القاعدة على مفترق طرق: أن تكون أو لا تكون
أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من 10 إلى 16 يوليو 2023. في عناوين هذه الحلقة:
- ما المطلوب حتى تحسم القاعدة مصير الظواهري؟ القاعدة على مفترق طرق: أن تكون أو لا تكون
- لماذا يتعين على أنصار القاعدة في اليمن إعادة فتح ملف النهدي وخلافه مع باطرفي؟
- هيئة تحرير الشام في أسوأ أحوالها: نخر من الداخل وقنص من الخارج
ضيف الأسبوع، الصحفي الاستقصائي الحائز على جوائز عالمية تام حسين والمتخصص في الجهادية. شارك في تأليف كتاب ”إلى الجبال، حياتي في الجهاد،“ مع عبدالله أنس، صهر عبدالله عزام. أبحاثه وتحقيقاته مجموعة في مدونة The Blood Rep.
يبدو أننا هذه الأيام أمام استحقاقين في التنظيمين الجهاديين الأخطر في العالم: القاعدة وداعش. الاستحقاقان يتعلقان بحسم مسألة القيادة والإمارة والبيعة.
أما داعش، فقد نقل حساب قناة فضح عباد البغدادي والهاشمي عن مصادر داخل التنظيم أن خليفتهم المزعوم أبا الحسين الحسيني القرشي قُتل فعلاً. في أبريل الماضي وأعلنت تركيا أنها ”حيدت“ زعيم داعش في عملية أمنية في جرابلس شمال سوريا.
إلا أن إعلام التنظيم، على غير العادة، لا يزال صامتاً حيال ذلك. حساب قناة فضح وهم على الأرجح منشقون عن التنظيم دعوا ”ديوان الإعلام في التنظيم“ إلى أن ”يترجلوا ويصدقوا“ مع الأنصار ”فلا فائدة من الصمت بعد اليوم.“
في نفس الوقت، لفت الحساب إلى افتتاحية العدد الأخير من صحيفة النبأ الأسبوعية الصادرة عن ديوان الإعلام المركزي في التنظيم في عددها ٣٩٩، وجاءت بعنوان ”ولا تهنوا ولا تحزنوا،“ واعتبر أنها ”تجهيز“ للأنصار نفسياً ”وتبليط الطريق“ لإعلان خبر قتل أبي الحسين.
الظواهري حياً أو ميتاً
على الطرف الآخر، يسخر أنصار القاعدة من ”الخليفة المجهول“ الذي يدين له بالولاء والطاعة أنصار داعش. كتبوا هذا الأسبوع تحت عناوين ”الخرافة باقية وتتمدد وتتشقلب،“ و ”خلافة بدون خليفة.“ ويعتبرون أن التنظيم اليوم ”بين نارين“ فإن أعلنوا قتل ”الخليفة“ تعرضوا ”لموجة من السخرية والاستهزاء كما حصل مع خليفتهم الذي مات في درعا (أبي الحسن الهاشمي القرشي في نوفمبر الماضي.)“ وإن هم تكتموا على الخبر، ظلت الأخبار تتسرب من الداخل حتى يأتي وقت ”لن يستطيعوا فيه التكتيم أكثر.“
الحقيقة أن الشيئ نفسه يمكن أن يُقال عن القاعدة. فحال القاعدة ليس أفضل من داعش.
مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لإعلان أمريكا قتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في اليوم الأخير من يوليو ٢٠٢٢ وكان في ضيافة طالبان في العاصمة الأفغانية كابول، لا يزال تنظيم القاعدة عاجزاً عن حسم الخبر. فلا هم انتهزوا الفرصة ليكذبوا أمريكا مثلاً؛ ولا هم أقرّوا بالحقيقة من باب ”إكرام الميت دفنه“ وعرّفوا الأنصار بحقيقة هوية الأمير الذي يبايعون على السمع والطاعة. فكما داعش يدينون بالولاء إلى أمير مجهول، كذلك القاعدة يدينون بالولاء لأمير غير معلوم إن كان حياً أو ميتاً.
أنصار القاعدة أنفسهم يعترفون بهذه المعضلة. هذه الأيام، ما أن يُذكر الظواهري حتى يترحموا عليه بعبارة ”حياً كان أو ميتاً.“ ولا يقتصر هذا على الأنصار الذين يُتوقع ألا يكونوا قريبين من مركز صنع القرار وإنما ينسحب على قياديين مثل خبيب السوداني (إبراهيم القوصي) القيادي الرفيع في فرع التنظيم في اليمن. في نسخته الحديثة من كتاب ”شذرات“ ترحم على الظواهري بعبارة ”حياً كان أو ميتاً.“
ملف أبي عمر النهدي
لفت هذا الأسبوع ”كتيب“ نشرته يوم ١٣ يوليو مؤسسة كتائب الإيمان للإنتاج الإعلامي بعنوان ”هكذا قُتلنا باسم الجهاد“ لـ أبي عبيدة الحضرمي الذي يُقدّم له بأنه ”مجاهد.“ نعلم عنه أنه ينشر على الأقل منذ أغسطس ٢٠٢٢. كان له في مارس الماضي منشور مهم يطلب فيه من ”المشايخ“ ألا يهجروا تنظيم القاعدة في اليمن وأن يعود إليه من هجره. في ذلك المنشور أشار إلى نفسه بأنه ”من طلاب جمعية الحكمة سابقاً“ في اليمن.
يكتب كثيراً عن داعش وكيف أنهم ”خوارج“ نقضوا العهد الذي كان بينهم والقاعدة الأم. وهو خلاصة ما جاء في هذا الكتيب الأخير.
يلفت في الكتاب حديثه عن رفض داعش ”النزول إلى الشرع“ والتحكيم المستقل. يقول: ”كشفوا عن حقيقتهم ورفضوا المحاكم كلها، وأبوْا النزول إلى شرع الله، وكان الرد من العدناني في كلمته ‘عذراً أمير القاعدة‘ على مبادرة الدكتور أيمن الظواهري رحمه الله حياً وميتاً ومطالبتهم بالمحكمة المستقلة (وقال): ‘وأما المحكمة المستقلة التي تطالب بها، فنقول لك: إن هذا أمر غير ممكن، بل مستحيل، بل هو طلب تعجيزي من ضرب الخيال‘ … فنصبوا خليفتهم ليكون هو الخصم وهو الحكم.“
المفارقة أن هذا الجدل حول ”المحكمة المستقلة“ ينسحب على تنظيم القاعدة في اليمن نفسه. في ١١ مايو ٢٠٢٠، نشر التنظيم نصاً وصوتاً كلمة بعنوان ”ولا تكن للخائنين خصيما“ يرد على مظلمة القيادي أبي عمر النهدي وصحبه فيما عُرف بالاعتزال الكبير.
جماعة النهدي اعترضوا على سلوك التنظيم في التعاطي مع مسألة ”الجواسيس“ واعتبروا أن التنظيم أطلق الاتهامات بالجاسوسية جزافاً حتى طالت أبرياء من دون مراعاة الضوابط الشرعية. وعليه طالبوا بالاحتكام إلى أمير التنظيم الأم – أيمن الظواهري.
من ضمن المطالبات أيضاً كان النزول عند قضاء مستقل. وهنا وقع جدل. جماعة النهدي قالوا إن قيادة التنظيم في اليمن – بدءاً بقاسم الريمي الذي قُتل في خضم هذا النزاع وانتهاء بخالد باطرفي الذي خلفه أميراً – رفضا الاحتكام إلى قضاة من خارج التنظيم وأصرّا على قضاء داخلي. أما قيادة التنظيم فقالت إن النهدي وجماعته ماطلوا في مسألة التحاكم وربطوها برد على رسالة تُرسل إلى الظواهري. لا الرسالة أرسلت ولا المحكمة أقيمت. في النهاية اعتزل النهدي وصحبه. لا هم انضموا إلى داعش ولا شكلوا تنظيماً رديفاً.
بغض النظر عما يقوله هذا الطرف وذاك، مجرد أن تخضع مسألة التحاكم المستقل إلى كل هذا الأخذ والرد هو دليل على أن ما وقع بين القاعدة وداعش في مسألة مشابهة لم يقل عما وقع بين قيادة التنظيم في اليمن والمعتزلين.
مرة أخرى، حال القاعدة ليس أفضل من حال داعش.
هيئة تحرير الشام ووجع العمالة
وأخيراً، أقرت هيئة تحرير الشام في إدلب بوقوع اختراقات في صفوفها وضبط ”عملاء“ يعملون لصالح جهات خارجية لم تُسمّها. وبالرغم من أن الهيئة حاولت التخفيف من وطأة هذه المسألة، إلا أن الثابت أنها وصلت حداً كان لا بد من التعامل معه علناً.
المتحدث باسم جهاز الأمن العام في الهيئة، ضياء العمر، قال إنهم تمكنوا من القبض على ”خلية“ عملاء من دون أن يحدد عددهم أو الجهة التي عملوا لحسابها. المعارضون كانوا كشفوا عن أن الهيئة اعتقلت ”المئات“ من العناصر والكوادر من بينهم قياديون يعملون لصالح التحالف تارة وروسيا تارة أخرى. لكن مرة أخرى، قلل العمر من ذلك وقال إن المعتقلين كانوا ”في مقتبل العمر … لا يملكون الخبرة الكافية؛“ تم ابتزازهم وإغراؤهم ”بالثروة؛“ بمعنى أن أحداً من العملاء لا يحتل موقعاً قيادياً في أي مفصل.
العمر قال أيضاً إنهم يتابعون القضية منذ ٦ أشهر؛ وإنهم سيقدمون المتورطين إلى القضاء.
مسألة التخابر مع جهات خارجية برزت منذ يونيو الماضي وتفاقمت في الأسبوعين الأخيرين عندما ترددت الأنباء عن اعتقالات بالمئات.
”حرب عصابات“ تهدد هيئة تحرير الشام
تتعاظم مآزق هيئة تحرير الشام. استهدافها لا يقتصر على عمليات خفية بتجنيد عملاء وإنما صار الاستهداف علناً وبطريقة تكشف ”هشاشة“ أمنها وهي التي تتفاخر بإحكام قبضتها على إدلب ومحيطها.
التشكيل العسكري الذي أطلق عليه اسم ”سرايا درع الثورة السورية“ و ظهر إلى العلن في ١٥ يونيو الماضي وثق هذا الأسبوع قتل قيادي أمني في الهيئة هو إبراهيم محمد العلي أبو صهيب سرمدا.
التشكيل نشر فيديوهات للعملية يظهر فيها أنهم نصبوا كميناً على شكل حاجز على طريق معبر باب الهوى. ومما تناقله أنصار هذا التشكيل، فإن مركبات تابعة للهيئة فرّت من الحاجز، لكن القتيل لم يكن محظوظاً ووقع في الفخ.
القيادي في هيئة تحرير الشام أبو ماريا لقحطاني نعى أبا صهيب واعتبر أن كل من فرح بقتل أبي صهيب هو ”خائن.“ حساب عبدالرحمن الإدريسي المقرب من إعلام الهيئة اعتبر هذا تطاولاً على جهاز الأمن العام الذي بحسبه ثبت ”مشروع أهل السنُّة في سوريا.“
حساب ”الشمالي الحر“ العائد بعد غياب جدلي منذ فبراير الماضي علق: ”كل يدٍ آثمة تمتد للعبث بمناطقنا المحررة ستُقطع.“
حساب إدلب بوست الموالي اتهم حزب التحرير بالعمل من خلال سرايا درع الثورة. التظاهرات اليومية التي تشهدها إدلب وأطرافها ضد الهيئة بدأت في مايو الماضي باعتقال عناصر من حزب التحرير في بلدة دير حسان شمال إدلب.
واللافت أن ذكر هذا الحساب بتشكيلات عسكرية أخرى مشابهة قالت إنها كانت تستهدف الهيئة هي سرايا ابو بكر الصديق وعبدالله بن أنيس. هذه التشكيلات، كما سرايا الثورة السورية كانت محل جدل بين معارضي الهيئة أنفسهم. بعض المعارضين يرونها امتداداً للهيئة حتى تعطي مسوغاً لإحكام القبضة الأمنية أكثر. وهكذا جاءت ردود المعارضين على عملية سرايا درع الثورة متفاوتة.
المعارض البارز عصام خطيب شكك في نوايا السرايا وكتب: ”بدأ الجولاني بمرحلة الأفلام الهندية في محاولة مكشوفة لتبرير قمع المتظاهرين.“ وفي منشور آخر علق على تعزية القحطاني وسأل بسخرية: ”هذا المنشور كتبته قبل مقتل أبي صهيب أم بعده!“
لكن حساب مزمجر الثورة السورية المعارض دافع عن مشروعية السرايا وقال إنه لو كان وهمياً حقاً ”فليس من مصلحة (أحد) أن (ينسبه) إلى الجيش الحر.“ وزاد أن هذا التشكيل أظهر ”هشاشة“ الهيئة الأمر الذي ينافي منطق أن يكون امتداداً للهيئة.
الحساب لفت أيضاً إلى ما وصفه بالفضيحة عندما عُثر في حوزة القتيل على ”هوية لقيادي بالحمزات بالجيش الوطني حتى يدخل مناطق الشمال لتنفيذ عمليات اغتيال بحق كوادر الثورة.“ مرد ذلك إلى أن الهيئة تسعى إلى التوسع شمالاً – في الباب واعزاز – على حساب الجيش الوطني (الجيش الحر) وذلك بتجنيد فصائل مثل الحمزة لافتعال مشاكل هناك.
أما حسابات معارضة أخرى حاولت تجاوز هذا الجدل. حساب أبو يحيى الشامي لفت إلى أن أي الروايتين قد تكون حقيقة وفي المحصلة ”الأمني ليس آمناً، وعليه أن يجد خياراً غير التمادي مع الجولاني ضد الثورة.“
حساب أبو هادي علق: ”لو أراد الجولاني ضبط الأمن في إدلب أو لو كان صادقًا في دعواه لأعطى تعليماته الآن بنزع اللثام عن كافة عناصره … حتى اذا أراد أحد ارتكاب جريمة يتم كشفه فورًا.“
طالبان والورطة الباكستانية
يوم الأربعاء 12 يوليو، هاجم انتحاريون معسكراً للجيش الباكستاني في ولاية زوب بالوشستان وسط غرب البلاد ما تسبب في قتل أزيد من 10 جنود. قد يمر مثل هذا الخبر كما غيره من الهجمات ولكنه تطور بشكل لافت كاشفاً خللاً في التنظيمات الجهادية العاملة هناك؛ وربما تهديداً لطموح طالبان باكستان في مستقبل مثل طالبان أفغانستان.
في البداية، جُير الهجوم إلى طالبان الباكستانية (تحريكي طالبان باكستان TTP٬). أسد أفريدي، والي منطقة خان فيما يعرف بحكومة الظل التي أنشأتها الجماعة في المناطق التي تنشط فيها، قال إن الهجوم جاء انتقاماً لقتل القيادي في الجماعة عمر خالد خراساني وكان مقرباً منه. خراساني قتل في أغسطس الماضي.
لكن سريعاً ما أعلنت جماعة غامضة تدعى تحريكي جهاد باكستان المسؤولية عن الهجوم واستغربت تصريح أفريدي بل دعته إلى التصحيح وإلا تسبب ذلك في خلافات بين الجماعتين.
مجلس شورى TTP عقد اجتماعاً طارئاً أقر فيه بأن المسؤول عن الهجوم هو تحريكي جهاد وأن TTP لا علاقة لهم بالهجوم. وفي خطوة وصفها الباحث الأفغاني عبد السيد بأنها ”غير مسبوقة“ قرر المجلس عزل إفريدي بسبب ”مخالفته التعليمات.“ بحسب السيد، أسدي اعترض على القرار وقال إن ”تحريكي جهاد باكستان هم جماعة سرية تعمل تحت راية TTP.“
في نفس الوقت، تداولت حسابات أفغانية وباكستانية صورة لأحد الانتحاريين وقالوا إنه جاء من أفغانستان. حساب Afghan Analyst على تويتر نقل نعياً للرجل من حسابات موالية لطالبان حيث أقيم له مجلس عزاء في مسقط رأسه في محافظة وردك غرب كابول.
الصحفي بلال صرواري علق ”أيام الجمهورية الأفغانية كان الانتحاريون يأتون من باكستان، اليوم الانتحاريون يأتون من أفغانستان ليقتلوا في باكستان.“
تطور الموقف أكثر عندما استدعى ردوداً متبادلة بين قيادتي البلدين. وزير الدفاع الباكستاني خواجا آصف قال إن ”أفغانستان لم تؤدّ حق الجار تجاه بلد شقيق“ وأن طالبان ”انتهكوا اتفاق الدوحة“ الذي يحظر عليهم إيواء ”إرهابيين.“ آصف قال: ”على العكس، الإرهابيون الذين يزهقون أرواح الباكستانيين يجدون ملاذاً في الأراضي الافغانية.“ وهدد: ”لا يمكن لهذه الحال أن تستمر. باكستان ستستخدم كل ما في وسعها لحماية أرضها ومواطنيها.“
ذبيح الله مجاهد النطق باسم حكومة طالبان نفى أن يكون لهم علاقة بالأمر، وقال إن على باكستان أن تقدم الأدلة على تورطها في هذه الهجمات.
طالبان كانوا توسطوا في مفاوضات سلام بين TTP وحكومة إسلام أباد على أمل أن تفضي إلى شكل من الحكم يطالب به TTP في المناطق الحدودية المحاذية لأفغانستان. لكن مجاهد أشار إلى فشل تلك المفاوضات وبالتالي انقطاع الصلة بين طالبان أفغانستان وطالبان باكستان.