أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من 4 إلى 11 سبتمبر 2023
- في الذكرى الثانية والعشرين لهجمات سبتمبر، القاعدة عاجزة عن تقديم قيادي زعيم
- كيف خدع أسامة بن لادن الملا عمر وأوقع الشعب الأفغاني ضحية مغامراته؟ قراءة في كتاب أبي محمد المصري
ضيف الأسبوع، كيفين جاكسون، مدير البحث في مركز CAT Center لمكافحة الإرهاب في باريس، وصاحب مدونة All Eyes On Jihadism
11 سبتمبر
تصادف هذه الأيام الذكرى الـ 22 لهجمات 11 سبتمبر. وفي الوقت الذي يتغنى فيه أنصار القاعدة بالشخوص الذين قادوا تلك الهجمات، يتسع الفراغ في قمة هرم التنظيم إلى حد لم يسبق له مثيل.
أكثر من عام مضى على إعلان أمريكا قتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في ضيافة طالبان في العاصمة الأفغانية كابول ولما يحسم التنظيم بعد مصيره حياً كان أم ميتاً؛ ولهذا تبعات تتعلق بجدل حول هوية الخليفة وبيعة منتسبي التنظيم وأنصاره لمجهول أو ميت.
يتضح هذا الفراغ عندما لا يجد التنظيم شخصية قيادية حيّة تتصدر المناسبة. العام الماضي، في الذكرى الحادية والعشرين، وكان مضى على خبر قتل الظواهري أكثر من شهر، نشرت السحاب مطوية بعنوان ”مكاسب 11 سبتمبر“ لم تحمل توقيع القيادة العامة أو شخصية قيادية. بعد يوم، نشرت السحاب كتاباً بعنوان ”عمليات 11 سبتمبر بين الحقيقة والتشكيك“ بتوقيع أبي محمد المصري الذي كان نائب الظواهري حتى قتله في طهران في 2020.
هذا العام، يتكرر الأمر على الأقل حتى موعد تسجيل هذه الحلقة صباح الاثنين 11 سبتمبر.
صباح الأحد 10 سبتمبر، أعلنت السحاب عن إصدار مرتقب. عند المساء، نشرت العدد الحادي عشر من مجلة ”أمة واحدة“ خصصتها للمناسبة.
عابر سبيل
أهم ما في هذا العدد هو اعتراف القاعدة بأن عابر سبيل هو اسم مستعار لسيف العدل، محمد صلاح الدين زيدان. على طول الصفحة الثالثة، تشير السحاب إلى أنها مسؤولة عن إصدار ”قراءة حرة في كتاب 33 استراتيجية … جمع وترتيب محمد صلاح الدين زيدان (عابر سبيل) 2017 – 2022؛ وهي سلسلة مقالات اشتُهرت في موقع مافا السياسي الذي يديره من طهران مصطفى حامد أبو الوليد المصري صهر سيف العدل.
في الصفحات الداخلية يكتب مرة أخرى أبو خالد الصنعاني الذي بات ثابتاً أنه إما اسم مستعار آخر لسيف العدل أو أنه شخص ينسخ ما يكتبه سيف العدل. مقال الصنعاني بعنوان ”الحادي عشر ورد فعل الرعب المتوالي“ فيه إشارة إلى كتاب ”33 استراتيجية للحرب“ للمؤلف روبرت غرين.
ماذا يريد القاعديون؟
وفي موازاة إعلام القاعدة الرسمي، ينشط الرديف في نشر مقالات أو استرجاع أرشيف المناسبة مثل رسالة بلال خريسات أبي خديجة الأردني التي كانت بعنوان ”نعم نحن من فعلناها“ تعود إلى العام 2018؛ أو كُتيب ”مَن المنتصر“ من الملاحم – إعلام قاعدة اليمن – من سبتمبر 2020.
”من وحي الغزوة،“ نشرت مؤسسة النازعات مقالين لأبي عبيدة مويلك ولقمان بن عبدالحكيم وفيهما محاولة لاستنهاض الهمم بأن يأتي الجهاديون فعلاً بحجم هجمات سبتمبر. في المقالين ملاحظات لافتة.
يعتبر مويلك أن هجمات سبتمبر أصابت ”مقصداً شرعياً وحركياً؛“ ويقول إن ”الصدق واستعلاء الإيمان“ جلبا ”الإبداع“ في تنفيذ الهجمات. فيما كتب لقمان عن ”حالة يأس عامة ضاربة أبناء الحركة الجهادية،“ مردها إلى أمرين: ”الفتنة التي حصلت في الشام“ و ”تصور الإخوة لساحة الجهاد الرومنسي، التي ربما اعتبروها ساحة محبة بين الجميع، لا يُقتل فيها إلا الكافر، ومن استُشهد فإن رائحته تفوح مسكاً، والسلام.“ وعليه يدعو إلى ”ضربات موجعة تلهب حماس العوام.“ مؤكداً على ”الجندية“ بمعنى السمع والطاعة ”للقادة والأمراء أهل العلم والحكمة.“
كل هذا كلام مهم لأنه يؤشر على الطريقة التي يفكر بها الجهاديون – فهم يدعون إلى أرض محروقة كما يفعل ”الطاغوت“ الذي يدّعون محاربته. كما يبررون القتل بطريقة تبعث على الألم. كما يؤشر إلى الأهمية التي يوليها القاعديون ”لوليّ الأمر.“ ومن هنا نأتي إلى العلاقة بين أسامة بن لادن والملا محمد عمر.
بن لادن خالف الملا عمر
ثمة أمران في هذه المسألة. أولاً، أن القاعدة لا يمكن بأي حال أن تجد مسوغاً شرعياً لهجمات سبتمبر لأنهم ببساطة خالفوا تعليمات الملا محمد عمر زعيم طالبان وقتئذ و“أمير المؤمنين“ الذي بايعه أسامة بن لادن ومن معه على السمع والطاعة. الملا عمر لم يأذن لأسامة بن لادن بمهاجمة أمريكا لا في داخل الأراضي الأمريكية ولا خارجها؛ بل إن أسامة التفّ على الملا عمر وخدعه. وهذا ثابت بشهادة عرّابي القاعدة أنفسهم.
أبو محمد المصري، نائب الظواهري، وصهر أسامة بن لادن، يذكر في كتابه ”عمليات 11 سبتمبر بين الحقيقة والتشكيك“ المنشور في سبتمبر 2022؛ أن ”أمير المؤمنين الملا محمد عمر (أمر) بوقف العمليات الخارجية على الأمريكان والتركيز على العمل الجبهوي (داخل أفغانستان).“ في ذلك الوقت، كان بن لادن قد أرسل انتحارييه إلى أمريكا وكانوا ينتظرون ساعة الصفر. يتابع أبو محمد: “كان لزاماً علينا السمع والطاعة لأمير المؤمنين الملا محمد عمر ابتداءً، ثم السعي للحصول على إذن لتلك العملية، وحدثت جلسات مع قادة الإمارة الإسلامية حول ضرورة السماح لنا بالعمل الخارجي، فجاء الإذن من أمير المؤمنين بالسماح بضرب الأهداف اليهودية … وكان لابد من اتخاذ خطوات للتوفيق بين العملية، وبين توجيهات أمير المؤمنين”.
يقول أبو محمد إن مجلس شورى القاعدة ”عقد جلسات مكثفة“ للبت في هذا الشأن أو المعضلة ”ودار النقاش حول إمكانية تحويل الضربة من أهداف أمريكية إلى أهداف يهودية داخل أمريكا؛“ لافتاً إلى أن هذا لن يغير من حقيقة أن الاستهداف سيظل على أرضٍ أمريكية. تم إبلاغ محمد عطا بتغيير الأهداف إلى ”يهودية“ ولكنه قال إن ذلك غير ممكن لأنهم كانوا أتموا التحضيرات. نفهم من هذا الكلام أن مجلس الشورى كان يدرك المخالفة الشرعية ولكنه حاول يائساً تطويع تعليمات الملا عمر بتحويل الأهداف. وعلى مستوى ثانٍ، كان محمد عطا يدرك أن ”أمير المؤمنين“ يرفض هذا العمل، ولكنه وأميره المباشر أسامة بن لادن أصرّا على العصيان.
في المحصلة، لا يوضح أبو محمد كيف قرر مجلس شورى القاعدة الاستمرار في ”العمل“ وأي مسوّغ أتى به لتبرير المخالفة الشرعية.
وعن هذا الجدل يتحدث زعيم القاعدة في اليمن ناصر الوحيشي في مذكراته التي نشرتها صحيفة المسرى الصادرة عن التنظيم في يناير 2016.
يروي الوحيشي أن مصطفى أبو اليزيد، وكان حتى قتله في 2020 المسؤولَ العام لتنظيم القاعدة في أفغانستان، طلب الرجوع إلى الملا عمر بصفته “أميرَ المؤمنين” كشرط شرعي قبل التنفيذ. فرد بن لادن أن “أمير المؤمنين” سمح له بضرب اليهود وأن “الأمريكان هم الوجه الآخر لليهود.” وعندما لم يقتنع أبو اليزيد وغيره بهذا المنطق، قال بن لادن إن ”الاستئذان من الأمير سيؤخر“ القتال وبالتالي أجاز المخالفة.
كذلك ذكر خبيب السوداني، القيادي في قاعدة اليمن، في كتابه الذي احتفت به السحاب ”شذرات من تاريخ القاعدة“ أن ”بعض الإخوة“ اختلفوا مع أسامة بن لادن بسبب إصراره على ”تصعيد المواجهة مع أمريكا“ وكان منهم المسؤول عن اللجنة الشرعية، أبو حفص الموريتاني الذي استقال من القاعدة احتجاجاً على تنفيذ الهجمات.
بن لادن كذب على الملا عمر
بالرغم من هذه الحقائق التي يجهلها أو يتجاهلها أنصار القاعدة، يتفاخرون هم وأنصار طالبان، بأن الملا عمر رفض تسليم أسامة بن لادن لأمريكا بعد تنفيذه الهجمات. وهذا صحيح. الملا عمر طلب دليلاً من أمريكا على تورط أسامة في الهجمات، ولم يأته الدليل، خاصة أن بن لادن كان ينكر في البداية تورطه في الهجمات وإن امتدحها فلم يتبناها إلا بعد مرور ثلاثة أعوام تقريباً بعد أن سُحق الشعب الأفغاني.
في ديسمبر 2001، ظهر بن لادن في الجزيرة ينتقد تكالب أمريكا عليه وعلى أفغانستان بسبب ما وصفه بـ ”مجرد شبهة.“
يقول بن لادن: ”ولو كان عند أميركا من الأدلة ما يصل إلى درجة اليقين أن الذين قاموا بهذا العمل كانوا ينتسبون إلى أوروبا، كالجيش الإيرلندي مثلا، لكان عندها من السبل الكثير لعلاج هذه المشكلة، ولكن لما كان الأمر مجرد شبهة تشير إلى العالم الإسلامي فظهر الوجه القبيح الحقيقي وظهر الحقد الصليبي على العالم الإسلامي بوضوح. … فما تتهم به أميركا هذه الفئة المهاجرة المجاهدة في سبيل الله لا يقوم عليه دليل وإنما هو البغي والظلم والعدوان”.
لكن في أكتوبر 2004، ومن خلال الجزيرة أيضاً، تبنى بن لادن الهجمات رسمياً. يقول: ”ما خطر في بالنا ضرب الأبراج, ولكن بعدما طفح الكيل وشاهدنا ظلم وتعسف التحالف الأمريكي ‘الإسرائيلي’ على أهلنا في فلسطين ولبنان تبادر إلى ذهني ذلك … وبينما أنا أنظر إلى تلك الأبراج المدمرة في لبنان أنقدح في ذهني أن نعاقب الظالم بالمثل وأن ندمر أبراجًا في أمريكا … كنا قد اتفقنا مع الأمير العام محمد عطا ـ رحمه الله- أن ينجز جميع العمليات خلال 20 دقيقة قبل أن ينتبه بوش وإداراته”.
القاعدة تقامر بدم الأفغان
الأمر الثاني اللافت عندما يتغنى أنصار القاعدة بهجمات سبتمبر هو أنهم يعددون خسائر أمريكا البشرية والمادية؛ متجاهلين تضحيات الشعب الأفغاني الذي وقع ضحية طموح بن لادن ومغامراته.
من المفارقات المؤلمة ما نقرأ في كتاب أبي محمد المصري عن إجراءات مسبقة اتخذها تنظيم القاعدة لتأمين كوادره وأسرهم إن ضربت أمريكا ” حتى لو استخدمت أمريكا السلاح النووي؛ غير آبهين بالأفغان قادة وشعباً. يقول: ”كان الجميع يتوقع ردة فعل قوية لهذا الحدث … ولم نستبعد الخيار النووي الذي تلوح به أمريكا في كل خلافاتها الدولية، لذلك بدأنا في الترتيبات اللازمة لما بعد العملية ومنها: لابد من توفير مأوى لتلك الأسر يتناسب مع طبيعة الموقف والحدث الجديد؛ مغادرة بعض الكوادر الهامة لترتيب الوضع في اليمن؛ مغادرة بعض الأُسر … من ضمن الترتيبات التي تم مناقشتها قبل الأحداث هو إيجاد مكان آمن للشيخ أسامة وبعض القيادات في الصومال.“