أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من 13 إلى 19 فبراير 2023 في عناوين الأسبوع:
- هل يتخلى طالبان عن طموح الجهادية العالمية؟
- هل يتحرر سيف العدل أبداً من القيد الإيراني؟
- أنصار القاعدة في مواجهة تقرير أممي يقول إن سيف العدل هو الزعيم الفعلي بعد الظواهري
- في أسبوع واحد التحالف يقتل ثلاثة قياديين في داعش الشام؛ منهم الإداري العام: حمزة الحمصي. فماذا نعرف عنه؟
وضيف الأسبوع، مصطفى زهران، الباحث المصري وصاحب كتاب “طالبان – الصعود الثاني”، نسأله: هل طالبان عابرة للحدود؟ وكيف يمكن أن تفيد من تجربة جمعية نهضة العلماء الإندونيسية؟
بعد الزلزال
في البداية، نعرّج على يوميات زلزال 6 فبراير بعد تعطل وصول الغوث الدولي إلى شمال سوريا، هبّ السوريون من أماكن أخرى في ذات الجغرافيا لنجدة أنفسهم. عشرات الشاحنات المحملة بالمساعدات إغاثية وصلت من المنطقة الشرقية، دير الزور، إلى المناطق المنكوبة – جنديريس وغيرها؛ فيما عمل ”أهالي درعا“ في المطبخ المجاني الذي أقاموه في سلقين وجنديريس بدعم خاص من أهالي حوران في الجنوب.
طالبان وعقدة إيران
تكشف ”العقدة“ الإيرانية عن تناقض في سلوك وأدبيات الجماعات الجهادية. إذا اعتبرنا طالبان امتداداً لهذه الجماعات، فإن حكام كابول الجدد لا يألون جهداً في توطيد هذه العلاقة. وفي هذا مفارقة قد يجد لها الجهاديون ”تخريجة“ على اعتبار ”فقه الضرورة”.
في 11 فبراير، أقامت السفارة الإيرانية في كابول حفلاً بمناسبة الذكرى الرابعة والأربعين لثورة الخوميني. شارك في الحفل مسؤولون في طالبان منهم وكيل وزارة الخارجية، شير محمد عباس أستنكزاي.
منظر الجهادية، طارق عبدالحليم، قال على تويتر: ”ما شأنكم في الاحتفال بثورة الروافض المعادين القاتلين لإخوانكم السنة في سوريا واليمن ولبنان والعراق! عجبي! ماذا تقولون لضحاياهم؟! هذا سيسبب كراهة الناس لكم.“ وكان قدّم لهذا الكلام بـ ”إخواننا في طالبان، نحبكم … لكن هناك نصائح يجب بذلها لأننا نرى ما لانحب في بعض التصرفات، وهي ليست من قبيل الاجتهاد حقاً”.
رد عليه متابع: ” اتسع الخرق على الراقع.“ وسأل آخر: ” لكن يا شيخ لو فعل الدواعش هذا الفعل ماذا نحكم عليهم؟ ولو أقاموا في الموصل والرقة مثل هذا الاحتفال وحضره العدناني أو البنعلي؛ كما أقامت طالبان في كابل وجلال آباد … أظن لقلنا ملحدين!“
على الطرف الآخر، دافع نائل بن غازي الموالي لطالبان وهيئة تحرير الشام، وقال: ”طلاب العلم يقدرون سياقات هذه التوجهات السياسية؛ ويضعونها موضعها المناسب من غير شطط، ولا يحمّلونها إطلاقات قلقة لا تستند لغير التأصيل الوجدي؛ والتقعيد النفسي.“ باختصار، يستدعي بن غازي”فقه الضرورة؛“ بنفس الطريقة التي يستند إليها منظرون هو نفسه يختلف معهم.
سيف الانشقاق
نشر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تقريره السنوي عن حالة تنظيمي داعش والقاعدة ”وما يرتبط بهما من أفراد وجماعات ومؤسسات وكيانات.“ في هذا التقرير رقم S/2023/95 المؤرخ في 13 فبراير 2023، انشغل المهتمون بما جاء عن سيف العدل، آخر أبرز قيادات القاعدة اليوم. ماذا قال التقرير؟
يقول التقرير إن ”الرأي السائد لدى الدول الأعضاء هو أن سيف العدل هو الآن الزعيم الفعلي لتنظيم القاعدة … ولكن لا يمكن إعلان زعامته بسبب ما ينتاب تنظيم القاعدة من حساسية إزاء عدم اعتراف حركة طالبان الأفغانية بوفاة أيمن محمد ربيع الظواهري في كابل ووجود سيف العدل في إيران. فمكان وجوده يثير تساؤلات تؤثر على طموحات تنظيم القاعدة في تأكيد قيادته لحركة عالمية في مواجهة التحديات التي يطرحها تنظيم داعش الإرهابي.“
هذا باختصار ما جاء في التقرير. واضح هنا أن التقرير لم يحسم مسألة تنصيب سيف العدل. التقرير قال إن ”الرأي السائد“ هو أن الرجل هو ”الزعيم الفعلي“ للتنظيم. وهذه حقيقة. حتى في حياة الظواهري، ظل سيف العدل يتحكم بأهم أفرع القاعدة حتى حين: اليمن، والصومال، والشام. علاقة سيف باليمن والرابط الإيراني باتت معروفة. وقد أورد فريق أخبار الآن هذا الأسبوع أن ابناً لسيف العدل موجود في اليمن ويحتل مركزاً مقرباً من خالد باطرفي زعيم التنظيم. أما علاقة فرع الصومال بسيف العدل فهي قديمة تعود إلى التسعينيات منذ كانت قيادة التنظيم في السودان. وأما الشام؛ فيقول التقرير إن زعيم التنظيم أبا همام الشامي، أو فاروق السوري، هو على الأغلب صهر سيف العدل. وبخلاف العلاقة الأسرية، سيف العدل يرأس مكتب حطين المعني بهذا الفرع.
أما مسألة حسم مصير الظواهري، فهي كما جاءت في التقرير، كيف سيفسر تنظيم طالبان قتل الرجل في كابول؟ وإلا فإن الإعلان عن مصيره حياً سيخدم التنظيم بأن يكذب أمريكا وينقذ طالبان.
كيف تعامل أنصار القاعدة وغيرهم من الجهاديين والمتعاطفين معهم مع هذا التقييم من جانب المنظمة الدولية؟
طارق عبدالحليم، المنظر الجهادي الذي يسكن كندا، استطرد في تغريدة وبدا مؤكداً الشكوك التي تدور حول القاعدة وطالبان وإيران. يسأل: ”هل التنظيم (القاعدة) إذاً يخاف أن يصدر بيان أن أميره حي وأن أمريكا تكذب؟ وهل يمكن أن يكون عدم إصدار بيان أن سيف العدل هو الزعيم لعدم تعريضه للخطر ووضع إيران في مأزق حتى يتحسن الوضع؟
لكن من أنصار القاعدة من لا يريد أن يصدق العلاقة الإيرانية كتب أحدهم: “سيف العدل، نعم، أُسر في إيران وظل تحت الأسر سنوات. ولكن لا يوجد أي إثبات الآن أن سيف العدل في إيران أصلاً. وهذه أمور لا يفصح عنها التنظيم لسبب أو لآخر”.
وهنا نقول: سيف العدل لم “يؤسر” في إيران. هو توجه إلى إيران بمحض إرادته بناء على دعوة من النظام الإيراني إبان غزو أمريكا أفغانستان في 2001. نعم، اعتقل وغيره من قيادات القاعدة لاحقاً والسبب هو أنهم لم يلتزموا بقواعد اللعبة وظلوا يتواصلون مع الخارج ويخططون لهجمات ما سبب حرجاً لإيران التي لم تكن لترضى بأن تجري الأمور بهذا الشكل المفضوح في وقت حرج كانت فيه ”الحرب على الإرهاب“ في أوجها. كان يجب أن تتصرف إيران حتى تبدو وكأنها ”تضبط“ هؤلاء. لكن لاحقاً، أطلقت إيران سراحهم. البعض يقول إنهم ظلوا في إقامة جبرية. لكن نعلم أن هذا الكلام ليس دقيقاً. خالد العاروري، أبي القسام الأردني، صهر أبي مصعب الزرقاوي والقيادي في حراس الدين، الذي لجأ هو الآخر إلى إيران وأطلق سراحه في صفقة تبادل عام ٢٠١٥، قال في أكتوبر 2017 في خضم صراع القاعدة مع جبهة النصرة في سوريا إن سيف العدل ”حر طليق“ وإن لا قيد عليه سوى ”السفر خارج البلد.“ إذاً، سيف العدل ”كان“ في إيران على الأقل حتى أكتوبر 2017.
أمر آخر مهم. ماذا لو أن سيف العدل غادر إيران بعد ذلك التاريخ؟ هل سيكون حراً حقاً من العبء الإيراني؟ هذه الأسئلة وغيرها موثقة في سلسلة متلازمة طهران التي أنتجتها أخبار الآن العام الماضي.
الآن، بالعودة إلى ردود الفعل، القيادي في هيئة تحرير الشام أبو ماريا القحطاني قال: “إن صح خبر تعيين سيف العدل زعيما للقاعدة فهذا يعني أن قرار القاعدة أصبح بيد الحرس الثوري … وقبل عام نصحتُ شباب اليمن ترك القاعدة وسحب جميع الذرائع والإلتحام مع الشعب اليمني في مواجهة إيران، كيف لعاقل أن يبايع أميرًا وأمره ليس بيده وهو يقيم بين ظهراني أجرم دولة احتلت عدة عواصم سنية ودمرتها ، تنظيم القاعدة انتهى”.
أتبع القحطاني ذلك سلسلة من المنشورات التي أغضبت أنصار القاعدة. كتب حساب مناصر للقاعدة: ”تكتب هذا الكلام لتبيض صفحتك أمام (الغرب).. حتى يرضوا عنك وعن تنظيمك الفاشل المهترئ … لولا القاعدة وتمسحكم بها آنذاك لافترستكم جماعة الدولة (داعش).“ ودافع آخر عن التنظيم وقال: ” تنظيم القاعدة هو أول من تصدى للمشروع الإيراني في المنطقة”.
وهنا ملاحظتان، الأولى: نعم، القيادة العامة لتنظيم القاعدة هي من مكّنت جبهة النصرة وزعيهما أبا محمد الجولاني في الشام عندما أيدته في صراعه مع أبي بكر البغدادي زعيم داعش بالرغم من أن الجولاني كان ”موفداً“ من البغدادي – وكما قال البغدادي، الجولاني كان ”جندياً“ من جنوده. زعيم القاعدة أيمن الظواهري هو من قاد الانشقاق الأول وغلّب الجندي على قائده. وهذا كان ”خطأ استراتيجي“ كما قال الكاتب المعروف لدى أنصار القاعدة باسم عدنان حديد في كتاب نشره موقع ”بيان“ القاعدي في يوليو 2020.
الملاحظة الثانية هي أن تنظيم القاعدة منذ لجأ قادته إلى إيران وهم يهادنون طهران. وهذا مثبت في مراسلات القاعدة المسترجعة من أبوت أباد؛ وحتى في حديث أبي محمد العدناني المتحدث باسم داعش عندما كان يرد على القاعدة في مايو ٢٠١٤. وهكذا فإن هجمات أبي مصعب الزرقاوي ضد الأهداف الشيعية في العراق لم تكن محل ترحيب من القيادة العامة في القاعدة باعتبار هذا الرابط الإيراني. في نفس الوقت، هل ساهمت هجمات القاعدة في العراق بتدعيم الحكم السني هناك؟ على العكس تماماً. هجمات الزرقاوي خدمت إيران بشكل أو بآخر؛ فكان يقاتل الأمريكيين بالوكالة عن إيران تماماً كما أن هجمات القاعدة في اليمن ضد القوات الجنوبية المدعومة عربياً تخدم الحوثيين المدعومين من إيران؛ وكأن القاعدة تقاتل السنة بالوكالة عن الحوثيين.
قاعدة اليمن: عصر الانشقاق
في يوم ١٤ فبراير، بثت الملاحم الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة في اليمن إصداراً نادراً ظهر فيه القيادي في التنظيم سعد بن عاطف العولقي متحدثاً إلى قبائل أبين وشبوة. ربما كان هذا أول إصدار من نوعه للعولقي. هو عادة يظهر صوتاً بلا صورة باستثناء ظهور عابر في سلسلة ”هدم الجاسوسية.“ ما الذي قاله أو حاول أن يقوله العولقي؟
لا شك أنها محاولة لنفي خلافات بينه وزعيم التنظيم خالد باطرفي. لكن أن يظهر الرجلان معاً لا يعني أنهما لم يكونا أو ليسا على خلاف. السؤال هو: ما ثمن ”الصلح“؟
العولقي، شيخ العشيرة، حاول يائساً استمالة قبائل شبوة وأبين ضد القوات الجنوبية المدعومة عربياً. في دقائق معدودة لا تتجاوز ثماني دقائق، حاول أن يقول إنه لا يستهدف قبائل الجنوب حصراً وبالتالي هو ليس مع الشمال ضد الجنوب. ولهذا ذكر إيران مرتين محاولاً أن ”يوازن“ بين معاداته للغرب ومعاداته لإيران التي تدعم الحوثيين في الشمال. ومحاولاً يظهر للقبائل بمظهر مختلف عن باطرفي.
استنزاف قيادات داعش الشام
أسبوع صعب على داعش في سوريا فيما يُعرف بـ ”ولاية الشام.“ في ١٥ فبراير أعلنت القيادة المركزية للقوات الأمريكية (سينتكوم) أنها وبالتعاون مع قوات حليفة تمكنت من قتل مسؤول في داعش الشام اسمه إبراهيم القحطاني. ”كان يخطط لهجمات ضد المعتقلات حيث يحتجز آلاف المنتسبين لداعش“ بعد اندحار التنظيم في 2019.
وفي 18 فبراير، أعلنت أنها مع قوات سوريا الديمقراطية نفذت غارة في شرق سوريا اعتقلوا فيها شخصاً اسمه بتّار هو مسؤول في داعش الشام كان يخطط أيضاً لهجمات.
قبل ذلك بيوم، أعلنت أنها قتلت حمزة الحمصي الذي وصفته بأنه مسؤول رفيع في داعش الشام.
حساب على التكيتوك نعى الحمصي ونشر صورته. وعلمنا أن الرجل كان الإداري العام في “ولاية الشام” وكان يُعرف بكنية أبو النور الحمصي.
طالبان والجسر المحترق
افتتح في كابول الشكل الجديد للجسر الذي كان يُعرف بـ”بُل سوختة” أو الجسر المحترق، وكان مرتعاً لمتعاطي المخدرات في المدينة.
ضمن الافتتاح، أقام طالبان معرضاً للكتاب. أنصار طالبان احتفوا بهذا الإنجاز أيّما احتفاء. أبرز صورتين تم تداولهما من المكان كان صورة تقارن بين ما كان عليه حال الجسر في الحكومة السابقة، وبين حاله اليوم. الصورة الثانية كانت لعصبة من النساء جلسن إلى طاولة للمطالعة. لا شك أن هذا يُحسب لحكومة طالبان. أو كما قال أحد المتابعين: يُحسب لـ سراج الدين حقاني، وزير الداخلية بالإنابة، الذي أثار الأسبوع الماضي زوبعة عندما وجه انتقاداً مبطناً إلى كبير التنظيم، هبة الله أخوندزاده.
من ناحية أخرى، كتب أفغاني: “إقامة معرض للكتاب على الجسر المحترق عمل جيد ونقدّره. ولكن إن كنتم تحبون الكتب والأقلام حقاً، افتحوا المدارس والمكتبات للأفغانيات والأفغان، وإلا فهذا مجرد مشهد درامي جيد لا أكثر”.
أفغاني آخر ذكّر بالأستاذ الجامعي إسماعيل مشعل الذي اعتقله طالبان وهو يقود مكتبة متنقلة ابتكرها احتجاجاً على قرار طالبان منع البنات من التعليم الثانوي والجامعي.