منظمة الصحة العالمية تواجه “الوباء المعلوماتي”
بعد أن تعاملت منظمة الصحة العالمية مع تحديات كبيرة في السنوات القليلة الماضية، كانت أبرزها فيروس كورونا، باتت المنظمة اليوم أمام تحدي من نوعٍ آخر.
التحدي الأهم في الفترة الحالية لمنظمة الصحة العالمية مرتبط بالمعلومات الخاطئة.
فخلال الفترة الماضية سعت منظمة الصحة العالمية لإرسال رسائل تتضمن معلومات تدحض من المعلومات الخاطئة والمضللة التي كانت تبث بشكل متعمد.
ولكنها الآن أمام مصدر جديد للأخبار في اعتماد البعض على التقارير أو المعلومات التي قد تظهرها برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي خاصة في ظل تزايد ثقة فئة المراهقين والشباب فيها، ما يضيف أعباء جديدة على كاهل المنظمة.
غوردون كروفيتز، من “نيوز غارد” المتخصصة في تتبع الأخبار الزائفة وصف أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي بأنها “أقوى أداة لنشر المعلومات الخاطئة التي يتم نشرها على الإنترنت”.
وأضاف في حديث لصحيفة نيويورك تايمز “يمكنك الآن صياغة سرد كاذب جديد على نطاق دراماتيكي.. الذكاء الاصطناعي يمتلك عوامل مساهمة في التضليل”.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد استحدثت فريقا يعمل عن قرب مع شركات محركات “البحث وشبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وغوغل وبنتريست وتينسنت وتويتر وتيك توك ويوتيوب وغيرها لمواجهة انتشار الشائعات التي تتضمن معلومات خاطئة عن فيروس كورونا.
وأعرب رئيس منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في يونيو الماضي، عن أسفه لأن “أقلية صغيرة” تصدر “معلومات مضللة وتتلاعب عمدا بالوقائع” مؤكدا أن أهداف منظمة الصحة العالمية “علنية ومنفتحة وشفافة”.
وأوجدت منظمة الصحة العالمية مصطلحا جديدا يعبر عن هذا الأمر وهو “الوباء المعلوماتي”.
وفي ظل التحديات الجديدة التي تواجه منظمة الصحة العالمية يرى مدير الصحة العالمية في مركز التنمية العالمية بواشنطن، خافيير غوزمان، أنه حتى تستمر “الحكومات والدول في أخذ نصائح المنظمة والالتزام بها” عليها التركيز على اعتبارها كمصدر “موثوق للمعلومات” الطبية.
وأوضح في حديث لشبكة الإذاعة الوطنية العامة “أن بي أر” أن تجربة تعامل منظمة الصحة العالمية مع المعلومات المضللة خلال جائحة كورونا يكشف أنها تحتاج لتعزيز تمويلها، ومنحها سلطات من قبل الدول المختلفة لتمكينها من إجراء التحقيقات حول الأوبئة والأمراض بشكل سريع، حتى “نكون قادرين على احتوائها قبل الانتشار”.
ويرى غوزمان أن منظمة الصحة العالمية عليها أن تصل لدرجة أن تصبح “صوتا واحدا واضحا” يعتمد عليها الجميع فيما يتعلق بالمعلومات عن الصحة.
مخاطر “تشات جي بي تي”
أستاذ الهندسة الطبية الحيوية في جامعة بوسطن، محمد زمان، حذر من أخلاقيات التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي الجديدة مثل “تشات جي بي تي“، إذ قد يستغلها البعض في سحب البيانات من سجلات المرضى الخاصة، والتعامل مع الأشخاص على أنه “طبيب” يجيبك عن أعراض مرض معين.
وتساءل إذا “قدمت تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي تشخيصا خاطئا. من المسؤول؟”، بحسب “أن بي أر”.
ودعا زمان إلى ضرورة إشراك متخصصين في التكنولوجيا وعلماء الأخلاق والاجتماع للتعرف على كيفية التعامل مع هذه التطورات الجديدة.
الأخبار الزائفة
ويتوقع خبراء أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن تجعل إنتاج “المعلومات المضللة أرخص وأسهل” خاصة للمتخصصين في نشر “نظريات المؤامرة”، بحسب نيويورك تايمز.
الأخبار غير الحقيقية نوعان: الأول “معلومات مضللة ( Disinformation)، وهي إنشاء أو مشاركة معلومات خاطئة بشكل متعمد من أجل التضليل، والثاني “معلومات خاطئة ( Misinformation) والتي تنطوي على مشاركة معلومات أو تقارير من دون معرفة أنها خاطئة.
وأكد الخبراء للصحيفة أن روبوتات الدردشة قد “تشارك نظريات المؤامرة بطريقة أكثر مصداقية وإقناعا، بتقليل الأخطاء البنيوية أو الترجمات الخاطئة”، مشيرين إلى أنه لا يوجد “تكتيكات متاحة لرصدها بشكل فعال”.
وأيد هذه المخاوف ما أعرب عنه باحثون من شركة “أوبن أيه أي” التي طورت “تشات جي بي تي”، إذ عبروا في ورقة بحثية صدرت، في عام 2019، عن قلقهم “من قدرات هذه التطبيقات على خفض تكاليف حملات التضليل.. والتي قد تستخدم لتحقيق مكاسب مالية أو للوصول إلى أجندة سياسية معينة، أو الرغبة في خلق الفوضى والارتباك
ولرصد الأخبار أو التقارير والمعلومات الزائفة التي قد تكون مولدة عن طريق الذكاء الاصطناعي التوليدي، أطلقت “أوبن أيه أي” في فبراير الماضي آداة مساعدة يمكنها تمييز النص الذي يكتبه الإنسان عن النص الذي ولدته روبوتات الدردشة، مشيرين إلى أنها ليست دقيقة طوال الوقت، ولكن يجري التطوير عليها.
وخلص خبراء إلى أنه لا توجد آلية واضحة من شأنها إلغاء “التهديدات التي أوجدتها” روبوتات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
فيما أجرت “نيوز غارد” المتخصصة برصد المعلومات المضللة تجربة طلبت فيها من “تشات جي بي تي” كتابة محتوى يروج لآثار صحية ضارة حول اللقاحات، لتنتج نصوصا بدت وكأنها حقيقية، لكنها لم تكن صحيحة.
وأظهرت تجربتها أنه يمكن رصد هذه المعلومات التي تكون مزودة بجمل لطالما تظهر ضمن التقارير الزائفة، مثل “قم بأبحاثك الخاصة”، أو الاستشهاد بدراسة علمية “غير صحيحة”.
وخلصت دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن الأخبار الزائفة تنتشر بمعدل ست مرات أسرع من القصص الحقيقية، إذ ترتفع احتمالية إعادة تداول الأخبار غير الحقيقية بنسبة تزيد عن 70 في المئة.
ولهذا تقول منصة “تيدو” في مدونة لها إنه عند قراءة أي شيء عبر الإنترنت علينا وضع أدمغتنا على وضعية “كشف الأخبار الزائفة”، إذ أن عليك أن تشكك في كل شيء تقرأه.
ودعت إلى العودة لمصادر المعلومات الأساسية التي تنقل عنها بعض التقارير الإخبارية، إذ أنها قد تروج لمعلومات غير حقيقية مستندة إلى مصادر أو جهات متخصصة لم تنشر تلك المعلومات إطلاقا.
“سلاح ذو حدين”
تقول الأمم المتحدة إن جائحة كورونا “كشفت أهمية احترام الحق في الوصول إلى المعلومات، وأن تكون المعلومات الدقيقة الموثوقة متاحة للجميع لاتخاذ القرارات من قبل كل من الحكومات والمواطنين”.
وأضافت أن “المعلومات المضللة تنتشر بسرعة” وأهم وسيلة للقضاء عليها من خلال نشر الحقائق وتعزيز الوصول إلى المعلومات بالسرعة ذاتها، مشيرة إلى أن جائحة كورونا نالت نصيبا كبيرا من المعلومات المضللة، خاصة بعد الإعلان عن تطوير لقاحات كوفيد-19.
وفي الوقت الذي ينشط فيه البعض في صناعة الأخبار المضللة باستخدام ربوتات الذكاء الاصطناعي التوليدي، إلا أن باحثين يريدون تطويع الذكاء الاصطناعي لكشف الأخبار الزائفة.
وجمع باحثون في قاعدة بيانات أطلقوا عليها اسم “هيلث لايز” أكثر من 11 ألف معلومة تتضمن حقائق ومعلومات مضللة ترتبط بفيروس كورونا، والسرطان وشلل الأطفال وفيروس زيكا، وفيروس نقص المناعة البشرية والسارس والإيبولا، حيث يتم تدريب “نماذج خاصة بالتعلم الآلي” أطلق عليها اسم “بيرت-هيلث لايز” من أجل تعزيز قدرتها على كشف الأخبار والمعلومات الصحية الزائفة.
خمس خطوات
وحددت منصة “تيدو” خمس خطوات قد تساعد المستخدمين في تحديد المعلومات المضللة من خلالها:
أولا: تحليل بنية صياغة المعلومات، إذ أن المعلومات المضللة غالبا ما تستخدم عبارات “نموذجية لتعزيز قوة الرسالة التي تنشرها”، مثل عبارة “لا يريدونك أن تعرف الحقيقة”.
ثانيا: البحث عن المعلومات في مصدرها الأساسي، إذ تتيح لك هذه الخطوة اكتشاف أن الخبر مضلل أو غير صحيح، وتكون وسائل الإعلام قد أوردت معلومات عنه.
ثالثا: زيارة ملف التعريف للشخص الذي يشارك المعلومات ويتحدث عنها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إذ عادة ما يتم نشر الأخبار الزائفة عبر حسابات وهمية أو تم إنشائها حديثا.
رابعا: استخدام أدوات إضافية للتحقق، إذ أوجدت عدة مؤسسات أدوات للتأكد من الأخبار ومدى صحتها، والتي تعتمد أيضا على تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
خامسا: في حال تأكدت من أن المنشور الذي تراه أمامك يحمل معلومات أو أخبارا زائفة، عليك الإبلاغ عن الحساب لشبكة التواصل الاجتماعي.
الأخبار الطبية الزائفة تحت المجهر
وللتعرف على الأخبار الطبية الزائفة يمكنك اتباع بعض الاستراتيجيات لاكتشافها بحسب تقرير نشره موقع “هيلث لاين”.