تقدم صناعة وسوق الأزياء في دول مجلس التعاون الخليجي
السوق الخليجية والماركات الفاخرة
تحاول شركات ومحلات الأزياء في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي أن تجمع الطابع العملي مع القيم الثقافية والجمال وأغراض الاستدامة لتجذب أجيالاً جديدة من المتسوقين.
لوحظ أن الماركات الفاخرة تراجع أداؤها في السوق خلال انتشار وباء كورونا في الأسواق العالمية والخليجية على حد سواء. لهذا كان لزاماً على الماركات الفاخرة وضع هدف جديد لها ونقل نفسها إلى مكان آخر وتنويع قنوات التوزيع الخاصة بها. وبينما أصبحت العادات والسلوكيات الشرائية تتم عبر الإنترنت بالدرجة الأولى بفعل الحجر الصحي، تمكنت الماركات الفاخرة للأزياء من نقل تركيز أعمالها إلى مقاربة رقمية بهدف الوصول إلى جماهير أوسع.
وبالرغم من خروج العالم من أزمة الحجر الصحي الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، يبدو أن الماركات الفاخرة، دوناً عن غيرها تواجه تحدياتٌ جديدة. وهنا يأتي دور دول منطقة مجلس التعاون الخليجي الذي يبدو أنهم لا يكترثون للتوجه العالمي نحو العملية والابتعاد التام عن الترف والرفاهية وقد يكون سبب ذلك هو صمود الاقتصادات الخليجية أمام التحديات الاقتصادية العالمية. و لإثبات ذلك، تشير الإحصاءات المحلية إلى أن 70% من المتسوقين في منطقة الخليج ازداد انفاقهم على السلع الفاخرة بالمقارنة بالسنين السابقة.
التسوق عبر الإنترنت هو الموضة الرائجة
قد يكون الانتشار الواسع جداً لعقلية التسوق عبر الإنترنت واحدا من نتائج الحجر الصحي كذلك بعد أن أصبح خطيراً أن يخرج المرء من منزله واستعاض عن ذلك بالتسوق عبر الإنترنت واعتاد على الأمر حتى بعد انتهاء أزمة كورونا عالمياً خصوصاً مع ما تقدمه خدمات التسوق عبر الإنترنت من تسهيلات وعروض وخدمات.
قد تكون موجة التسوق عبر الإنترنت ليست حكراً على منطقة الخليج ولكن حجم هذه العادة الشرائية يبرز كأحد الخصائص التي يتسم بها سوق الخليج في أيامنا هذه مع قدرة المستهلك على شراء بضائع من أي مكان في العالم. وهنا أيضاً تبرز قدرة المستهلك الخليجي على شراء السلع الفاخرة بالمقارنة مع غيره من المستهلكين.
تشير الإحصاءات لمنطقة الشرق الأوسط ككل بخصوص التسوق عبر الإنترنت أن عدد المستهلكين الذين يقصدون الأسواق الإلكترونية في تزايد مستمر حيث أن نسبة استخدام الإنترنت، لهذا الغرض ولأغراض أخرى، في دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، تبلغ 99% وهي قريبة جداً للنسبة المسجلة في المملكة العربية السعودية التي تقدر بـ 98%.
أما بخصوص التوقعات المحددة لعدد المستهلكين الإلكترونيين في منطقة الشرق الأوسط فيعتقد أنها بتزايد تتجاوز نسبته 40% بشكل سنوي على مدار السنوات المستقبلية. ومن أشهر المنصات المستخدمة في منطقة الخليج للتسوق عبر الإنترنت نذكر “Yoox Net-a-Porter” و “Farfetch” و “Jollychic” بالإضافة إلى العملاق العالمي أمازون.
تغير عقلية إنتاج الملابس في دول مجلس التعاون الخليجي
العودة إلى الأزياء التقليدية والتراثية
بعد أن اتجهت المجتمعات الخليجية إلى الحداثة والسمات العصرية في فن العمارة والتكنولوجيا والتعليم ومختلف مناحي الحياة، لم يكن قطاع التسوق وصناعة الأزياء والملابس بمنأى عن هذا الاتجاه. فبالرغم من محافظة العديد من الناس على ألبستهم التقليدية المعتادة، كان اللون السائد في أسواق الألبسة الخليجية في السابق هو الملابس المعاصرة التي يمكن وصفها بأنها غربية خصوصاً مع افتتاح فروع للأسماء العالمية في الموضة في دول الخليج.
ولكن يلاحظ مؤخراً أن مصممي الأزياء الخليجيين ودور الأزياء والمعامل التي تقع في هذه المنطقة قد بدأت تعود إلى تاريخ المنطقة لاستقاء اللمسات الفنية والطابع العام والأفكار. على سبيل المثال أصبحت العباءات النسائية يتم تصنيعها من قبل كبرى أسماء الأزياء في العالم وأصبحت تزين بالنقوش والتطريزات القديمة سواء بخيط الحرير أو الخرز أو الخيطان المذهبة التي كانت الجدات تستخدمها لتزيين أثوابهن وأثواب أولادهن.
بالطبع ليس غريباً على الموضة أن تتكرر أو تعيد نفسها بعد حين حيث يلاحظ الكثيرون أن الأنماط والقصات والألوان التي تصبح رائجة في الوقت الحالي كانت رائجة في وقت سابق، إلا أن عودة الأزياء الخليجية إلى التراث مختلفة لأنها تتسم بالعراقة والافتخار بالتاريخ وليست مجرد استرجاع لموضة غربية كانت رائجة منذ فترة سابقة.
الخليج العربي موطن لمواهب الأزياء العربية
أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصاً الإمارات العربية موطناً لكل المواهب العربية التي تسعى إلى النجاح على المستوى العربي إن لم يكن العالمي. في الحقيقة تحتضن هذه المنطقة الأشخاص الموهوبين في مجال الأزياء وتعطيهم الدعم اللازم ليتمكنوا من إظهار قدراتهم في التصميم والتنفيذ وتقديم فكرة عرض متكاملة وليس مجرد أزياء وفساتين.
بالإضافة إلى الدعم الحكومي والخاص للمواهب الشابة التي تسعى إلى تحقيق ذاتها في مجال الأزياء، يساعد الانفتاح الثقافي الذي يزداد يوماً بعد يوم في دول الخليج على استقاء الأفكار وتنفيذها وإطلاقها إلى العالم من هذه المنطقة التي تسير في طريقها لتصبح منصة تبهر العالم بإنجازات مواطنيها ومواطني الدول الأخرى.
بدأنا نلحظ ظهور دور أزياء في منطقة الخليج تقدم ملابساً تتماشى مع الذوق العام الخليجي والموضة بجمالية عالية تنافس أشهر الأسماء العالمية بسبب توفر مقومات الإبداع والعمل في دول مجلس التعاون الخليجي وترحيب الجهات المسؤولة بأي موهبة تفضل الإنطلاق من هذه البلدان بالإضافة إلى القدرة على الدعم المادي والبشري والتسويقي لهذه الصناعة.
الاستدامة في تصنيع الملابس والأزياء في دول الخليج
ما لا يعلمه الكثيرون من المستهلكين هو أن صناعة الملابس بشكل عام تعتبر من أهم ملوثات البيئة بسبب عملية المعالجة التي تحتاجها الأقمشة لكي تصبح قابلة للنسج والحياكة بما في ذلك القطن والكتان والصوف والجلديات. تكمن المشكلة في المواد الكيميائية المستخدمة لمعالجة الألياف والمواد الخام للتوصل إلى أقمشة ذات جودة عالية والكميات الهائلة من الماء المطلوبة في هذه الصناعات بالإضافة إلى الأصبغة والانبعاثات الناتجة عنها.
لتوضيح الكلام السابق نخبركم أن بنطالاً بريئاً من الجينز يستدعي إنتاجه ما يقارب 2000 غالون من الماء وهو ما يعادل كمية الماء التي يشربها الشخص العادي خلال 7 سنين، وقس على ذلك. ومن هنا تم تصنيف صناعة الألبسة والأزياء عالمياً كثاني أكبر مسببات التلوث في العالم مباشرة بعد التلوث الناتج عن النفط ككل.
ومن هنا تشكلت ما يعرف باسم صناعة “الملابس السريعة” على غرار الأطعمة السريعة التي تعتبر منخفضة الثمن للمستهلك ولكن مرتفعة الثمن على المدى الطويل ومن حيث انعكاسها على البيئة. وفي سياق توجه بلدان دول مجلس التعاون الخليجي إلى الاستدامة والصناعات الصديقة للبيئة والحفاظ على مواردها، تعمل الجهات الرسمية على تشجيع تفعيل أدوات الاستدامة في صناعة الألبسة أيضا.
لا زال العالم بحاجة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة بخصوص توجيه صناعة الأزياء إلى الاستدامة وقد تكون الإمارات العربية المتحدة واحدة من الدول التي أدركت ذلك قبل غيرها. نشهد حالياً دعواتٍ عامة للأخذ بعين الاعتبار أثناء التسوق عبر الإنترنت إذا ما كانت الملابس التي يوشك المستهلك على شرائها تتماشى مع القواعد الصديقة للبيئة في هذه الصناعة وإذا كانت مصنوعة من أقمشة معاد تدويرها علماً أن دولة الإمارات تضم اليوم واحداً من أكبر معامل تدوير الأقمشة المستهلكة في العالم.