جرثومة الشيغيلا.. معضلة تونس الجديدة
- بكتيريا شيغيلا مُعدية للغاية وهذه أعراضها
- مضاعفات العدوى قد تكونقاتلة خاصة لكبار السن والأطفال دون سن الـ5
- إليك أسباب العدوى والأعراض وطرق الوقاية والعلاج
أثارت جرثومة شيغيلا ضجة واسعة في تونس، بعد عودتها للظهور مجددًا، وتسجيل حالة وفاة لطلفة، بالإضافة لخضوع عشرات الإصابات للعلاج من العدوى بالمستشفيات التونسية.
الظهور الجديد للمرض، استهدف صفوف الأطفال على وجه الخصوص، في عدد من مناطق البلاد، وذلك بعد سنوات من اختفائه.
حتى الآن، سجلت وزارة الصحة التونسية، بالإضافة لحالة الوفاة، 96 حالة إصابة بـ”شيغيلا” حتى الأربعاء الماضي، بينها 9 حالات لبالغين تتراوح أعمارهم بين 18 و80 عاما، وفق تصريحات مديرة رعاية الصحة الأساسية بوزارة الصحة أحلام قزارة لوسائل إعلام محلية.
فيما قال طارق بن نصر، المسؤول بوزارة الصحة التونسية، إن الطفلة وعمرها 8 سنوات توفيت، إثر تدهور حالتها، حيث كانت تعاني من أعراض بكتيريا “شيغيلا”، وكان من الممكن إنقاذها لو تلقت العلاج منذ بداية إصابتها، لكن تأخر نقلها إلى المستشفى.
وللحد من حالة الذعر التي انتشرت بين الأهالي، كثّفت وزارة الصحة التونسية منشوراتها التوعوية على مواقع التواصل الاجتماعي، لطمأنة الناس، ورفع وعيهم بأعراض وطرق الحماية من المرض.
الشيغيلا.. مرض عالمي
والشيغيلا هي عدوى معوية تسببها فصيلة بكتيرية تُعرف باسم الشيغيلا، وتُؤثر هذه الجرثومة بشكل رئيسي على الجهاز الهضمي وتسبب الإسهال والقيء وآلام في الأمعاء، وتؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، قد تؤدي للوفاة.
انتشار هذه الجرثومة لا يقتصر على تونس فقط. إذ تعد مشكلة صحية عالمية، وظهرت لأول مرة في عام 1897.
وجرثومة شيغيلا هي واحدة من الأسباب البكتيرية الرئيسية للإسهال، وتسبب ما يُقدّر بنحو 188 مليون حالة إصابة، وتؤدي إلى حوالي مليون حالة وفاة سنويًا، وفق مركز “كليفلاند كلينك”.
كما تعد هذه الجرثومة واحدة من أكثر 4 مسببات للأمراض التي تقود إلى الإسهال لدى الأطفال في أفريقيا وجنوب آسيا.
انتشارها لا يقتصر على البلدان الفقيرة، ففي البلدان المتقدمة، تُسجّل حوالي 1.5 مليون حالة إصابة بالمرض سنويا. وفي الولايات المتحدة وحدها، هناك ما يقرب من 450 ألف حالة كل عام.
لماذا ظهرت مجددا في تونس؟
في تونس، كانت هذه البكتيريا منتشرة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، قبل أن تغيب لسنوات، حيث أدى تحسن ظروف الحياة، خاصة جودة المياه، إلى انحسارها بشكل كبير، خاصة أنها تنتقل عبر المياه الملوثة أو الخضر والغلال المروية بمياه الصرف الصحي الملوثة بالبكتيريا.
لكن هذه البكتيريا عادة للظهور في البلاد بقوة قبل نحو شهر، ورجحت سائل إعلامية تونسية أن هذه الجرثومة التي نقلت العدوى الجديدة قد تكون مستوردة من الخارج، حيث لاحظ الأطباء أن هذه العدوى أصبحت شديدة المقاومة للأدوية والمضادات، مقارنة بما كانت عليه قبل سنوات، إذ كانت من قبل أيسر في المعالجة عبر المضادات الحيوية.
منظمة الصحة العالمية حذرت في مارس الماضي، من ارتفاع حالات بكتيريا “شيغيلا” المقاومة للأدوية على نطاق واسع، حيث أُبلغ عن تلك الحالات في المملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية، وعدة بلدان أخرى في أوروبا منذ أواخر 2021، وتحديدا في النمسا، بلجيكا، الدانمرك، فرنسا، ألمانيا، أيرلندا، إيطاليا، النرويج، إسبانيا.
أسباب وأعراض
تعتبر “جرثومة شيغيلا” مُعدية للغاية، وتحدث العدوى عندما يبتلع الشخص البكتيريا المسببة للمرض بالخطأ، عند ملامسة كميات صغيرة من البكتيريا من براز شخص مصاب بالشيغيلا وابتلاعها، وفق عيادات “مايو كلينيك”.
ويحدث ذلك على سبيل المثال، في بيئات رعاية الأطفال، حيث قد لا يتم غسل الأيدي جيدًا بما يكفي بعد تغيير الحفاضات للأطفال، أو بعد مساعدة الرُّضَّع أثناء التدريب على استخدام المراحيض، ويمكن أن تنتقل أيضًا من خلال الأطعمة الملوثة التي أعدت مكوناتها النباتية في حقول يُروى بمياه الصرف الصحي، أو بسبب شرب مياه اختلطت بمياه الصرف الصحي، أو السباحة في مياه ملوَّثة عن طريق شخص مصاب بالعدوى.
وتعتبر الأطعمة النيئة من أكثر الأغذية المُسببة للعدوى، وتشمل السلطات والفواكه والخضروات التي نمت في تربة ملوثة ببراز الإنسان، كما يمكن اكتساب العدوى أيضًا من أي طعام أعده شخص يده ملوثة بالبكتيريا المسببة للمرض.
ورغم أن هذه البكتيريا تصيب الإنسان في أي عمر، إلا أن احتمالية إصابة الأطفال دون سن الخامسة بالعدوى تتزايد أكثر من غيرهم.
وتبدأ أعراض الإصابة بالعدوى في الظهور عادةً بعد يوم أو يومين من التعرض للبكتيريا، لكن الأمر قد يستغرق ما يصل إلى أسبوع للإصابة بالمرض، وتشمل العلامات، الإسهال الذي يحتوى عادةً على دم أو مخاط، وآلام المعدة أو تقلصات المعدة المؤلمة، بالإضافة إلى الحُمَّى والغثيان أو القيء.
وتستمر الأعراض بوجه عام أسبوع تقريبًا، وفي بعض الحالات، قد تستمر لفترات أطول، وهناك أشخاص لا تظهر عليهم أي أعراض بعد الإصابة بالعدوى، بالرغم من أن برازهم قد يظل مُعدِيًا لبضعة أسابيع.
مضاعفات قاتلة
تسبب هذه العدوى مضاعفات صعبة وقد تكون قاتلة في بعض الأحيان، خصوصًا لدى المسنين الذين يعانون من أمراض مزمنة، والأطفال دون 5 سنوات.
وتتمثل أبرزها المضاعفات في الجفاف الشديد، نتيجة الإسهال، الذي يمكن أن يؤدي إلى الصدمة والموت لدى الأطفال.
وهناك مضاعفات أخرى تحدث في بعض الأحيان، منها التهابات مجرى الدم، والتهاب المفاصل وتهيج العيون وألم عند التبول، والنوبات وتشمل أعراضها ارتفاع في درجة الحرارة أو انخفاض في نسبة السكر في الدم.
يأتي ذلك بالإضافة إلى متلازمة انحلال الدم اليوريمي، وهي حالة تؤثر على الأوعية الدموية الصغيرة ويمكن أن تسبب فقر الدم، وقد تؤدي أيضًا إلى الفشل الكلوي.
الاكتشاف والعلاج
بالإضافة إلى أعراض المرض التي تظهر على المصابين، يمكن تأكيد الإصابة ببكتيريا “شيغيلا” عبر الفحوص المختبرية، مثل تحليل مزرعة البراز، وإجراء اختبارات الحساسية للمضادات الحيوية، التي يمكن أن تكشف تطور مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، وخاصة أثناء انتشار الوباء، لأن هناك بعض الأنواع من “شيغيلا” مقاومة للأدوية، لذلك قد لا يوصي الطبيب بتناول المضادات الحيوية إلا إذا أصبحت العدوى حادة.
وفيما يتعلق بتلقي العلاج، فيمكن للأهالي الاتصال بالطبيب أو طلب الرعاية الفورية إذا كان الطفل أو أحد أفراد الأسرة مصابًا بإسهال دموي أو إسهال حاد ينتج عنه فقدان الوزن والجفاف، والحمى وارتفاع درجة الحرارة.
ويتم علاج العدوى الشديدة والحادة عادة بتناول المضادات الحيوية تحت إشراف الطبيب، لأنها تُقصّر من مدة الإصابة بالحمى والإسهال، أما إذا كانت الأعراض خفيفة، فيمكن علاجها بالراحة وشرب السوائل لمنع الجفاف.
ومن المهم أيضًا أن يحافظ المصاب على رطوبة جسمه، عبر شرب الماء والمشروبات التي تضيف الأملاح إلى الجسم، تجنبًا للجفاف.
وعادة، يشعر معظم المصابين بكتيريا “شيغيلا” بتحسن في غضون 4 إلى 7 أيام، لكن يجب الانتباه إلى أنهم قد يظلّون معديين لأسابيع بعد تعافيهم، وقد يمرض الأشخاص المصابون بعدوى شديدة لمدة 3 إلى 6 أسابيع.
كيف نقي أنفسنا من جرثومة شيغيلا؟
بما أن جرثومة الشيغيلا يمكن أن تنتشر بسهولة من شخص إلى آخر، فمن الضروري أن نعرف كيف نحمي أنفسنا من العدوى، باتباع تدابير أبرزها غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون قبل القيام بأي نشاط، وخاصة قبل تحضير الطعام أو الأكل، وبعد الذهاب إلى الحمام أو تغيير حفاضات الأطفال أو التنظيف بعد ذهاب شخص إلى الحمام.
بالإضافة إلى ضرورة عدم ترك المأكولات دون غطاء تجنبا للتلوث، وتطهير دورات المياه باستمرار.
وبما أن الجراثيم تنتقل عبر البراز الملوث، فيجب توخي الحذر عند تغيير الحفاضات بإلقائها في سلة قمامة مبطنة ومغطاة، وتطهير مكان تبديل الحفاضات بشكل جيد، والتخلص من الفضلات المنزلية بطريقة صحية وبشكل يومي، وغسل اليدين جيدًا بعد القيام بهذه العملية.
وبما أن مياه الشرب الملوثة، أحد أبرز مصادر العدوى، فيجب أن تكون خاضعة للرقابة، وفي حالة الشك، يجب غليها قبل الاستهلاك لقتل البكتيريا.
ويجب تجنب شرب الماء من البرك أو البحيرات أو حمامات السباحة، لأنها يمكن أن تكون ملوثة ببقايا البراز الحامل للبكتيريا، كما يفضل عدم ممارسة السباحة إلى حين الشفاء التام.
وعند السفر دوليًا، يمكن اتباع عادات الغذاء والماء الآمنة، وعدم شرب الماء وتناول الأغذية مجهولة المصدر.
وإذا كنت تعاني أنت أو شريكك من الإسهال، فلا تمارس الجنس ولا تحضر الطعام أو تشاركه مع الآخرين، لأنك يمكن أن تنقل العدوى بسهولة، ويفضل أن تنتظر لمدة أسبوع بعد تعافي شريكك من الإسهال قبل الانخراط في الأنشطة الجنسية. كما يجب الحرص على تقليم الأظافر ونظافتها
وإذا كنت تسأل عن لقاح يمكن أن يقي من المرض، فإن الباحثين يعملون بالفعل، لكنهم لم يطوروا لقاحًا واحدًا حتى الآن.
وأخيرًا، يبقى تجنب مسببات العدوى، والحفاظ على النظافة الشخصية والحرص على غسل اليدين جيدًا وباستمرار، والابتعاد عن الأطعمة والمشروبات المُلوثة الحصن المنيع من العدوى بالأمراض البكتيرية والفيروسية.