إذا سألت أي فتاة صغيرة عن لونها المفضل، سيكون من بين إجاباتها في الغالب اللون الوردي. وتكتظ ممرات بيع الألعاب والملابس في مراكز التسوّق بهذا اللون، لكن هل هذه حقيقة أم مجرد موروث ثقافي؟ هذا ما تحاول الباحثة في علم النفس كلوديا هاموند البحث عن إجابة عنه.
يسهل إيجاد قسم الفتيات في محل بيع ملابس الأطفال لأن معظمه يعجّ بالملابس ذات اللون الوردي. أعرف الكثير من أولياء الأمور الذين يرغبون بالحاح في أن تلبس بناتهم ملابس بلون مغاير، لكن يبدو أن اللون الوردي له جاذبية لا تُقاوَم. فهل هذا صحيح حقاً؟ وهل ذلك أمر لا مفر منه أن تفضل البنات اللون الوردي أم أن ذلك مجرد موروث ثقافي؟
تناول العديد من الدراسات على الألوان المفضّلة لدى مختلف الأعمار. ووجد أغلبها في الولايات المتحدة الأمريكية أن الرضّع والأطفال الصغار، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، ينجذبون الى الألوان الأساسية مثل الأحمر والأزرق.
لا يظهر اللون الوردي على رأس القائمة، مع أنه أكثر شعبية من اللونين البُنّي والرمادي. كما وجد بعض الدراسات التي شملت ذلك السن أن اللون الأزرق هو المفضل، ووجد غيرها أن اللون الأحمر هو المفضل، ولكن الدراسات نادراً ما وجدت أي أختلاف في التفضيل بين الجنسين.
ففي عام 2007، وضمن بحث أجري في جامعة نيوكاسل ببريطانيا، تم توجيه سؤال إلى البالغين عن لونهم المفضّل. هل اختارت أكثرية النسوة اللون الوردي، أو حتى الأحمر؟ كلا.
كان اللون المفضّل على رأس القائمة، للرجال والنساء على حد سواء، هو الأزرق. ولكن النساء، في المتوسط، فضّلن أطياف اللون الأحمر أكثر من الرجال.
وتكهّن القائمون على البحث بأن السبب ربما يعود تاريخياً إلى أن النساء كنّ مسؤولات عن جمع الفواكه، ولذا فهن أكثر ميلاً إلى ألوان الطيف الأحمر، تبعا لأنواع نبات التوت.
وبالطبع ليس السبب واضحاً بشأن ما إذا كان ينبغي على هذا الأمر أن يؤثر على ما يفضلنه من ألوان أم لا. فربما يعود ذلك أيضا إلى مهارات محسنة في التمييز ما بين أطياف اللون الأحمر المختلفة، مع أن هناك حلقة مفقودة في منطقية هذا الأمر كذلك.
ومع أن بعض أنواع التوت لذيذة، إلا أن بعضها سامة أيضا. فلِمَ ينبغي أن يجعل ذلك من اللون الأحمر هو اللون المفضّل لديك؟ إذا كانت النسوة قد تطوّرن ليفضّلن اللون الأحمر، فينبغي أن يكون الأمر شائعاً في كل بقاع الأرض، ولكن دراسة أجريت في السنة الماضية على السكان الأصليين في نامبيا، والذين يعرفون باسم شعب "هيمبا"، وجدت بأن النساء لا يفضّلن اللون الأحمر على سواه.
ألوان فطرية؟
قد تصوغ القواعد الثقافية تفضيلنا للألوان. ففي المجمتعات التي تعتبر اللون الوردي هو المثالي للطفلة الأنثى واللون الأزرق هو المثالي للطفل الذكر، يعتاد الأطفال منذ ولادتهم على قضاء أوقات طويلة وهم يرتدون أو يُحاطون بتلك الألوان.
بهذا الشكل، يصبح من الصعب معرفة ما إذا كان التعبير عن أفضلية لون ما لاحقاً أمراً فطرياً. لكن دراسة في العام 2011 حاولت الاقتراب من اكتشاف ما يجري.
عُرِضت أزواج من أجسام متطابقة مثل أساور، وعلب أدوية، وإطارات صور على بنات وأولاد بعمر عام واحد. كان لون أحدها وردياً والآخر بلون مختلف. لم يفضل هؤلاء الأطفال اللون الوردي أكثر من غيره من الألوان.
لكن بعد عمر السنتين، بدأت البنات في تفضيل اللون الوردي، وفي سن الرابعة، عقد الذكور العزم على رفض ذلك اللون. هذا هو بالضبط الوقت الذي يصبح فيه الذكور على بيّنة من جنسهم، ومثل الكبار تماما، يتحيز الأطفال الصغار لجنسهم.
شوهد هذا التحيز أيضاً في دراسة أخرى عندما أعطي أطفال بين الثالثة والخامسة من العمر فانيلات حمراء أو زرقاء ليلبسوها في إحدى رياض الأطفال. وقُسِّموا إلى مجموعتين، وأعطيت كل مجموعة شارة بإحدى اللونين، الأحمر والأزرق.
في نهاية الاسبوع الثالث، كان الأطفال يميلون إلى كل ما له علاقة بلون مجموعتهم، كان ذلك فقط بعد ثلاثة أسابيع. وبالتالي، يصبح اختلاف الجنس موضوعاً أساسياً للنقاش منذ بداية الحمل وما بعده. عندما نسمع أخبار ولادة طفل جديد، فإن أول ما نود معرفته هو: هل المولود ذكر أم أنثى؟
يمكن المجادلة بأنه لا يهم أي لون يلائم أكثر ملابس الأطفال الرضع، ولكنه يمكن أن يؤثر على الطريقة التي نتعامل بها نحن الكبار مع هذه الألوان. هناك دراسة معروفة تبين أن النساء تعاملن مع نفس الأطفال الرضع ولكن بشكل مختلف تبعاً لألوان الملابس التي كانوا يرتدونها، من الوردي والأزرق.
إذا كانت ألوان الملابس زرقاء فانهن كنّ يفترضن بأن الطفل ذكر، فكانوا يلعبون معهم ألعاباً رياضية أكثر وشجعوهم على اللعب بمطرقة، بينما كنّ يعاملن الأطفال الرضع الذين يرتدون ألبسة وردية اللون بشكل رقيق واخترن لهم دمية صغيرة ليتسلوا بها.
الوردي للصبيان؟
وماذا عن الرأي القائل أنه قبل قرن مضى كانوا يُلبسون الصبيان ملابس بألوان وردية، أما اللون الوردي للبنات فلم يكن إلا موضة حديثة؟ قد يبدو ذلك وكأنه خرافة أيضاً. يشرح الكاتب النفسي كريستيان جارّيت في كتابه الجديد "خرافات عظيمة حول الدماغ" بعضاً منها.
كتب جارّيت كيف أن العالم النفسي الإيطالي ماركو ديل غايديس، الذي حاول إيجاد أصل هذا الرأي، وجد فقط أربعة تعليقات قصيرة في مجلات تدل على أن اللون الوردي هو لون الصبيان. ويعتقد انه في اثنين منهما ربما تم استبدال الأزرق بالوردي عرضاً. لا يبدو هذا لي أمراً محتملاً، ولكنه بحث في بيانات خمسة ملايين كتاب طُبعت باللغة الإنجليزية السائدة في بريطانيا وأمريكا بين أعوام 1800-2000.
كان الشيء الأكثر إقناعاً هو عدم وجود أي تنويه للونين "الوردي والأزرق"، مع أنه كانت هناك إشارات متزايدة إلى "الوردي للبنات" منذ العام 1890 فصاعداً.
حتى الجمع بين الوردي والأنوثة في أيامنا هذه يمكنه أن يولد نتائج عكسية إن لم يستخدم بالطريقة الأمثل. فغالباً ما يستخدم اللون الوردي لحملات التوعية بسرطان الثدي. فقد وجد باحثون بجامعة إيراسموس في روتردام أنه عندما تُعرض على النساء إعلانات يطغى عليها اللون الوردي، كنّ في الحقيقة أقل عرضة للاعتقاد بأنهن سيصبن بسرطان الثدي أو يقمن بالتبرع بالمال لمؤسسات خيرية تُعنى بالسرطان.
لا يعتقد القائمون على البحث أن هذا يعود إلى مقتهن للون الوردي، بل لأنه عندما يجري تذكيرهن جهاراً بكونهن إناث، تبدو الإعلانات وكأنها تهددهم شخصياً مما يحرك لديهم آليات الرفض.
لكن هناك وسيلة واحدة على الأقل يفيد فيها اللون الوردي للنساء والرجال على حد سواء. ففي عام 2002، تحمس باحثون في سويسرا لزيادة نسبة التجاوب مع استطلاعات الرأي. وقد وجد هؤلاء أن طباعة الأسئلة على أوراق ملونة لم يغير من الأمر شيئاً، إلا عندما يكون الورق باللون الوردي.
ففي هذه الحالة ازدادت نسبة الاستجابة لمثل مثل هذه الاستطلاعات بنسبة أكثر من 12 في المئة. ولهذا فإن الألوان قد تؤثر على تصرفاتنا أكثر بكثير مما ندرك.