في ظلّ ضغوط الاتحاد الأوروبي للتوقّف عن تعدين الفحم السائد في وادي جيو منذ 160 عاما، يكابد السكّان المشقّات للمضي قدما بلا فحم في هذه المنطقة التي تحيط بها قمم جبال الكاربات المكسوة بالثلوج في جنوب غرب رومانيا.
ولا يخفي عمّال مناجم الفحم استياءهم من السلطات، متّهمين إياها بأنها جعلت المنطقة التي يسترزق سكّانها من استثمار الفحم “تحتضر”.
ويقول لوسيان إيغناتسكو، وهو عامل منجمي في الثامنة والثلاثين من العمر “أيّ أمل لهذا الوادي؟ ومن حاول أصلا أن يفعل شيئا من أجله؟”.
وقد اضطرت رومانيا إلى رفع الدعم عن قطاع الفحم منذ انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في العام 2007. من ثمّ، أغلق 11 منجما من أصل 15 وتراجع إنتاج الفحم القاري من 22 مليون طنّ سنة 1992 إلى 600 ألف طنّ العام 2019.
وعمّال المناجم في جيو الذين كانوا يحظون بدعم من النظام الشيوعي ثمّ الرئيس الاشتراكي الديموقراطي السابق إيون إيليسكو الذي استدعاهم أكثر من مرّة في مطلع تسعينات القرن العشرين لصدّ معارضيه، لم يعودوا أكثر من 4500 فرد، في مقابل 54 ألفا قبل 30 عاما.
ويقول ألين أودفار، مدير منجم فحم ونيا الذي من المرتقب أن يتوقّف العمل فيه في 2024، إن “هذا النشاط لم يعد مربحا”.
ويأمل هذا المسؤول أن ينقل لاحقا عمّاله البالغ عددهم راهنا 543 إلى المناجم المجاورة التي من المقرّر إغلاقها في 2030.
– “السير عكس التيّار” –
ولا يفكّر ليفيو ديجيغ (20 عاما) سوى بأمر واحد عندما ينزل كلّ يوم للعمل في المنجم على عمق 400 متر ألا وهو “التقاعد في الخامسة والأربعين”.
وفي هذا البلد الذي يعدّ من الأكثر فقراً في الاتحاد الأوروبي، يتقاضى العامل الذي اشتغل في منجم مدّة 20 عاما معاشا تقاعديا بقيمة أربعة آلاف ليو (قرابة 830 يورو)، أي أكثر بـ 700 ليو من متوسّط الأجر في البلد.
ويؤكّد فيرينك بالوغ (44 عاما) أن “مال العالم كلّه” لن يقنعه بترك ابنه البالغ 18 عاما يحذو حذوه. وهو يقول بعد ست ساعات من العمل في باطن الأرض “لا خيار للشباب هنا سوى الهجرة”.
وأظهرت دراسة أجرتها مجموعة “برايس ووترهاوس كوبرز” أن ربع سكّان المنطقة الذين هم في سنّ العمل والمقدّر عددهم بمئة ألف شخص كانوا يزاولون مهنة في 2019. ونسبة التعطّل من العمل مرتفعة بصورة خاصة في أوريكاني حيث يحظى أقلّ من 10 % من البالغين بفرصة عمل منذ إغلاق المنجم.
ويكشف بيتري بريت (63 عاما) المصاب بالسحار السيليكي، وهو مرض رئوي يفتك بعمّال المناجم، أنه تحايل على الأطّباء في شبابه ليستمرّ في العمل في المنجم. ويقول “لم يكن باليد حيلة، فأولادي كانوا لا يزالون صغارا”.
لكنه بات يدرك اليوم أن ما من مستقبل لهذا القطاع، “حتّى لو أظهرت بعض الدراسات أن المنطقة تختزن احتياطيا قابلا للاستثمار لمدّة مئتي عام”. وهو يؤكّد أنه “لم يعد في وسع رومانيا الاستمرار في السير عكس التيّار”.
– سياحة مستدامة –
وبحسب حكومة يمين الوسط، من المرتقب تخصيص 1,9 مليار يورو للفترة ما بين 2021 و2027 في سياق صندوق الانتقال العادل للاتحاد الأوروبي، بغية مساعدة البلد على التحوّل إلى مصادر الطاقة المتجدّدة.
وبدفع من هذا البرنامج أعرب عدد من منتجي الطاقة الريحية عن استعدادهم لتوظيف عمّال من وادي جيو. غير أن عمّال المناجم الذين انتقلوا من مناجم الفحم إلى الطواحين الهوائية يحصون على أصابع اليد الواحدة.
لا يستبعد لوسيان إيغناتسكو احتمال خوض هذا المجال، لكن “بعد التقاعد من المناجم”.
ويتّهم رئيس بلدية أوريكاني دانوت بوهيسكو الحكومات المتعاقبة بـ”الكذب” بشأن مستقبل القطاع من دون تحضير المنطقة لما ينتظرها.
وهو يقول “أملنا الوحيد هو الموارد الأوروبية” التي من شأنها تمويل سياحة مستدامة “في منطقة استثنائية بطبيعتها الغنيّة”، مؤكدّا “من حقّ أبنائنا أن ينعموا بمستقبل سليم”.