يُعتبر معدل الخصوبة هو متوسط عدد الأطفال الذين يولدون لأنثى خلال حياتها
أظهرت دراسة جديدة أنّ معدلات الخصوبة العالمية، التي كانت تنخفض بجميع البلدان منذ عام 1950، ستستمر في الانخفاض حتى نهاية القرن، ما سيؤدي إلى تحوُّل ديموغرافي عميق.
ويُعتبر معدل الخصوبة هو متوسط عدد الأطفال الذين يولدون لأنثى خلال حياتها.
وعلى الصعيد العالمي، انخفض هذا الرقم من 4.84 في عام 1950 إلى 2.23 في عام 2021، وسيستمر في الانخفاض إلى 1.59 بحلول عام 2100، بحسب تحليل جديد استند إلى دراسة العبء العالمي للأمراض، والإصابات، وعوامل الخطر منذ عام 2021.
وتلك الدراسة عبارة عن جهد بحثي بقيادة معهد القياسات الصحية والتقييم (IHME) في جامعة واشنطن. ونُشِرت الدراسة الجديدة الأربعاء في مجلة “Lancet”.
وقالت العالمة الديموغرافية، الدكتورة جنيفر د. شيوبا إنّ “ما نشهده الآن، ونعيشه منذ عقود، هو شيء لم نشهده من قبل في تاريخ البشرية، وهو تحول واسع النطاق، وعابر للحدود الوطنية، والثقافات نحو تفضيل الأسر الصغيرة، والتمتع بها”.
ولم تشارك شيوبا، وهي مؤلفة كتاب “”8 Billion and Counting: How Sex, Death, and Migration Shape Our World”، في البحث الجديد.
وأشار كبير مؤلفي الدراسة، ومدير معهد القياسات الصحية والتقييم، الدكتور كريستوفر موراي، إلى وجود العديد من الأسباب لهذا التحول، بما في ذلك زيادة الفرص المتاحة للنساء في التعليم، والتوظيف، وتحسّن فرص الوصول إلى خدمات منع الحمل، والصحة الإنجابية.
وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى CNN، أفاد العالِم في قسم الصحة والأبحاث الجنسية والإنجابية التابع لمنظمة الصحة العالمية، والذي كتب تعليقًا مصاحبًا نُشر مع الدراسة، الدكتور جيتاو مبورو، أنّ العوامل الاقتصادية، مثل التكلفة المباشرة لتربية الأطفال، والمخاطر المتوقعة لوفاة الأطفال، وتغير القيم المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، وتحقيق الذات جميعها عوامل قد تساهم في انخفاض معدلات الخصوبة.
وأضاف أنّ المساهمة النسبية لهذه العوامل تختلف بمرور الوقت، وبحسب البلد.
وللحفاظ على أعداد سكانية مستقرة، تحتاج البلدان إلى معدل خصوبة إجمالي قدره 2.1 طفلًا لكل امرأة، وهو رقم يُشار إليه بالمستوى الإحلالي.
وعندما ينخفض معدل الخصوبة إلى ما دون مستوى الإحلال، يبدأ عدد السكان بالانكماش.
ويقدر التحليل الجديد تمتع نسبة 46% من البلدان بمعدل خصوبة أقل من مستوى الإحلال في عام 2021.
وسيرتفع هذا العدد إلى 97% بحلول عام 2100، ما يعني أنّ عدد سكان جميع بلدان العالم تقريبًا سيتراجع بحلول نهاية القرن.
عالم منقسم ديموغرافيًا
ورُغم أنّ معدلات الخصوبة تتراجع في جميع البلدان، إلا أن معدل الانخفاض متفاوت، ما يخلق تحولاً في توزيع المواليد الأحياء حول العالم، وفقًا للتحليل.
وتتوقع الدراسة أنّ حصة المواليد الأحياء في العالم بالمناطق منخفضة الدخل ستتضاعف تقريبًا من 18% في عام 2021 إلى 35% في عام 2100.
وسيؤدي هذا التحول في توزيع المواليد الأحياء إلى خلق “عالَم منقسم ديموغرافيًا”، وستواجه فيه البلدان ذات الدخل المرتفع عواقب شيخوخة السكان، وانخفاض القوى العاملة، في حين تحافظ المناطق المنخفضة الدخل على معدل مواليد مرتفع بشكلٍ يستنزف الموارد المتاحة، بحسب التحليل.
انخفاض الخصوبة في البلدان مرتفعة الدخل
ستشهد البلدان مرتفعة الدخل، والتي تشهد انخفاضًا شديدًا في معدلات الخصوبة، تحولاً نحو شيخوخة السكان، وهو أمر من شأنه إجهاد برامج التأمين الصحي الوطنية، وبرامج الضمان الاجتماعي، والبنى التحتية للرعاية الصحية.
ووجدت الدراسة أنّ تلك البلدان ستضطر أيضًا إلى التعامل مع نقص العمالة.
وأشار الباحثون إلى أنّ السياسات الأخلاقية والفعالة المشجِّعة للهجرة، والابتكارات الخاصة بالعمالة، مثل التقدم بمجال الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تساعد في تقليل بعض الآثار الاقتصادية لهذا التحول الديموغرافي.
ونظر التحليل أيضًا إلى مدى فعالية السياسات المؤيدة للإنجاب التي نفذتها بعض البلدان، مثل إعانات رعاية الأطفال، وتمديد إجازات الأبوة والأمومة، والحوافز الضريبية.
وأظهرت التوقعات أنّ مدى تأثير تلك السياسات المؤيدة للإنجاب لم يزد عن 0.2 مولود حي إضافي لكل أنثى، وهو أمر لا يُشير إلى انتعاش قوي ومستدام، وفقًا للدراسة.
وقال موراي إنّه رُغم أنّ السياسات الداعمة للوالدين قد تكون مفيدة للمجتمع لأسباب أخرى، إلا أنّها لا تغير مسار التحول الديموغرافي الحالي على ما يبدو.
وأكّد الباحثون أنّه لا ينبغي استخدام انخفاض معدلات الخصوبة والتأثيرات المتواضعة للسياسات المؤيدة للإنجاب لتبرير التدابير التي تجبر النساء على إنجاب المزيد من الأطفال، مثل الحد من الحقوق الإنجابية، وتقييد الوصول إلى وسائل منع الحمل.
زيادة الولادات في البلدان منخفضة الدخل
من جانب آخر، ستؤدي زيادة المواليد الأحياء في البلدان المنخفضة الدخل إلى تهديد أمن الغذاء، والمياه، والموارد الأخرى، كما أنّها ستجعل تحسين معدل وفيات الأطفال أكثر صعوبة.
وتوقع التحليل أيضًا أنّ زيادة المواليد ستؤدي إلى إثارة القضايا الأمنية، وعدم الاستقرار السياسي في هذه المناطق المعرضة للخطر.
كما أشارت التوقعات إلى أنّ تحسين الوصول إلى وسائل منع الحمل الحديثة وتعليم الإناث، وهما المحركان الرئيسيان للخصوبة ، سيُخفِّض معدلات الخصوبة، ويحد من زيادة المواليد الأحياء في المناطق منخفضة الدخل.
وفي منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، سيؤدي التعليم الشامل للإناث، أو الوصول الشامل إلى وسائل منع الحمل بحلول عام 2030 إلى معدل خصوبة إجمالي يبلغ حوالي 2.3 في عام 2050، مقارنةً بـ 2.7 في السيناريو المرجعي، وفقًا للدراسة.
وإلى جانب ذلك، أفادت الدراسة أنّ من شأن هذه التغييرات المساهمة في تمكين المرأة، ما يجلب فوائد مجتمعية مهمة.