الإنصاف شعار اليوم العالمي للإيدز
- تتوافر أدوية تكبح الفيروس وتمنع نقل العدوى لكنها غير متاحة للجميع.
- التوعية وتلقي العلاج يسهمان في وقف انتشار الإيدز.
منذ اكتشاف أول دليل سريري على مرض الإيدز في 1981، لا يزال فيروس نقص المناعة البشرية ينتشر، ولم تفلح الجهود العالمية في القضاء عليه حتى الآن؛ فما السر؟.
الإيدز يُشكّل أحد أبرز تحديات الصحة العامة؛ إذ أدى لوفاة نحو 40,1 مليون شخص، وأصاب ما يقرب من 75 مليونًا، منذ اكتشافه قبل 4 عقود.
في 2019، وصل عدد المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية والمتعايشين مع المرض إلى 38 مليونًا، في حين توفي 680 ألفا بأسباب متعلقة بالفيروس، فيما أصيب بالفيروس 1.5 مليون شخص حول العالم في 2020، وفق أرقام منظمة الصحة العالمية.
أحدث التقديرات تشير إلى أن عدد المصابين بالإيدز بلغ 38,4 مليون شخص في نهاية 2021، ويعيش أكثر من ثلثي هؤلاء المصابين (25,6 مليون شخص) في إقليم المنظمة الأفريقي.
شعار اليوم العالمي للإيدز
يأتي اليوم العالمي للإيدز، هذا العام، والذي يوافق 1 ديسمبر 2022، ليسلط الضوء على أبرز التحديات التي تواجه العالم للقضاء على المرض، وتقليل عدد الوفيات والمصابين به.
تحت شعار “الإنصاف“، دعت منظمة الصحة العالمية قادة ومواطني العالم إلى الاعتراف الجريء بأوجه عدم الإنصاف التي تعيق التقدم في القضاء على الإيدز ومعالجتها، وتحقيق المساواة في إتاحة الخدمات الأساسية المتعلقة بالفيروس، لا سيما للأطفال والفئات الرئيسية الأشد عرضة للإصابة بالمرض، ومنهم من يتعاطون المخدرات حقناً، والسجناء، ومن يعاشرونهم.
المنظمة حذرت من خطر يهدد جهود الاستجابة العالمية لفيروس الإيدز، على مدى السنوات القليلة الماضية، بعد تعثُّر التقدم نحو أهداف القضاء على المرض، واضمحلال الموارد، وتعريض أرواح ملايين الأشخاص للخطر نتيجة لذلك.
يأتي ذلك في ظل استمرار أوجه عدم المساواة والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية الناجمة عن جائحة “كوفيد-19″ وغيرها من الأزمات العالمية، ما يُحتّم تجديد الجهود الرامية إلى تسليط الضوء على الإيدز باعتباره تهديدًا للصحة العامة.
أزمة صحية عالمية.. ما السر؟
ووفق المنظمة، فإن أوجه القصور التي تسمح لفيروس الإيدز بأن يظل أزمة صحية عالمية، تشمل مظاهر الانقسام والتفاوت وتجاهل حقوق الإنسان.
ولا تزال أوجه التفاوت وعدم المساواة سائدة على صعيد الحصول على أبسط الخدمات مثل الاختبار والعلاج؛ لذلك حثّت المنظمة البلدان والأنظمة الصحية على ضرورة كفالة المساواة في حصول كل فرد، في كل مكان، على الوقاية من الإيدز وعلاجه والرعاية عند الإصابة به.
كما شددت على ضرورة تكييف الخدمات الصحية حتى تصل إلى السكان الأكثر عرضة للخطر والأكثر تضررًا وتلبي احتياجاتهم، ويشمل ذلك تنفيذ سياسة “عدم التسامح مطلقًا” مع الوصم والتمييز في جميع الخدمات الصحية.
وإذا تمكنا من إحراز تقدم في إنهاء الإصابات الجديدة في أوساط الأطفال وتسنى لنا ضمان حصول الجميع على مضادات الفيروسات القهقرية ذات الجودة العالية، فسيكون لدينا أمل أكبر ويمكننا ضمان التزام سياسي أكبر للقضاء على الإيدز عند جميع الفئات السكانية بحلول عام 2030، وفق المنظمة.
عالميًا، تُسجّل نسبة 70% من الإصابات الجديدة بفيروس الإيدز في أوساط أشخاص يواجهون التهميش بل حتى التجريم في كثير من الأحيان، ولن يتسنى القضاء على الإيدز دون توسيع نطاق الخدمات الخاصة بالفيروس وإزالة مظاهر الوصم والتمييز ضد الفئات الأشد عرضة للمرض بجميع البلدان.
هل بالإمكان القضاء على المرض؟
“يمكننا القضاء على الإيدز، إذا وضعنا نهاية لأوجه عدم المساواة التي تديمه. في اليوم العالمي للإيدز، نحتاج إلى مشاركة الجميع في نشر الرسالة التي مفادها أننا سنستفيد جميعًا عندما نتصدى لعدم المساواة“، وفق قول ويني بيانيما، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز.
وأضافت: “للحفاظ على سلامة الجميع، وحماية صحة الجميع، نحتاج إلى تحقيق المساواة“.
إن التفاوتات التي تؤدي إلى استمرار جائحة الإيدز ليست حتمية؛ إذ يمكننا معالجتها؛ إذ يحث برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز كل واحد منا على معالجة أوجه عدم المساواة التي تعوق التقدم في القضاء على الإيدز، وذلك من خلال زيادة توافر وجودة وملاءمة الخدمات من أجل علاج الفيروس والاختبار والوقاية منه، بحيث يحصل الجميع على خدمة جيدة.
1 December is #WorldAIDSDay.
We remember our friends and loved ones who have died from AIDS-related illnesses and stand in solidarity with all people who are living with or affected by HIV. pic.twitter.com/Fi9tT5WOBu
— UNAIDS (@UNAIDS) December 1, 2022
ووفق برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز، لا تزال الشابات في أفريقيا متأثرات بشكل كبير بالفيروس، بينما تظل تغطية البرامج المخصصة لهن منخفضة للغاية. وفي 19 دولة تعاني من عبء ثقيل في أفريقيا، تعمل برامج الوقاية المخصصة للمراهقات والشابات في 40% فقط من المواقع التي ترتفع فيها معدلات الإصابة بالإيدز.
كما أن ثلث الأشخاص في الفئات السكانية الرئيسية فقط، لديهم وصول منتظم للوقاية، كما تواجه الفئات السكانية الرئيسية حواجز قانونية رئيسية بما في ذلك التجريم والتمييز والوصم.
Today is #WorldAIDSDay, a moment to honour over 40 million lives lost to AIDS, take stock of our response, & commit to ending AIDS.
We are not on track to end AIDS by 2030, and the reason is inequality.
But if we #EQUALIZE, we can end AIDS.pic.twitter.com/erQrkv9Yoe
— Winnie Byanyima (@Winnie_Byanyima) December 1, 2022
ونصح برنامج الأمم المتحدة أيضا بإصلاح القوانين والسياسات والممارسات للتصدي لوصمة العار والإقصاء التي يواجهها الأشخاص المصابون بالإيدز، بحيث يُظهر الجميع الاحترام والترحيب.
كما نصح بضمان تقاسم التكنولوجيا لتمكين الوصول المتكافئ إلى أفضل المعارف حول الفيروس، بين المجتمعات وبين الجنوب والشمال العالمي.
هدف عام 2030
يعد إنهاء الإيدز بحلول عام 2030 جزء لا يتجزأ من أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدتها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالإجماع في 2015، ولم يبق أمامنا سوى 8 سنوات قبل بلوغ هذا الهدف.
وعن مدى تحقيق ذلك، تقول ويني بيانيما، “إن القضاء على الإيدز بوصفه تهديدًا للصحة العامة بحلول 2030 لا يزال في متناول اليد، إذ تظهر العديد من البلدان أن التقدم السريع ضد الفيروس ممكن عندما يتم اعتماد استراتيجيات قائمة على الأدلة ونهج قائم على حقوق الإنسان، لكن الأمر يتطلب قيادة سياسية جريئة لتحدي ومعالجة الظلم الاجتماعي واللامساواة التي لا تزال تجعل مجموعات معينة من الناس ومجتمعات بأكملها معرضة بشدة للإصابة بالفيروس.
وتشمل توصيات الأمم المتحدة، لإعادة العالم إلى مسار القضاء على الإيدز، الاهتمام بقضايا مثل معالجة اللامساواة والوصول إلى جميع الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بالفيروس، بهدف إبقاء عدد الإصابات الجديدة أقل من 370 ألف إصابة، والوفيات المرتبطة بالإيدز أقل من 250 ألفًا بحلول 2025.
كما تدعو التوصيات إلى سد الثغرات في اختبار الفيروس وعلاجه، ووضع “المساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان للنساء والفتيات” في صميم الجهود المبذولة للتخفيف من المخاطر.
وتدعو الخطوات الأخرى لإعطاء الأولوية للوقاية من الإيدز، لضمان حصول 95% من الأشخاص المعرضين للخطر على خيارات الوقاية بحلول 2025، والقضاء على الإصابات الجديدة بين الأطفال، كما تحث على مزيد من التضامن العالمي، بما في ذلك زيادة الاستثمارات السنوية في مجال مكافحة المرض في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل إلى 29 مليار دولار بحلول 2025.
بالعلاج يتوقف المرض
والإيدز هو فيروس يستهدف جهاز مناعة الفرد ويضعف دفاعه ضد العديد من حالات العدوى وبعض أنواع السرطان التي يمكن للأفراد المتمتعين بجهاز مناعة سليم أن يتصدوا لها، وبعد أن يدمّر الفيروس وظيفة الخلايا المناعية ويعطلها، تتناقص المناعة تدريجيا عند المصابين.
ورغم أنه لا يوجد علاج جذري للمرض حتى الآن، لكن لحسن الحظ، تتوافر 3 أدوية مضادة للفيروسات القهقرية، يمكنها كبح الفيروس، بحيث لا تنتقل العدوى من المصابين لشركائهم الجنسيين، وتمكين المصابين من العيش متمتعين بموفور الصحة؛ إذ تسمح الأدوية بتعافي الجهاز المناعي وتقويته واستعادة القدرة على التصدي لحالات العدوى الانتهازية وبعض أنواع السرطان.
لذلك؛ فإن الحصول المبكر على هذا العلاج، لا يحسن صحة المصابين بالفيروس فحسب؛ بل يمنع نقل الفيروس إلى الآخرين أيضًا.
وتوصي منظمة الصحة العالمية، بإعطاء تلك الأدوية طوال العمر لجميع المصابين، بمن فيهم الأطفال والمراهقين والبالغين والحوامل والمرضعات.
ورغم أهمية العلاج، فإن نصف الأطفال المصابين الفيروس فقط (52٪) يتلقونه، وهذا أقل بكثير مقارنة بالبالغين الذين يتلقى 76٪ منهم العقاقير المضادة للفيروسات، وفق برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز.
الأعراض وعوامل الخطر وطرق الوقاية
لمن لا يعرف، فإن أعراض الفيروس تختلف باختلاف مرحلة العدوى، ونظرًا إلى أن الإيدز يضعف جهاز المناعة تدريجيًا، فقد تظهر على المصابين علامات أولية تشبه أعراض الأنفلونزا، ومنها الحمى أو الصداع أو الطفح الجلدي أو التهاب الحلق، ثم أعراض لاحقة مثل تورم الغدد اللمفاوية وفقدان الوزن والحمى والإسهال والسعال.
ومن دون علاج، قد تظهر عليهم أيضًا أمراض وخيمة مثل السل، والتهاب السحايا بالمستخفيات، والالتهابات البكتيرية الوخيمة، وبعض أنواع السرطان مثل الأورام اللمفاوية.
وعن طرق العدوى، فإنه الفيروس ينتقل من شخص لآخر عبر سوائل الجسم، مثل الدم وحليب الأم والمني والإفرازات المهبلية، كما يمكن أن ينتقل من الأم إلى طفلها أثناء الحمل والولادة، لكن في المقابل لا تنتقل العدوى بالمخالطة اليومية الاعتيادية، مثل التقبيل أو العناق أو المصافحة أو تقاسم الأدوات الشخصية أو الطعام أو الماء.
ويمكن الوقاية من الفيروس، من خلال استعمال العوازل الذكرية والأنثوية، والختان الطبي للذكور، واستخدام الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية لأغراض الوقاية، بالإضافة إلى الحدّ من مخاطر تعاطي المخدّرات عن طريق الحقن، والقضاء على انتقال الفيروس من الأم إلى الطفل.
ويمكن للأفراد أن يخفضوا احتمال الإصابة بعدوى الإيدز عن طريق الحد من التعرض لعوامل الخطر، وأبرزها ممارسة الجنس الشرجي أو المهبلي دون حماية، وتقاسم الإبر وسائر أدوات الحقن، والخضوع لعمليات حقن أو نقل دم أو زرع أنسجة غير مأمونة.
1 December is #WorldAIDSDay.
Let's unite to end the inequalities holding back the end of AIDS.
To keep everyone safe, to protect everyone’s health, we need to #Equalize! pic.twitter.com/qSeTBDrq8p
— UNAIDS (@UNAIDS) December 1, 2022
الإيدز ونظرية المؤامرة
مع اندلاع الجوائح، تكثر الشائعات ونظريات المؤامرة، التي عادة ما تسند انتشار الأمراض إلى أنظمة سياسية بعينها.
حدث ذلك جليًا، مع اندلاع جائحة كورونا، التي صاحبها سيل من الأخبار الكاذبة التي تروج لإمكانية تطوير الفيروس بشكل اصطناعي داخل المختبرات العلمية، ونشره حول العالم، في محاولة لإثارة الرعب.
ولم يشهد مرض آخر هذا النوع من التضليل الإعلامي مثل الإيدز، حيث انطلقت عالميًا في 1983 شائعة تفيد بأن الولايات المتحدة طورت الإيدز كسلاح بيولوجي وجربته على سجناء وأبناء الأقليات وألقت بالمسؤولية في ذلك على أفريقيا كأصل للمرض.
وبالرغم من أن علماء البيولوجيا والأطباء في كل مكان في العالم نفوا صحة هذه النظريات الكاذبة، إلا أن نظرية المؤامرة هذه تبقى رائجة إلى يومنا هذا.
خطورة هذه الشائعات، تكمن في أن كثير من الناس يتلقفونها، ويصدقونها، كما أنها تأتي بنتائج عكسية فيما يتعلق بجهود مكافحة المرض وتلقي العلاج واللقاحات.
حدث ذلك حتى في أوروبا، حيث شهدت دولاً أوروبية عدّة موجة احتجاجات تتّخذ طابعًا عنفيًا رفضًا للقيود المشدّدة التي تفرضها الحكومات مجدّدًا في ظل ارتفاع أعداد إصابات كورونا، بالإضافة إلى فرض إلزامية اللقاحات المضادة لـ“كوفيد-19″ في عدد من الدول، منها النمسا وبلجيكا، حيث أن بعض المحتجين لا يرفضون الإغلاق العام فحسب، بل أيضًا الحصول على اللقاحات التي يعتبرونها جزءًا من مؤامرة بدأت من خلال تطوير الفيروس.
وأخيرًا، لا سبيل للقضاء على الإيدز وغيره من الأمراض والفيروسات القاتلة، إلا بالتوعية وضرورة اتباع سبل الوقاية وتلقي العلاج وتوفيره على نطاق واسع، لأن الإنسان دائمًا عدو ما يجهل.