هل يتحول الدم ماء؟ كلها جماعات جهادية نشأت من رحم واحدة
- تخبط في ردود الجهاديين على ”حرب المياه“ بين طالبان وإيران
- هل يتحول الدم ماء؟ كلها جماعات جهادية نشأت من رحم واحدة
- دراسة: كيف هجرت طالبان باكستان الجهاد العالمي
- لماذا غاب كاراتة عن محفل ديرية أمير شباب الصومالية؟
الاشتباكات المسلحة بين إيران وطالبان على الحدود الجنوبية شكلت حرجاً للجهاديين الذين يهادنون إيران على أقل تقدير ضمن علاقة شائكة بالنظر إلى الموقع الجغرافي والتنظيمي الذي يحتله سيف العدل – فهو القيادي الأول في القاعدة اليوم وهو الذي يُعتقد أنه يقيم في طهران.
من المهم أن نتذكر أن إيران تظل من ”الحلف“ الموالي لطالبان. فهي من الدول القليلة التي أبقت على علاقة دبلوماسية متميزة مع طالبان رغم أن طهران لم تعترف رسمياً بهم حكاماً جدداً في كابول منذ عودتهم في أغسطس ٢٠٢١.
ومن المهم أن نتذكر أيضاً أن المناوشات بين الطرفين ليست جديدة. كان ثمة مناوشات خفيفة في ديسمبر ٢٠٢١ بسبب ما قيل إنه سوء معاملة إيران للاجئين الأفغان. لكن هذه المناوشات الأخيرة كانت مميتة استدعت تدخلاً دبلوماسياً رفيعاً من كلا الطرفين.
الآن، أصل المشكلة يرجع إلى اتفاقية تشارك مياه نهر هلمند الذي ينبع من سلسلة جبال سنغلاخ غرب كابول ويصب في منطقة سبخات وبحيرات على الحدود الجنوبية الشرقية: في محافظة نمروز الأفغانية التي يقابلها محافظة سيستان بلوشستان الإيرانية. وعليه فإن أكثر من ٩٥٪ من النهر يجري في أفغانستان؛ لكنه في الجانب الإيراني يغذي بحيرات وآبار ارتوازية فيما يُعرف ببحيرات هامون التي تعد عصب الحياة لأهالي الإقليم.
اتفاقية التشارك هذه تعود إلى العام ١٩٧٣؛ ومن أهم بنودها، بحسب دراسة منشورة في Atlantic Council أن الطرفين الأفغاني والإيراني ”يقبلان تدفق النهر بمقدار يصل إلى ٢٢ متراً مكعباً في الثانية مع خيار أن تشتري إيران أربعة أمتار مكعبة في الثانية في موسم المطر العادي.“
تشير الدراسة التي أعدتها الباحثة فاطمة أمان في ١٩٩٦ إلى أن الاتفاقية لم تُطبق كما يجب بسبب الأوضاع السياسية في البلدين بعد ذلك التاريخ – ١٩٧٣. اليوم تعاظمت المشكلة ليس فقط بسبب التغير المناخي في الكوكب وإنما أيضاً بسبب سد كمال خان الذي استكمل بناؤه في محافظة نمروز قبل عودة طالبان بخمسة أشهر فقط. كل هذا جعل المنطقة الإيرانية من الحدود تعاني من جفاف قاتل. إيران تطالب أيضاً بفتح سد كاجاكي في ولاية هلمند قرب منبع النهر. السد بُني في العالم ١٩٥٣.
كيف تعامل الجهاديون مع هذه المناوشات؟
في قنوات أنصار القاعدة التي نتابعها عادة، لم نلحظ حضوراً واسعاً لهذا الموضوع. من القليل الذي رصدناه، واضح تأييد الأنصار لطالبان ولكن ثمة مشكلة في منطقهم بسبب علاقة القاعدة مع إيران من خلال سيف العدل وهي العلاقة التي يرفض الأنصار التعاطي معها جدياً.
فمثلاً، نقرأ في منشور: ”هذا هو الحل الوحيد و الناجح لتأديب ايران ومليشياتها، ولا عزاء لمن يرتمون تحت أقدامها أو يتحالفون ويتصالحون معها.“ وهنا يسأل سائل: وماذا عن سيف العدل الذي لا يزال يعيش في إيران؟ أو على الأقل الذي يجب على التنظيم أن يحسم مسألة وجوده اليوم في إيران من عدمها.
على تويتر، مستخدم باسم إبراهيم، نعتقد أنه مقاتل في القاعدة في اليمن كتب: ”الملا محمد عمر -رحمه الله- يرجع نسبه لعائلة هوتكي القنداهارية التي غزت إيران ودمرت الدولة الصفوية.“
أما منظر الجهادية في لندن، هاني السباعي، فنشر فيديو قال فيه طالباني يُدعى عبدالحميد الخراساني: ”لا تختبروا قوتنا … سنفتح طهران.“
جماعة هيئة تحرير الشام يؤيدون طالبان طبعاً، فهم يرون فيهم نموذجاً يُحتذى – نموذج المنسلخ عن القاعدة المتوجه نحو المحلية ومأسسة الحكم المحلي.
أبو ماريا القحطاني القيادي في هتش كتب: ”إيران لن يسلم منها جار … قطعت إيران كل الأنهار عن العراق ولكن الحكومة العراقية … تسترت على ذلك.“
عبدالرحيم عطون، القيادي الغائب هذه الأيام من هتش، نقل منشوراً طويلاً عن الكاتب أحمد قنيطة نقرأ فيه: ”طالبان التي كسرت هيبة أمريكا وحلف الناتو لن تعجز عن تعريف إيران بجحمها.“
إلا أن أهم ما في ردود الفعل هو ما كتبه مصطفى حامد أبو الوليد المصري صهر سيف العدل وصاحب موقع مافا السياسي.
مصطفى حامد معروف بخلافه مع القاعدة وأسامة بن لادن. ومعروف أنه منذ زمن يحاول أن يقدم سيف العدل قائداً لشكل جديد من القاعدة. ومعرف أنه وجد في النموذج الطالباني ضالته وهو الحاضر دائماً في منشورات طالبان التي يُبشر فيها بنموذج يحاكي حكم الملالي في طهران؛ فهو المتحمس دائماً لثورة الخوميني.
لكن يبدو أن هذه الأزمة الأخيرة أحبطت الرجل قليلاً. ويظهر هذا في تناقض ما كتبه حول الموضوع. في مقال بعنوان ”مياه للحرب،“ يحاول حامد أن يلقي باللوم في النزاع ”بين الجارتين“ على أمريكا؛ حيث أن سد كمال خان استكمل قبل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بخمسة أشهر. المشكلة في هذا المنطق هو أن المناوشات عسكرياً ودبلوماسياً وقعت اليوم أي بعد مرور عامين تقريباً على حكم طالبان. فإذا كانت إيران، كما يقول حامد، ”لها نظام حكم خارج عن المشيئة الأمريكية، وكذلك هي أفغانستان؛“ وإذا كان بحسبه ”هناك عن جانبي الحدود سياسيون وعشاق للشهرة … يبحثون عن زعامة سياسية ومعنوية؛“ إذاً، أين مسؤولية أمريكا فيما يجري؟ في المحصلة هو أسلوب الجهاديين في ترحيل الأزمات وتجييرها إلى آخر.
يظهر إحباط حامد عندما لا يرى مخرجاً من هذه الأزمة العويصة إلا بتدخل من رأسي هرم الحكم في طالبان وإيران: هبة الله أخوندزادة وعلي خامنئي. لكن في أي اتجاه يجب أن يسير الحل؟ في الختام، يناقض حامد نفسه مرة أخرى عندما يقول يقول إنه تجب العودة إلى اتفاق ١٩٧٣ الذي سبق طالبان وثورة الملالي.
طالبان باكستان تهجر الجهاد العالمي
بعد قتل أسامة بن لادن في مايو ٢٠١١، بدا واضحاً فشل مشروعه المعنون بالجهاد العالمي. فبدأنا نرى في تنظيمات جهادية توجهاً أكثر عن المحلية. فلنأخذ مثلاً طالبان. بالرغم من أنها جسم منفصل عن القاعدة، إلا أن البيعة من أسامة بن لادن والظواهري لزعماء الجماعة، تجعل التنظيمين مرتبطين بأكثر من علاقة روحية أو علاقة مؤقتة، إلا أن الجماعة صرحت بأنها تركت الجهاد العالمي ولا أدل من ذلك على الاتفاقية الموقعة مع ”الطاغوت“ الأكبر بحسب أدبيات الجهاديين: أمريكا، وهي الاتفاقية التي أعادت طالبان إلى كابول.
تنظيم آخر بدأ حراكاً مشابهاً، هو الفرع الباكستاني – تحريكي طالبان باكستان TTP.
في دراسة معمقة للباحثين عبدالسيد وتور هيمنغ نشرها مركز مكافحة الإرهاب في كلية ويست بوينت الحربية الأمريكية، نقرأ كيف تحولت TTP إلى المحلية. يقول الباحثان إنه تحت زعامة الأمير الحالي، مفتي نور والي محسود، ومنذ العام ٢٠١٨، ”أعلنت TTP تخليها عن الأجندة العابرة للحدود .. وتبنيها أجندة محلية صرفة،“ تنحصر في إقامة نظام حكم في الحزام القبلي المحاذي لأفغانستان؛ والذي على أساسها أبدت استعدادها التفاوض مع الحكومة في إسلام أباد في ٢٠٢٢.
يشير الباحثان إلى أن هذا التحول حقيقي وليس مجرد خدعة ”علاقات عامة.“ ويرجعانه إلى عوامل ثلاثة: ”تراجع القاعدة في المنطقة، الخسائر الهائلة التي تكبدتها TTP على مدى الأعوام الماضية بسبب ضربات الطائرات المسيرة الأمريكية والاستراتيجية الناجحة التي اتبعتها طالبان أفغانستان.“
خلافات في شباب الصومالية
احتفت قنوات أنصار القاعدة بختام ما يسمى ”الدورة الثانية للاجتماع التشاوري حول قضايا الجهاد في شرق إفريقيا“ الذي عقدته جماعة شباب الصومالية في الفترة من ٨ إلى ١٥ مايو ٢٠٢٣.
لوحظ في هذا الاجتماع أمران. الأول، حضور أمير التنظيم أبو عبيدة أحمد عمر ديرية، الذي طُمس وجهه في الإصدارات من هذا الاجتماع. كما ظهر في الإصدارات، فؤاد محمد خلف شنغولي المطلوب على قوائم الإرهاب بمكافأة مقدارها خمسة ملايين دولار.
الأمر الثاني، هو غياب الرجل الثاني في التنظيم وأمير الأمنيات والاستخبارات والمالية، مهاد كاراته عبدالرحمن ورسمي.
المراقبون في الصومال اعتبروا أن غياب الرجل عن محفل كهذا يدل على خلافات تعتمل داخل التنظيم؛ بحيث انقسم التنظيم إلى معسكرين: معسكر يؤيد كاراته وآخر يؤيد ديرية.
هذه الخلافات ليست جديدة. الجماعة نفسها اعترفت بها بحسب ما نُقل عن شنغولي أخيراً في حفل ”تخريج“ عندما قال: ”لا نريد التنازع بيننا في هذا الوقت.“
وتعليقاً على هذا الكلام، قيل إن مهاد كاراته بات ”يعزز سلطته كما كان أحمد غودانة (الأمير السابق للجماعة) من خلال تنفيذ الاغتيالات واعتقال الأمراء الصغار … يريد أن يكون الوحيد الذي يحاور الحكومة.“
بالإضافة إلى الرغبة في تصدر المحادثات إن وجدت، تُرد الخلافات إلى تنازع على الموارد وخاصة الملايين التي تجمعها الجماعة من سكان المناطق التي تسيطر عليها بحجة الخراج او الزكاة.
وعد الجولاني!
في الوقت الذي تتواصل فيها التظاهرات ضد هيئة تحريرالشام في إدلب، شارك زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني فيما عُرف بـ ”المؤتمر الثوري لأهالي حلب الشهباء“ والذي نظمه مهجرو مدينة حلب وريفها في منطقة باب الهوى القريب من الحدود الغربية مع تركيا.
بحسب موقع العربي الجديد، فوجئ الحضور بالجولاني وذراعه الأيمن أبي ماريا القحطاني. الأمر الذي أثار جدلاً بين الحضور.
معرفات الهيئة احتفت بالمؤتمر باعتباره ”وعدَ المستقبل“ إذ توعد الجولاني بتحرير حلب؛ فقال إنه ”بقي القليل حتى نصل إلى حلب“ و“نحن في العصر الذهبي للثورة السورية وهي في أفضل أحوالها.“
المعارضون علقوا: ”كل الحاضرين في المؤتمر كومبارس ودور البطولة دائما للجولاني… يوزع بعض الأدوار الثانوية على مساعديه. وعود رنانة يكذبها واقع يرونه بأعينهم.“
أس الصراع في الشام علق: ”عام ٢٠١٩ قال (الجولاني) … سنصل إلى دمشق فخسرنا ريف حماة إلى خان شيخون. خرج بعدها بين الزيتون وقال هدفنا القدس وليس معارك صغيرة فخسرنا سراقب. اليوم يقول سنسيطر على حلب
وأقول ضعوا قلبكم على جنوب طريق M4.“
على الهامش، لفت حضور عبدالرحيم عطون الشرعي الأول في الهيئة. مطلع الشهر، قيل إن عطون ترك الهيئة بعد خلافات على توسع الجماعة شمالاً. لم تتضح طبيعة تلك الخلافات ولكن استشهد وقتها بأن الرجل غاب عن اجتماعات مهمة في الهيئة. أبو يحيى الشامي علق: ”هذا عطون ما زال مع (هم) .. لكن كمبارس أو كمالة عدد.“
داعش والصمت المريب
نقل حساب فضح عباد البغدادي والهاشمي أن داعش لم ينشر حتى الآن ”أي تعميم داخلي يؤكد قتل الخليفة وتنصيب خليفة جديد كما جرى به الحال من قبل.“
يشرح الحساب أنه ”بعد مقتل البغدادي وأبي إبراهيم وأبي الحسن نشر التنظيم تعميمات داخلية أكدت مقتلهم وأعلنت عن تنصيب خلفاء لهم بعد بضعة أيام فقط من مقتلهم.“
الحساب يرجح أن أبا الحسين لم يقتل؛ لكنه يستغرب في نفس الوقت من صمت التنظيم في هذه الحالة. ” فلماذا لم ينقض التنظيم لحد الآن على هذه الفرصة الثمينة لتكذيب أعدائه!؟“
في المحصلة، يقول الحساب: ”هذا الصمت المدقع المريب (لا نفي ولا تأكيد) يضعنا أمام عدة شبهات ويدل بشكل واضح على اضطراب لم يشهد له مثيل في الجهة الحاكمة، فمجلس الشورى هو الكيان الذي يؤكد أو ينفي مقتل الخليفة، وهو الجهة التي تنصب الخليفة الجديد وتكلف إدارة الولايات بإصدار التعميمات والمتحدث بإصدار الكلمات الصوتية وطلب البيعات.. أين هم القوم؟“