتي للاطمئنان عليها".
ويقول يحيى أن واتسآب ساعده كثيراً في تقصي أخبار عائلته ”خاصة في ظل الحرب حيث أصبحنا بحاجة إلى هذا التطبيق أكثر من السابق".
ولتسليط الضوء على ما يميز خدمة "واتسآب” عن غيرها من التطبيقات يرى الخبير الألماني في مواقع التواصل الاجتماعي والهجرة د. فاسيليس تسيانوس أن هذا التطبيق سهل للتعلم على الجميع وهو أيضا بالمجان. ويقول الخبير في حواره معDW عربية: "يمكننا الحديث هنا عن ما يسمى بـ"البيت الإلكتروني"، لأنه يقدم بعداً إضافياً للتواصل والتقريب بين الأشخاص".
ويرى الخبير أن أخطر سلبيات "واتسآب” تكمن في سهولة خلقه سوء تفاهم بين المستخدمين، كما أن الرقابة الاجتماعية من قبل العائلة عن طريق تقنيات تحديد تواجد المستخدم ووصول الرسائل وفتحاها هي معلومات لا يرغب اللاجئون الشباب أحياناً تقاسمها مع أفراد عائلتهم أو أشخاص معينين.
من جهته يرى الخبير الاجتماعي محمد عسيلة أن التواصل يمثل ضرورة للاجئين خاصة في بلدان لجوء، ويقول في حديثه لـ DWعربية :”إيجابيات هذه الخدمة تكمن في اللقاء الافتراضي بالصورة والصوت بين الأسر وأيضاً في التسهيلات عن طريق تحسين وضعية اللاجئين في الحصول على وثائق مصورة وبسرعة من أهلهم، كما ساهمت في تقريب المسافات وتجاوز بعض الصعوبات”.
للمزيد: