أخبار الآن | سراقب – سوريا (أ ف ب)
يضع وليد أبو راشد على رأسه باروكة المهرج الصفراء، ويحمل لوحه الخشبي، وكيسه المليء بالدمى، ويسير بين مباني مدينة سراقب المدمرة، وخلفه يتراكض عشرات الأطفال المتلهفين لمشاهدة عرضه المسرحي الجديد.
وبعد انتهاء دوامهم المدرسي، يتسمر عشرات الأطفال أمام المسرح بين ركام الأبنية المدمرة في سراقب في الهواء الطلق، وقد ارتسمت على وجوههم ابتسامات عريضة.
وعبر فتحتين استحدثهما في لوح خشبي، يحرك وليد دميتين على شكل أسد وفأر، فيصفق الأطفال بحرارة، وعلى وقع موسيقى تصدح من هاتف وليد الموصول بمكبر صوت، يردد الأطفال أغنية “ما أحلى أن نعيش في خير وسلام”.
ويتنقل وليد منذ أعوام بين مناطق عدة في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، للترفيه عن الأطفال العالقين في دوامة الحرب، والمعارك، في منطقة لا تزال في معظمها خارج سيطرة قوات النظام، وتشهد بين الحين والآخر حملات عسكرية دموية، آخرها قبل أشهر.
وينتهي العرض، ويقول وليد وهو يجمع أغراضه: “المسرح جزء أصيل من ثقافة وحضارة إدلب”، مضيفاً “سأحارب الطغاة من خلال الفن”.
وتقترب ملاك ابنة العاشرة من المسرحي، وتقول مبتسمة: “نصادف العم وليد ونحن عائدون من المدرسة.. يجعلنا نضحك، وينسينا أجواء القصف والخوف”.
وكان وليد يطمح بالدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، ويقول: “نلت عام 2011 جائزة أفضل ممثل مسرحي في إدلب، وبدأت ترتسم ملامح مستقبلي الفني”.
ويضيف “لكني اخترت الوقوف إلى جانب الثورة والانخراط في جموع المتظاهرين، فالمسرح لا يمكن أن يقدم رسالة تحت حكم نظام قمعي”.
وبدل الدراسة، انضم وليد إلى فرقة “الكرفان السحري” التي قدمت عروضاً مسرحية للأطفال في مخيمات النازحين، المنتشرة بشكل أساسي قرب الحدود التركية.
ولم يطل عمر الفرقة كثيراً وتوقف نشاطها بعد مقتل مؤسسها في قصف لقوات النظام ببرميل متفجر في سراقب في مطلع 2014.
وبعد أشهر قليلة، انطلق وليد وحده، ونظم أول عرض لمسرح الدمى في مخيم للنازحين في ريف اللاذقية الشمالي، المحاذي لإدلب.
ويقول وليد: “لم أقدر على حبس دموعي بعد التصفيق المطول الذي حظيت به فور انتهاء العرض، في تلك اللحظة اتخذت قرار مواصلة تقديم العروض في أي بقعة سورية أستطيع الوصول إليها”.
ويتذكر طفلاً سأله مرة: “لماذا لا تتحدث ألعابي مثل الدمى؟”، وأصر ببراءته أن تشارك ألعابه في العمل المسرحي المقبل “فتتعلم النطق والرقص”.
وتحول وليد مع مرور الوقت إلى نجم مسرح في مدينته سراقب، وبعد اشتداد القصف، حوّل قبو منزله إلى مساحة لتقديم عروضه المسرحية للأطفال، بديلاً عن الساحات العامة، التي يصبح الوجود فيها بمثابة “انتحار”، خلال التصعيد العسكري.
ولم يكن اختيار وليد لمكان العرض البديل عشوائياً، فالملجأ مصمم بما يناسب تقديم عمل مسرحي فيه، سقفه مقوس، وتكسو جدرانه أحجار رخامية تعكس ضوءاً خافتاً يشع من فوانيس نحاسية معلقة في كل ركن، وتصطف الدمى
بأصنافها العديدة إلى جانب قصص قصيرة، وروايات، وكتب في خزانة الغرفة الحجرية.
ولا يريد وليد أن ينقطع عن عمله المسرحي أبداً، رغم انقطاع التيار الكهربائي المتواصل، وارتفاع كلفة المولدات، والوقود اللازم لتشغيلها، ويقول، أثناء جلوسه على أنقاض منزل مدمر: “أعدكم أن هذه الأعمال لن تتوقف”.
مصدر الصورة: أ ف ب
اقرأ المزيد:
بعد 75 عاماً.. منظمة أمريكية تعثر على غواصة مفقودة قبالة سواحل اليابان