قبل أربع سنوات، عندما صرتُ في الأربعين، طلب مني الطبيب أن أجري فحص الكشف المبكر عن سرطان الثدي أو ما يُعرف بالماموغرام.
لا أذكر من تلك الأيام سوى أمرين: التأمين الصحي و أبي.
كنتُ استقلتُ من عملي وذهب معه التأمين، انشغلتُ بالتفكير في كيفية تأمين المصاريف في حال ثبُتَ وجود المرض، لم أشعر بالخوف من المرض بمقدار خوفي من عدم توفر القدرة المالية على علاج السرطان.
لم تكن تكلفة الفحص عالية.. أختي كانت تعمل ممرضة في إحدى المستشفيات ورتبت لي موعداً سريعاً.
علم والدي بالأمر فأصرّ على الذهاب معي بالرغم من أنه لا يحب دخول المستشفيات.
لا أذكر أنني تبادلت معه أي حديث بخصوص احتمالات وجود المرض. لكنني أذكر أنني كنت أنتظر الموعد في غرفة الانتظار وهو في الخارج يدخن سيجارة تلو أخرى، كان يطل برأسه من الباب ليطمئن إلى أنني لا زلتُ جالسة في مقعدي؛ ويختفي، لم يتحدث إليّ مطلقاً، ولم أجبره على أي حديث.
أخيراً، دخلتُ غرفة الفحص، كانت الغرفة باردة، بدأت الممرضة بالفحص، أطبقت على صدري شريحتين وأحكمت الضغط، شعرتُ ببرودة شديدة وبشيء من الألم.
أتتمتُ الفحص، وطلبت مني أن أجلس في مكان مخصص لانتظار النتيجة.
نظرتُ إلى نفسي في المرآة وخطر لي أنه يبعدني عن المرحلة التالية في حياتي خمس دقائق لا أكثر.
صحوتُ من خواطري على صوت الممرضة تطلب مني الحضور إلى غرفة الفحص مرة ثانية لأخذ صورة أخرى، هل حانت لحظة الحسم؟!
فكرتُ في أبي، كيف سأنقل له الخبر؟ هل سأنهار؟ هل سأبكي؟ هل سأصرخ؟
التزمتُ الصمت وأنا أمشي في ممر طويل إلى غرفة الفحص مرة ثانية.
مرة أخرى، ضغطت الممرضة على صدري، شعرت بألم شديد هذه المرة، أو ربما منعتُ نفسي من البكاء، ومرة أخرى، كيف سأتدبر تكاليف العلاج؟!
خرجتُ من الغرفة إلى كرسي الانتظار.
والدي كان في مكان ما خارج الجدران.
نادتني الممرضة، دخلتُ إلى غرفة مظلمة فيها طبيبتان تنظران إلى صور الأشعة.
حملقتُ فيهما، شعرتُ أنني إن رمشتُ سأبكي.
أومأتُ برأسي قبولاً بما قالته الطبيبة.
لم يكن ثمة ما يقلق.
خرجتُ إلى غرفة الانتظار، رأيتُ والدي جالساً في مقعدي للمرة الأولى طوال ساعتين من الانتظار.
ابتسمتُ وقلتُ له: "لنذهب إلى البيت. كل شي تمام."
اليوم، يطلب مني طبيبي أن أخوض التجربة مرة أخرى، سأذهب إلى الفحص. لكنني لن أطلب من والدي أن يصحبني. سأعفيه من الانتظار.