داء الكَلَب يتسبب بفرض حجر صحي على حيين سكنيين في تركيا.. فهل يمكن أن تتكرر مجزرة 1910؟
هُنا في “شانلي أورفا”.. المدينة التركية التي أعلنت السلطات الصحية فرض حجر صحي على حيين سكنيين فيها، بعد رصد إصابة كلبين ضالين بـ”داء الكَلَب“، حيث جاء القرار بعد الكشف عن عض الكلبين لـ 4 مدنيين في المدينة.
هذه هي المرة الأولى التي تفرض فيها السلطات حجراً من هذا النوع منذ تفشي فيروس كورونا قبل نحو 4 سنوات.
وتشمل إجراءات الحجر الصحي تقييد حركة الدخول والخروج مِن وإلى الحيَّين، إلى جانب حملات لتوعية السكان حول كيفية التعامل مع هذا الوضع وسبل الوقاية من المرض.
لكن.. ما هو داء الكَلَب؟
داء الكَلَب هو مرض ينتج عن فيروس مميت اسمه “ليسا”، يُصيب الجهاز العصبي عند البشر والحيوانات، وينتقل غالباً عن طريق العض أو الخدش، وأحياناً عن طريق اللعاب إذا دخل بالأغشية عند الإنسان، أي عند العيون أو الأنف أو الفم أو إذا كان هناك جرح مفتوح لدى الشخص.
وتعد الكلاب الضالة السبب الأساسي لانتقال المرض في الدول النامية، بينما في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة، من المحتمل بشدة أن ينتقل داء الكَلَب عبر حيوانات أخرى، مثل: الخفافيش والقيوط والثعالب والراكون والظربان. وفي البلدان النامية، تكون الكلاب الضالة الأكثر احتمالاً لنقل داء الكَلَب إلى البشر.
وخلال حوار خاص لها مع أخبار الآن، قالت نور أبو فخر، طبيبة بيطرية في دبي، أن “داء الكَلَب هو مرض خطير جدًا، وتنتهي معظم الحالات المصابة به بالوفاة، وهناك عدد من الأعراض التي تظهر على المُصاب به، فأعراضه الأولية تكون شبيهة بالإنفلونزا وتتمثل فيما يلي”:
- الحمى “ارتفاع درجة حرارة الجسم”.
- الصداع.
- الغثيان.
- التعب والإرهاق.
وأضافت أبو فخر “مع تطوّر المرض، يبدأ بالانتقال إلى الجهاز العصبي، وتبدأ تظهر على المُصاب عوارض عصبية معينة، مثل”:
- القلق والارتباك.
- فرط النشاط.
- صعوبة في البلع.
- زيادة في إفراز اللعاب.
- الخوف والهلوسة.
- الشلل.
أما حول طرق الوقاية من المرض، فقد أوضحت الطبيبة البيطرية أن “أهم الطرق للوقاية من داء الكَلَب هي اللقاحات، حيث أن هناك لقاحًا متوفرًا يجب أن يتم إعطاؤه للكلاب، وهو لقاح إجباري للحيوانات يُفترض إعطاؤه لهم كل سنة، كما أنه من الضروري جدًا الابتعاد عن الحيوانات الضالة وبالأخص إذا لم يكن الشخص ملقحًا، لأننا لا نعلم إذا ما كان هذا الحيوان مصاباً بالمرض أم لا، وفي كثير من الحالات لا تظهر أعراض الإصابة على الحيوان بشكلٍ واضح.”
وأكدت أبو فخر أن “اللقاح يعد الوسيلة الأكثر ضماناً للوقاية من داء الكَلَب، وخصوصًا إذا كان الشخص موجودًا بمكان فيه عدد من حالات الإصابة بهذا المرض، فيتوجب عليه حينها أن يقوم بأخذ اللقاح، ويجب أيضًا على من يعمل بمجالات يكون معرضاً فيها للإصابة بالمرض، كالعيادات البيطرية، وجمعيات الإغاثة الخاصة بالحيوانات أو حتى المختبرات، أن ينتبه ويأخذ اللقاح قبل أي شيء”.
قانون القتل الرحيم للكلاب في روسيا
وفي سياقٍ متصل، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يوليو من العام الماضي بالتوقيع على قانون يمنح مناطق روسية السلطة بوضع قواعدها الخاصة للتعامل مع الحيوانات المشرّدة، بما في ذلك السماح بالقتل الرحيم لها كشكل من أشكال السيطرة على أعدادها، وذلك حسب صحيفة The Moscow Times.
وأعلن بعدها رئيس ولاية بورياتيا الروسية، أليكسي تسيدنوف، أنه سيتم وضع الكلاب الضالة بالمنطقة في ملاجئ لفترة معينة يحددها البرلمان الإقليمي، وفي حال لم يتم تبنيها أو المطالبة بها من قِبَل أصحابها خلال ذلك الوقت، فسيتم تطبيق القتل الرحيم عليها.
وحول هذا الأمر، أوضحت أبو فخر “الحالات التي نضطر كأطباء بيطريين لأن نلجأ فيها للموت الرحيم هي عند إصابة الحيوان بالأمراض السرطانية التي ليس لها علاج بعد تجربة مختلف الوسائل المتوفرة، إضافة إلى حالات الشلل والعجز التي تحصل للحيوان، عندما لا يكون قادراً على الأكل والشرب، ويفقد السيطرة على التبول، وعند إصابته بأمراض معدية ليس لها علاج وحالات الفشل الكلوي أيضًا وغيرهم من الحالات الأخرى، عندها نلجأ للموت الرحيم بعد أن نكون قد جربنا كافة الوسائل المتاحة وتأكدنا من عدم وجود علاج له، أي في الحالات القصوى فقط.”
وأكدت الطبيبة البيطرية خلال قولها على أنها لا تؤيد قانون القتل الرحيم تجاه الحيوانات الضالة، حيث قالت “احتواء مثل هذه الأزمة -انتشار الكلاب الضالة- ليس أمراً سهلاً، وبرأيي أن الحكومات هي من أوصلت الأمر إلى هذه المرحلة، لعدم قدرتها بالأساس على تنفيذ نظام مدروس لتعقيم الحيوانات أي نظام “الخصي” للحد من تكاثر وانتشار الحيوانات الضالة وإعطائهم اللقاحات الضرورية.”
مخاوف من تكرار مجزرة 1910
وبالعودة إلى الوراء، يمكن أن نستذكر مجزرة 1910 في تركيا، عندما أراد صوفي باي، عُمدة اسطنبول آنذاك تطهير المدينة من الكلاب الضالة التي كانت منتشرة بشكل كبير، فقام بجمع 80 ألف كلب وأمر بنقلهم في سفن إلى جزيرة مشؤومة ببحر مرمرة في تركيا، تسمى “جزيرة هايرسيزادا”، وهي عبارة عن صخور جرداء ليس فيها ماء ولا نبات، فنفقت الكلاب التي التهمت بعضها بعضًا، ومنذ ذلك الوقت باتت تلك المجزرة المشؤومة تطارد الأتراك إلى يومنا هذا.
4 ملايين كلب ضال في تركيا!
أثار اقتراح تطبيق “قانون القتل الرحيم في تركيا” الجدل مؤخراً، حيث نص التشريع الذي اقترحه حزب العدالة والتنمية الحاكم على وجوب القبض على أعداد كبيرة من الكلاب الضالة وخَصيِها ووضع شرائح إلكترونية تحت جلدها، ومن ثم إعدامها بواسطة القتل الرحيم في مدة لا تتجاوز 30 يوماً، وذلك في حال لم يتم تبنيها.
تعد قضية الكلاب الضالة من أهم القضايا في تركيا، حيث تُشير التقديرات إلى أن هناك 4 ملايين كلب ضال في تركيا، غير أن مسؤولين حكوميين من بينهم وزير الزراعة قد أشار قبل نحو عامين إلى أن عدد الكلاب الضالة يقدّر بنحو 10 ملايين كلب، وذلك حسب الصحيفة التركية Daily Sabah.
وحول الحلول الممكنة للحد من انتشار الكلاب الضالة، قالت الدكتورة أبو فخر “يجب على البلديات بالتعاون مع الجمعيات والمؤسسات ذات الشأن البيئي أن تضبط الحيوانات الشاردة، وخصوصًا المُصابة بالأمراض، ويكون هناك خطة عينية للسيطرة على هذه الحيوانات بطرق إنسانية رحيمة كإجراء عمليات الخصي “التعقيم” لهم وإعطائهم اللقاحات المناسبة لنحد من انتشار الأمراض وبنفس الوقت نحافظ على صحة الحيوانات والمجتمع بأكمله.”
ولمعرفة مدى جدية الأمر وتأثيره على الناس، قمنا بدورنا في أخبار الآن بنشر استفتاء على منصتي “انستقرام” و”تويتر” لسؤال الجمهور حول ما إذا كانوا يعانون من مشكلة الكلاب الضالة في منطقتهم أم لا.
وانقسمت الآراء على “انستقرام” بين مؤيد ومعارض، حيث أن 69% أكدوا على أنهم يعانون فعلاً من هذه المشكلة، ولكن بالمقابل نفى 31% معاناتهم من الكلاب الضالة في منطقتهم. أما على “تويتر” كانت الإجابات على النحو التالي: 64% أكدوا عدم معاناتهم من مشكلة انتشار الكلاب الضالة في منطقتهم، بينما 36% منهم نفوا معاناتهم من هذه المشكلة.