التراث الخليجي.. قصص وتراث وتقاليد عريقة
بالرغم من أن تراث شعب ما لا يمكن في الحقيقة حصره في مجالات محددة حيث يشمل الأفكار والتقاليد والمعتقدات وطقوس الفرح والحزن وبعض الخرافات والأمثال الشعبية والطبخ وكل ما يعتبر فناً أو إبداعاً موروثا، إلا أن هناك خطوطاً عريضة يمكن عبرها تصنيف بعض مناحي الحياة الخاصة بشعب أو منطقة بأنها تراثية، وفي مقال اليوم نتحدث عن بعض الموروثات الخليجية على وجه التحديد.
الحكايا الشعبية التراثية في الخليج العربي
تنقل الحكايا الشعبية المتوارثة من جيل إلى جيل مشاعر الأجداد وطريقة تفكيرهم ومنطق الأمور الذي كانوا يسيرون عليه كما تعكس المخاوف الجمعية سواء كانت منطقية أم لا والقيم والأخلاق التي يحرص المجتمع على الحفاظ عليها.
تشترك الحكايا التراثية الخليجية مع الحكايا التراثية في مناطق أخرى من العالم بتوظيفها للطبيعة المحيطة في السرد مثل المخاوف التي يجسدها ظلام الليل والبحر الغامض الذي يختفي فيه الصيادون دون إنذار أو أثر والصحراء والخيول والأنهار. كما يلاحظ اختلاق شخصيات وكائنات وقدرات غير طبيعية لوضع جانب غامض في القصص وجعلها أكثر رهبة وتأثيراً في السامعين.
حكاية الاخوة السبعة والشقيقة الوحيدة
تروي هذه الحكاية التراثية قصة سبعة أخوة شجعان يعيشون مع أختهم الصغرى ذات الجمال الأخاذ والقدرة الخارقة على الرؤية لمسافات طويلة. في أحد الأيام تنزل الفتاة الجميلة إلى ينبوع قريب لتستحم فتسدل شعرها الطويل وتتساقط منه شعرة وتعلق بالأعشاب التي تنمو في الماء دون أن تلاحظ ذلك.
يصادف أن يرسل ملك مملكة مجاورة للاخوة أحصنته مع السائس إلى نفس الينبوع بهدف الشرب فترفض الخيل أن تشرب من ماء الينبوع وتعود عطشى. عندما يسمع الملك بالأمر ينزل إلى الينبوع لتقصي الأمر شخصياً ويكتشف الشعرة العالقة بين الأعشاب ويقرر خطبة صاحبتها التي يسأل عنها في الجوار ويعرف هويتها.
يرفض الاخوة تزويج أختهم الصغرى من الملك فيثور غضباً ويهددهم بأن يغزو ديارهم ويخطف أختهم ويتزوجها رغماً عنهم. منذ ذلك الحين يذهب ستة أخوة إلى العمل والصيد ويتركون السابع بالتناوب في المنزل لحراسة الأخت والتصدي لهجوم الملك، إلا أن الأخ الأكبر لم يكن قوياً أو شجاعاً كبقية الأخوة، وفي أحد الأيام جاءت أخته تنبؤه أنها ترى جيش الملك من بعيد قد هجم عليهم وأن عليه التصدي لهم فيأمرها بالاختباء ويختبئ هو الآخر. يدخل الجيش دون مقاومة إلى موطن الأخوة ويخطف الفتاة ويعود إلى المملكة.
عند عودة بقية الاخوة، يأخذون بتأنيب الأخ الأكبر الذي يعتذر عن عجزه ويتوجهون فوراً إلى قصر الملك ليسترجعوا أختهم. في هذه المرحلة تبرز رجاحة عقل الملك الذي يبعث للاخوة مرسالاً يقول فيه أنه مستعد لتزويجهم أَخَوَاتِه السبع فيسود الوفاق ويعيش الجميع بسعادة.
تبرز أهمية تحكيم العقل وتهدئة النفس للتوصل إلى حلول ترضي كافة الأطراف في هذه القصة بالإضافة إلى تمجيد الشجاعة وحب العائلة وحمايتها والأخلاق العربية الأصيلة.
التراث الموسيقي الخليجي
الموسيقى التراثية مثل الحكايا الشعبية لأي شعب مستقاة من البيئة المحيط التي تصبغها بعواملها البارزة. من أشهر أنواع الغناء التراثي نذكر الأغاني التي كانت ترافق صيادي الأسماك واللؤلؤ في مياه الخليج التي كانت صناعة مزدهرة منذ بعض العقود فقط. يشير خبراء الفولكلور أن هذا النوع من الأغاني بدأ يندثر بسبب غياب صيد اللؤلؤ وبسبب تطور أساليب الصيد والقوارب المستخدمة في ذلك.
يضيف الخبراء أن أغاني البحر كانت تتنوع وفق الحالة والفصل والمناسبة؛ على سبيل المثال هناك أغنية للانطلاق في رحلة الصيد كانت غالباً ما تتوسم الخير بالصيد الوفير وبالعودة السالمة وأغنية لرفع المرساة وأغنية لمواساة الصيادين الذين لم يغنموا بصيد كافي وهكذا.
ومن جهة أخرى هناك الموسيقى التي تختص بالصحراء ويرافقها القصيد في بيوت الشعر وسط الرمال على أنغام وتر الربابة الوحيد كما أن هناك نوعاً مميزاً خاصاً بالخليج هو العرضة ونذكر أيضاً الغناء الحربي.
موسيقى أو فن الطنبورة
يشير المؤرخون إلى أن أصل هذا اللون أفريقي إلا أنه انتقل إلى الخليج وأصبح جزءا من تاريخه و تراثه الموسيقي وانتشر في معظم بلدانه. يرافق الطنبورة في الموسيقى هذه آلات إيقاعية مثل الطبل والمنيور أو المنجور.
كان يعتقد أن لغناء الطنبورة قدرة روحية على علاج الأسقام والعلل بما في ذلك العلل النفسية وبعض المشاكل ذات الطابع الروحي أو الماورائي، أما اليوم فيعزف هذا اللون بشكل أساسي في الأعراس ولم يعد يقتصر على المناطق البدوية بل يتم عزفه في أفخم الفنادق أيضا.
الألبسة التقليدية التراثية
تعمد النساء في منطقة الخليج العربي إلى تفصيل أثوابهن من أقمشة كالحرير يتم نسجها في بلدان أخرى مثل سوريا والهند ومصر وإيران أما في الشتاء فتتجه النسوة إلى الأقمشة الصوفية الرقيقة.
بالرغم من تفضيل النساء للون الأسود لملابسهن إلا أنه من الوارد جداً أن يقع الاختيار على الأخضر والأحمر والأزرق والقرمزي كما أن النساء كن يتفاخرن بموهبتهن على تطريز الأثواب في مواقع محددة مثل الصدر أو الأكمام والياقة إلا أن الملابس الخاصة بالمناسبات والأفراح كان يتم تطريزها كاملة. أما بالنسبة لملابس الرجال التراثية فهي مشابهة لملابس الرجال الشعبية في الوقت الحالي.
الصناعات والمهارات المتوارثة في الخليج العربي
السفافة
كانت النساء تعمد إلى جمع خوص النخل ومعالجته بطريقة معينة وصبغه بألوان متنوعة. بعد ذلك يتم نقع هذا الخوص بالماء ليسهل التحكم به وثنيه وتشكيله على شكل ضفائر يتم التخلص من الأجزاء النافرة والناشذة عنها لتصبح بعدها ما يعرف باسم السفة التي يتم صنع أدوات متعددة منها.
الحُصُر والسرود والخصف
بعد أن يتم تشكيل السفاف وتجديلها وتشذيبها يمكن صنع الكثير من الأدوات والأغراض منها مثل السلال والحصر والأطباق الواسعة (السرود). في البداية تقوم المرأة التي عادة ما تختص بهذه الصناعة دوناً عن الرجال بنقع السفاف بالماء ليسهل ثنيها ثم تشبك السفة بطريقة معينة بواسطة إبرة كبيرة تعرف بالمسلة أو الدفرة إلى أن ينتهي صنع الحصيرة حسب المقاس الذي تحدده المرأة. في نهاية هذه المهمة تقوم المرأة بثني الأطراف وتشبيكها أيضاً وتشذيب الحصيرة كاملة من الزوائد وتصبح جاهزة للاستخدام.
أما بالنسبة للسرود وهي الأطباق الضخمة التي لا تحتوي على حواف بارزة، فعادة ما تتبع المرأة نفس طريقة صنع الحصير إلا أن التشكيل هنا يكون دائرياً ويأخذ بالاتساع كلما زادت كمية السفاف المستخدمة.
أما الخصف فهي الأطباق العميقة التي يتم حفظ الأطعمة المختلفة فيها مثل التمر ولها نفس طريقة صنع السرود إلا أنها ليست مسطحة وإنما مخروطية أو اسطوانية الشكل.
بعد أن كانت الحصر والسرود والخصف تصنع بشكل دائم في المنازل بهدف الاستخدام اليومي، أصبح من النادر رؤيتها إلا في المعارض التقليدية المختصة بالفنون اليدوية والتراثية بسبب التطور الذي شهدته المنطقة وتغير أساليب الحياة وإيجاد مواد أكثر سهولة وعملية للاستخدام.
الحابول
لا يزال الحابول يستخدم في بعض المناطق الخليجية لجني محاصيل التمور وهو حزام يلفه الرجل على خصره وحول جذع النخلة التي يتسلقها. يصنع الحابول من ألياف النخل التي يتم تشكيلها بعد نقعها بالماء وتغليفها بالقماش وجدلها بشكل محكم جداً.