جهادي مخضرم: أفكار الظواهري “التكفيرية” ساهمت في تحوّل بن لادن
أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من 24 إلى 31 يوليو 2023. في هذه الحلقة عنوان واحد:
عام على إعلان قتل زعيم القاعدة
جهادي مخضرم: أفكار الظواهري “التكفيرية” ساهمت في تحوّل بن لادن
عبدالله أنس، صهر عبدالله عزام، يكتب في “إلى الجبال،” أن الظواهري ناصب عزّام العِداء
في هذه الحلقة نستعيد تعليق خبراء وباحثين حول إعلان قتل الظواهري. نسمع من:
الباحث السعودي حسن سالم بن سالم
كيفين جاكسون من مركز مكافحة الإرهاب في باريس، ومحمد صفر صاحب كتاب “طالبان الأفغانية والمحاكم الصومالية”، وحسن أبو هنية – صاحب كتاب “الجهادية العربية واندماج الأبعاد”.
والدكتور مروان شحادة – صاحب كتاب “الخطاب السلفي … من 1990 إلى 2007”.
سنوية الظواهري
في صباح الأحد 31 يوليو 2022، وقع انفجار في منزل بضاحية دبلوماسية من العاصمة الأفغانية كابول وسط تخبط في أوساط طالبان، الحكام الجدد، حول السبب.
مساء الاثنين 1 أغسطس 2022، أُعلن في واشنطن أن الانفجار نجم عن صاروخ أطلقته طائرة مسيرة استهدف زعيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري بينما كان يُطل من شرفة المنزل.
حتى اليوم، لم تحسم القاعدة مصير الظواهري: هل قُتل فعلاً أم لا يزال على قيد الحياة. إن كان ميتاً فعليهم ترتيبُ شؤون الخلافة والبيعة؛ وإن كان حياً فهي فرصة ثمينة لتكذيب أمريكا.
وحتى اليوم، لم تنتهِ طالبان من تحقيقٍ بدأته في “الحادث.” اعترفوا بأن الانفجار كان فعلاً أمريكياً، لكنهم لا يزالون يَنفون علمهم بهوية المستهدف ويرفضون أن يكون الظواهري قد أقام بين ظهرانيهم.
أفكار الظواهري “التكفيرية”
قبل استعادة جوانب الجدل التي لا تزال تحيط بحياة الظواهري أو وفاته ومستقبل القاعدة، نتساءل: أي نوع من الرجال كان “أو ” هو الظواهري؟
ظل الظواهري يوصف بمدى قربه أو بعده من أسامة بن لادن. هو أقل كاريزما، أقل مالاً وحظوة، وهو أقل مهارةً في إدارة التنظيم.
لكن ثمة جانب لافت من حياة الرجل كتب عنه عبدالله أنس صهر عبدالله عزام الذي كان من أوائل المجاهدين العرب في أفغانستان مؤسساً مكتب الخدمات فاتحاً الطريق أمام المجاهدين العرب ومنهم أسامة بن لادن والظواهري.
عبدالله أنس كان أيضاً من أوائل العرب الذين هاجروا إلى أفغانستان. قاوم السوفييت هناك طيلة عشرة أعوام. كان قريباً من عبدالله عزام. في كتابه “إلى الجبال: حياتي في الجهاد من الجزائر إلى أفغانستان،” يقدم صورة لافتة للظواهري من ثلاث نواح: الجهاد، والعلاقة مع عبدالله عزام والعلاقة مع أسامة بن لادن.
أما عن الجهاد في أفغانستان، ففي غير موقع يقول عبدالله أنس إن الظواهري “لم يقاتل السوفييت.” ويضيف: “من المهم تأكيد هذا الأمر لدحض الأساطير التي تحاك حول من يُسمَّون إيقونات أو أبطال الجهاد العالمي … قد يدعي هؤلاء الرجال أنهم مجاهدون، ولكنهم ليسوا كذلك … لم يقاتلوا الروس أو الشيوعيين وإنما جلسوا في بيشاور يحرضون ضد الشيخ عبدالله”.
وهنا نأتي إلى العلاقة مع عبدالله عزام وهو رمز من رموز الجهاد الأفغاني. يقول أنس إن الظواهري كان من الذين “تآمروا” ضد عزام وأساؤوا إليه؛ “فقالوا إن الشيخ عبدالله كان عميلاً للسعودية”، ويضيف: “كان (الظواهري) شديد العداء للشيخ عبدالله بسبب علاقته مع الإخوان المسلمين، يعلم الله كم كان يتآمر على الشيخ ويكرهه”. ويضيف في موقع آخر: “الظواهري لم يكن يصلي خلف (عزام) عندما كان حياً ولم يمتدحه ميتاً إلا بعد هجمات سبتمبر، كما هي الدول تحتاج إلى رموز وقصص وطنية، كذلك القاعدة احتاجت إلى رمز مثل الشيخ عبدالله”.
وربما الوصف اللافت أكثر كان أن الظواهري تكفيري، يتحدث أنس عن انتقال تنظيم الجهاد المصري إلى أفغانستان وفيه قيادات تُنمّي أفكاراً “مسمومة” يبثونها في المتطوعين الجدد في بيوت الضيافة التابعة لمكتب الخدمات، يقول إن تلك الأفكار هي ذاتها التي أنتجت اليوم داعش ووسعت دائرة العنف والموت “حتى إن الظواهري نفسَه ما تمكن من احتواء ما تسبب هو في إطلاقه”.
وهكذا يعتبر أنس أن أسامة بن لادن “تحوّل” بشكل أو بآخر بقدوم الظواهري وأفكاره “المجنونة؛” فترك مكتب الخدمات مبتعداً عن عزام ومقترباً من دائرة الظواهري.
في نفس الوقت، يرى أنس أن توافقاً حصل بين الرجلين، الظواهري بأفكاره وأسامة بن لادن بطموحه، فأقام الأخير مضافات موازية لمضافات عزام يخطب فيها هؤلاء التكفيريون. يقول أنس: “يعلم الله … كيف حوّل (الظواهري) أسامة إلى رجل يستطيع أن يأمر بقتل أحمد شاه مسعود والأبرياء الذين قضوا في هجمات سبتمبر، وغيرهمِ ممن يموتون كل يوم”. في المقابل، بن لادن “كان يعرف كيف يكون المدير الذي يدير موظفيه، كان بإمكانه أن يوقف تلك الأفكار من التأثير في الشباب ولكنه لم يفعل”.
مسألة خلافة الظواهري
إذاً، بافتراض أن الظواهري مات فعلاً، يبرز اسم سيف العدل مرشحاً قوياً لتولي زعامة التنظيم، ومعه تبرز إشكالية وجود الرجل في إيران منذ أزيد من عشرين عاماً، فهل يتجاوز “مجلس شورى التنظيم” هذه الجغرافيا ويعلنه أميراً، أم يبحث في شخوص آخرين؟ فمن هم المرشحون؟
في الحلقة 152 من هذا البرنامج، تحدث الباحث السعودي الدكتور حسن سالم بن سالم وأوضح ما جاء في مجموعة رسائل كُشف عنها في العام 2017/ 2018 كُتبت بخط اليد وفيها يتعهد أعضاء مجلس شورى القاعدة بمبايعة خليفة للظواهري بحسب ترتيب يبدو أنه وصية من الظواهري نفسه. هؤلاء هم ترتيباً: أبو الخير المصري، وأبو محمد المصري، وأبو بصير الوحيشي وسيف العدل. يوضح بن سالم أن الظواهري اشترط في بيعة أي من هؤلاء أن يكون مقيماً في “بلاد خراسان” أو في أحد فروع القاعدة، ومع قتل الثلاثة الأوائل، يبقى سيف العدل وتبقى معه معضلة إيران، إلا أن بن سالم يرجح أن المرشح لخلافة الظواهري هو صهره أبو عبدالرحمن المغربي مشيراً إلى أن أسامة بن لادن بحسب ما جاء في وثائق أبوت أباد لم يكن يرى في سيف العدل نائباً ثانياً ناهيك عن أميراً لتنظيم القاعدة.
الغامدي ضد سيف
منذ الأيام الأولى لإعلان قتل الظواهري، برزت في أوساط القاعدة مقاومة لتعيين سيف العدل أميراً، لكنها مقاومة في الباطن. أما الأنصار، فيفضلون تأجيل البحث في العلاقة مع إيران وإن كانوا يعترفون ضمناً بهذه المعضلة. وأما على مستوى القيادة، فيبدو أن هذه المقاومة تعاظمت في الأشهر الأخيرة. فمن بات يقودها بين من تبقى من رجالات القاعدة؟ في الحلقة 199 من هذا البرنامج، تحدث الباحث الفرنسي كيفين جاكسون حول مقاومة يترأسها حمزة الغامدي ضد تولي سيف العدل إمارة تنظيم القاعدة. يقول جاكسون إن الغامدي يتمتع بسجل جهادي لا غبار عليه يفوق سجل سيف العدل، ناهيك عن أن الغامدي يعيش في أفغانستان بحسب ما نقله أيمن دين وهو عنصر منشق من القاعدة. ويخلص جاكسون إلى أن من تبقى من قيادات القاعدة ينظرون إلى سيف العدل بعين الريبة والشك نظراً لعيشه في إيران طول عقدين وأزيد.
حرج طالبان
إعلان قتل الظواهري عرّى علاقة تنظيم القاعدة مع طالبان – تلك العلاقة التاريخية التي يتفاخر بها أمراء القاعدة وأنصارها حتى عدّوا عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان انتصاراً لمنهجهم وإثباتاً لصدق نهجهم من هيرات إلى نيويورك.
لكن طالبان ما انفكوا ينفون هذه العلاقة ليس فقط من باب الالتزام ببنود اتفاق الدوحة وإنما تمثلاً لخلافات داخلية بين قندهار وكابول – بين جماعة حقاني وجماعة أخوندزاده.
في فترة رصد هذا البرنامج، في 28 يوليو، عاد ذبيح الله مجاهد الناطق باسم طالبان ليؤكد قطع العلاقة بينهم والقاعدة في معرض رده على تقرير دوري لمجلس الأمن الدولي رقم S/2023/549 الصادر في 25 يوليو. فقال إن الحديث عن علاقة “غير صحيح”.
في المقابل، لا بد أن نذكر أنه في يناير الماضي 2023، نقل الصحفي الأفغاني سامي يوسف زاي، مراسل CBS وDaily Beast، عن مصادر داخل القاعدة أن التنظيم سوف يعلن عن وفاة الظواهري “بالمرض” وأن طالبان “توسلوا” إلى القاعدة كي لا يعلنوا أنه قُتل في كابول. فمن إذاً في طالبان يريد توريط الآخر باستضافة رأس القاعدة؟ في الحلقة 151 من هذا البرنامج تحدث الدكتور محمد صفر عن علاقة متشنجة بين طالبان والقاعدة منذ أيام الغزو الأمريكي لأفغانستان وهو ما دفع مجموعات من القاعدة إلى الانتقال إلى إيران. يتحدث صفر عن تيار حقاني الذي يمثل التيار المتشدد في طالبان وهو الذي كان يوفر الحماية للقاعدة سابقاً وهو الذي يمسك اليوم بزمام العسكرة والأمن. يرجح صفر أن من استضاف الظواهري لم يدرك حجم المجازفة بإحضاره إلى كابول ويتوقع أن يكون لهذه المسألة تبعات ليست بالقليلة.
مستقبل القاعدة
في المحصلة، أحداث العامين الأخيرين غيّرت وجه القاعدة. من ناحية، أثبت طالبان خطأ منهج القاعدة فعادوا إلى السلطة في بلد يسكنه 40 مليون نسمة على مساحة تعادل ضعف مساحة بلاد الشام مجتمعة، بشرط نبذ التنظيم وأفراده والجهاد العالمي الذي بشّر به. ومن ناحية انتقلت عدوى المجاهيل من داعش وهيئة تحرير الشام إلى قيادة القاعدة؛ ومن ناحية ثالثة انشغل التنظيم في مقارعة داعش هنا وهناك. فكيف ستحتفظ القاعدة بالشرعية والحظوة في العالم الجهادي التي اكتسبتها من وجود شخوص “الحرس القديم” على الهرم؟ الدكتور مروان شحادة تحدث في الحلقة 151 من هذا البرنامج وكرر أن “زمن القاعدة انتهى.” يقول: “قد تذوب القاعدة كتنظيم وتسمية وتتحول إلى جماعة جديدة. القاعدة أصبحت وصمة ولعنة على منتسبيها … وأتوقع أن تنتقل من العالمية إلى الإقليمية لأنها وجدت أنها لا تستطيع أن تواجه العالم أجمع في ظل مواجهة الحرب على الإرهاب بحيث أنهت كل قيادات الصف الأول والثاني والثالث؛ ناهيك عن وجود تنظيم ذي أيديولوجيا ولد من رحم القاعدة بما يساهم في إضعاف تنظيم القاعدة الأم”.