مغامرة فاغنر الروسية كيف بدأت وكيف انتهت؟
أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من ١٩ إلى ٢٥ يونيو ٢٠٢٣. في عناوين هذه الحلقة:
- كيف مهدت مغامرة فاغنر الطريق أمام إسقاط نظام بوتين؟
- الجهاديون يستبشرون بمغامرة بريغوجين ويتمنون مثلها لإيران
- أقصر المسافات الخط المستقيم. أنصار القاعدة يتجنبون الخوض في علاقة سيف العدل الإيرانية
وضيف الأسبوع، درو بافلو، الناشط الحقوقي الأسترالي. بودكاستر وكاتب في السياسة الروسية والصينية. يكتب في مدونة (Iceberg Lounge).
مغامرة فاغنر الروسية
الثابت في المغامرة التي قادها زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين يومي ٢٣ و٢٤ يونيو، هو أن أحداً لا يعلم يقيناً كيف انتهت على النحو الذي انتهت عليه! الثابت الثاني هو أن أنها مثلت تحدياً غير مسبوق لسلطة الرئيس فلاديمير بوتين؛ ستكون له تبعات لا نزال نسأل عنها. فما مصير مرتزقة فاغنر في إفريقيا وسوريا؟ وما مصير مسار الحرب الروسية في أوكرانيا؟
فيما يلي استعراض زمني موجز لمقدمات هذا الحدث.
في سبتمبر 2022 أقر بريغوجين لأول مرة أنه أسس وموّل مرتزقة فاغنر ”حتى يساعد الانفصاليين في شرق أوكرانيا.“
في فبراير ومع اقتراب السنوية الأولى لغزو أوكرانيا، تنامت الملاسنات بينه وكبار العسكريين في موسكو وتحديداً وزير الدفاع، سيرغي شويغو ورئيس هيئة أركان الجيش، فاليري جيراسيموف. بريغوجين اتهم قادة الجيش بالتخبط في الحرب على أوكرانيا والتسبب في قتل رجاله الذين كانوا على أعتاب باخموت شرقاً.
في مايو، سيطرت قوات فاغنر على باخموت ومعها اختمر صراع بريغوجين مع العسكر الروس. فاتهم الجيش النظامي بمنع الذخيرة عن رجاله وهدد بالانسحاب من المدينة.
في ١٠ يونيو، أصدر شويغو أمراً يُلزم فاغنر بعقود نظامية مع الجيش بحلول ١ يوليو. بريغوجين رفض أن يكون تابعاً لقيادة الجيش وهدد بالانسحاب من أوكرانيا. بوتين أيد قرار الدفاع.
يوم الجمعة، ٢٣ يونيو، تعهد بريغوجين بأن ينتقم لجنوده الذين ”دمرهم“ الجيش الروسي؛ وأن يعالج ”الفوضى“ التي تجتاح موسكو في إشارة إلى اتهامه الجيش بالكذب على بوتين ”وإخفاء“ حقيقة خسائرهم في أوكرانيا.
وهكذا، غادرت قوات فاغنر أوكرانيا فجر السبت ٢٤ يونيو، وعبرت الحدود الروسية حيث سيطرت على مدينة روستوف جنوباً. بريغوجين نفسه ظهر في فيديو أمام مبنى لوزارة الدفاع متحدياً شويغو.
قبل ظهر ذلك اليوم، خاطب بوتين الأمة حيث وصف بريغوجين بأنه خائن.
بريغوجين ردّ بأن ”بوتين أخطأ“ في توصيفه. وقال إنه مستعد لأن ”يذهب إلى آخر الطريق“ لمعاقبة العسكريين المتنفذين في موسكو.
لكن مع حلول مساء ذلك اليوم، السبت ٢٤ يونيو، أعلن بريغوجين انسحاب قواته من على مشارف موسكو ”تجنباً لسفك الدماء“ بموجب وساطة قام بها رئيس بيلاروسيا أليكزاندر لوكاشينكا.
في الساعات اللاحقة، أعلن الكرملين العفو عن بريغوجين ورجاله وأن بريغوجين سيعيش في بيلاروسيا منذ الآن.
ثورة أم فورة؟!
الباحثون والعارفون والمراقبون اختلفوا في توصيف أحداث السبت ٢٤ يونيو – هل هو انقلاب أم مسرحية؟
الصحفية والأكاديمية الأمريكية من أصل روسي فيرا ميرونوفا وصفت ما حدث بأنه ”انقلاب زائف.“ ورأت أنه انتهى بأن ”أحكم بوتين قبضته على البلد؛“ حتى إن هذا اليوم أصبح ”يوم وحدة وطنية“ في روسيا. ورأت أيضاً أن بوتين تمكن من تحديد من معه ومن ضده.
على النقيض من ذلك، علّقت الباحثة في معهد هدسن الأمريكي، زينب ربوعة: ”بغض النظر عن الصفقات وإبرام اتفاق سلام؛ ما حدث هو إذلال تام لبوتين الذي خسر مصداقيته وشرعيته.“
”#فاغنر #مارد“
في ردود الفعل، تتوجه الأنظار إلى سوريا تحديداً التي لا يزال الطيران الروسي يشن غارات بشعة ضد المدنيين في المناطق الخارجة عن سلطة النظام في دمشق.
أقسى هذه الغارات استهدفت الأحد سوقاً للخضار في جسر الشغور جنوب غرب إدلب ما تسبب في قتل تسعة على الأقل وجرح أكثر من ستين. من بين الضحايا أطفال.
وعليه، كان طبيعياً أن يتفق معارضو النظام على ابتهاجهم بأحداث روسيا.
حساب مزمجر الثورة السورية المعارض لهيئة تحرير الشام وصف ما جرى بأنه ”عدل“ واستبشر بتكرار المعارك في إيران ”وكل حلفائها.“
حساب أبو يحيى الشامي، المعارض أيضاً، علّق متندراً: ” في القَصص يُحكى أن بوتين وجد فانوساً ففركه فخرج له يفغيني بريغوجين، فبدلاً من تحقيق أمنياته تمرد عليه… #فاغنر #مارد.“
أما عبدالرحيم عطون، القيادي في الهيئة، فدعا على الروس مؤيدين ومعارضين ”اللهم واجعل دائرة السَّوء عليهم.“
أبو ماريا القحطاني، في بداية الأزمة، أعاد نشر كلام قاله في فبراير وفيه أن ”نهاية بوتين (ستكون) إما بالقتل بانقلاب عسكري أو ينتحر أو باغتيال أو سُمّ.“ لكنّ بوتين لم يُقتل أو ينتحر. وأبو ماريا لم يعلّق بعد ذلك.
في مجموعات أنصار القاعدة، قال أحدهم: ”هو نذير خير وبشارة على المجاهدين في الشام ومالي ممن يتقاتلون مع الروس والفرس المجوس.“
سيف العدل وأنصار القاعدة
تناقلت مجموعات أنصار القاعدة مقالاً طويلاً بعنوان: ”هل يؤدي دعاة فك الارتباط خراج رؤوسهم؟“ وفيه ينتقد الكاتب من يدعو إلى الانسلاخ عن القاعدة ونبذ الجهاد العالمي مقابل الجهاد المحلي. الإشارة واضحة إلى القيادي في هيئة تحرير الشام أبي ماريا القحطاني الذي قال منذ فبراير الماضي إن ”قرار القاعدة أصبح بيد الحرس الثوري“ الإيراني بعد أن ذكر تقرير أممي أن سيف العدل تسلّم على الأرجح زعامة التنظيم خلفاً لأيمن الظواهري.
يرفض الكاتب فكرة التخادم بين القاعدة وإيران من خلال رابط سيف العدل من نافلة القول أن تحييد القاعدة للمصالح الإيرانية والأراضي الإيرانية حقيقة معروفة منذ أيام أبي مصعب الزرقاوي في العراق وكشف عنها أكثر من جهادي، ناهيك عن وثائق ”أبوت أباد.“
وعليه، هذه المنشورات التي يتداولها أنصار القاعدة، هل تعني أنهم يقبلون سيف العدل خلفاً للظواهري؟ هل وجوده في إيران طوال ٢٢ عاماً لا تعني لهم شيئاً؟ هل سيقود سيف العدل القاعدة من طهران؟ أم أنه خرج من هناك استعداداً لتسلم الزعامة؟ وإذا كان قادراً على مغادرة إيران، فلماذا لم يغادرها حتى الآن؟
إذا كان أنصار القاعدة غير قادرين أو راغبين في الإجابة عن هذه الأسئلة، وإن لم تكن مسألة إدارة سيف العدل التنظيم من إيران تؤرقهم، فهم ليسوا أفضل من داعش الذين يبايعون مجهول الاسم والرسم؛ أو الهيئة الذين يقولون معارضوها إن زعيمها ”مجهول النسب.“ سيف العدل معروف رسماً واسماً ونسباً؛ ولكنه مجهول الهوية.
خلافات في داعش الشام
نشر حساب قناة فضح عباد البغدادي والهاشمي، المتخصص في كشف خفايا داعش، أن ثمة خلافات داخل ”ولاية الشام“ الأمر الذي يظهر في ”عدم تبني (التنظيم) بعض العمليات“ هناك، بحيث أصبح إعلام الولاية ”منبوذاً“ من المقاتلين.
يشرح الحساب أن ديوان الإعلام يُصر على ”تبني كل العمليات بينما يحاول الأمراء العسكريون التكتم على الأخبار وعدم نشرها لأسباب يعتبرها الديوان غير مبررة وغير معقولة.“
فينشر الحساب رسالة موجهة من ”الإعلامي العام للشام“ إلى الوالي يشكو فيها من ”التكتيم الإعلامي،“ ونسب بعض الهجمات إلى ”مجهولين.“
والأمر ذاته في رسالة أخرى بتاريخ ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٠، وجهها ”أمير مفصل الإعلام لولاية الشام السابق صقر أبو تيم“ إلى نائب والي الشام ”الزبير الشامي.“ وفي المحصلة، يرفض المقاتلون على الأرض تبني الهجمات تجنباً لتكثيف الحملات العسكرية ضدهم.
بحسب هذا الحساب، وصل الخلاف إلى حدّ ”امتعاض الجنود من الإعلاميين ونبذهم لهم واتهام الإعلام بتأجيج الجيوش على الجنود.“
يعلّق الحساب: ”ولازال هذا الصراع قائم الى يومنا هذا بين الإعلاميين (الرسميين وغير الرسميين) والجنود وما خفي كان أعظم.“
طالبان باكستان وفرص الاستقلال
طالبان الباكستانية TTP قد تكون التالية في نبذ ”الجهاد العالمي“ الذي بشّر به أسامة بن لادن والسعي إلى حكم ذاتي في المنطقة القبلية من خلال مفاوضات مع الحكومة في إسلام أباد. المفاوضات متقطعة ولكنها معلم على الطريق.
التحول السياسي في نهج طالبان الباكستانية رافقه تحول عملياتي. فبعد أن كانت هجماتهم لا تميز بين مدني وعسكري، قالوا إنهم باتوا يستهدفون الجيش حصراً.
يوم السبت ٢٤ يونيو، هاجم مقاتلو TTP المهندس أمير مُقام، وهو سياسي يعمل مستشاراً لرئيس الوزراء. المتحدث باسم التنظيم، محمد خراساني، أوضح في بيان: ”نحن لا نهاجم السياسيين ، باستثناء أولئك الذين أصبحوا عملاء للجيش في الحرب ضد المجاهدين.“ لكنه اعتبر أمير مُقام هدفاً مشروعاً لموقفه منهم. لفت في البيان أن وجه الخراساني دعوة إلى السياسيين الذين يعتقدون أنهم لم يشاركوا في هجمات ضد التنظيم بأن يتصلوا بلجنة الشكاوى الخاصة بالتنظيم مذكراً ببيانات الاتصال.