الأدبيات الإيرانية باتت واضحة في خطابات سيف العدل
- ابن المدني: إعلام القاعدة يتجرأ في تثبيت علاقة إيران بسيف العدل
- الخليفة الخامس: داعش إلى انكماش في القيادة وعلى الأرض
- ظل الله على الأرض: صراع القمة في طالبان بين معسكر أخوندزادة وشبكة حقّاني
أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نخصصها لحصاد 2023 – استعراض أهم أحداث الساحة الجهادية التي مرت العام الفائت.
انقضى العام ولمّا تنتهي الآلام في غزة، المسافة بين عامين ستظل مساحة يغفو فيها أكثر من ٢٠ ألف غزيّ “في قيلولة الزمن الصغير”.
في عالم الجهادية، تظل غزة العنوان الأبرز من حيث أن الحرب هناك فضحت اتساع الرقع في التنظير الجهادي وفشل الجهاديين في وضع مشروع حقيقي يقيم وزناً للحياة تُعمّر هذه الأرض.
في 2023، القاعدة لم تعد تتحرج من إخفاء الأثر الإيراني على سيف العدل وتسخير مقدرات التنظيم في خدمة ملالي طهران.
وفي 2023، تواصل استنزاف قيادات داعش من مستوى الخليفة إلى الصف الأول. لكن مع انحسار مواردها من شرق إفريقيا، تنافس غير مسبوق مع القاعدة في إفريقيا.
طالبان تتفرد بالسلطة وتعيد أفغانستان إلى العصور الوسطى.
الجولاني ينجح في سحق انقلابات في داخل الداخل.
مسلمو الإيغور تحت رحمة الصين: لا بواكي لهم في 2023.
وطوفان غير مسبوق من الأخبار الزائفة على الإنترنت.
القاعدة 2023: عام سيف العدل
انقضى العام 2023 ولم تحسم القاعدة مصير زعيمها أيمن الظواهري حياً كان أم ميتاً. في المقابل، كان العام 2023 عام سيف العدل بامتياز إذ احتفى به إعلام القاعدة الرسمي تصريحاً وتلميحاً وبشكل غير مسبوق.
افتتح العام بتقرير لمجلس الأمن الدولي يؤكد أن سيف العدل بات زعيم القاعدة “الفعلي” ولكن غير المعلن.
تقرير فبراير 2023 ذكر أن القاعدة تدرك أن تنصيب سيف العدل علناً زعيماً للتنظيم سيحرج الحليف والقدوة طالبان الذين ما انفكوا ينفون تورطهم أو علمهم باستضافة الظواهري في كابل حيث قُتل؛ مخالفين بذلك اتفاق الدوحة ٢٠٢٠.
المأزق الأعمق يتعلق بوجود سيف العدل في إيران منذ ٢٠٠١؛ حيث يعيش “حراً طليقاً” وإن كان ممنوعاً من السفر إلى خارج الدولة. فهل يستطيع مجلس شورى القاعدة تجاوز هذه القبضة الإيرانية؟ وهل يستطيع سيف نفسه مقاومة هذا الأثر؟.
في 2023، طفا على السطح ما يشي بأن قيادة القاعدة لم تعد تتحرّج من إبراز دور سيف حتى وإن كان في إيران.
في مقدمات ذلك، نقل مراسل أخبار الآن في اليمن في فبراير 2023، أن سيف العدل ابتعث ابناً له إلى اليمن ليعمل قريباً من خالد باطرفي زعيم التنظيم الذي بدوره سخّر قدرات التنظيم لقتال القوات اليمنية المدعومة عربياً مقابل تحييد الحوثيين المدعومين إيرانياً تحييداً تاماً.
تباعاً، كثف إعلام القاعدة الرسمي المنشورات التي لا تحتفي وحسب بسيف العدل وإنّما تُذكّر كل مرة بعلاقة الرجل مع موقع مافا السياسي الإيراني الذي يقوم عليه حموه، مصطفى حامد أبو الوليد المصري.
بدءاً من مارس 2023، أعادت السحاب نشر مقالات ظهرت سابقاً في موقع مافا بتوقيع عابر سبيل وهو الاسم الذي ظلّت تبعيته لسيف العدل محلّ تكهن إلى أن ثبتته القاعدة. مقالات السحاب جُيّرت لأسماء مستعارة مثل حازم المدني، وأبي خالد الصنعاني.
هذا الحراك الإعلامي وصل أوُجّه في الذكرى الثانية والعشرين لهجمات سبتمر عندما نشرت السحاب كتاب “قراءة حرة في كتاب [33] استراتيجية للحرب” باسم سيف العدل الصريح والمستعار.
نُشرت في الإنترنت أجزاء من الكتاب بدءاً من العام ٢٠١٧، إلا أن أشهر من نُشر منه جاء في سلسلة مقالات منفردة عرضها موقع مافا الإيراني.
في الطبعة التي نشرتها السحاب، لا يخفي سيف العدل إعجابه بنظام الحكم في إيران ومن والاها، فمثلاً، يدعو تنظيم قاعدة اليمن إلى أن يحذو حذو الحوثيين، ذراع إيران هناك، فيما يتعلق بـ “احتراف صناعة الصواريخ”.
كما يشيد بقدرة إيران على التفاوض من خلال “الأبواب الخلفية”.
وكذلك يشيد بنموذج الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني الذي أشرف على “خطة الخداع الإستراتيجي” ضد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب.
ويظهر الأثر الإيراني جلياً في اللغة التي يستخدمها سيف العدل. فلفت استخدامه عبارة “من طرفي” في بداية جمل تفيد معنى “من ناحيتي” واللافت أن هذا تعبير يستخدم في الفارسية (آز طرف ما). فقلما تُستخدم عبارة “من طرفي” في العربية في بداية الكلام بهذا المعنى.
هذا الأثر الإيراني ظهر أيضاً في أدبيات القاعدة المتجددة. في يونيو 2023، نشر خبيب السوداني القيادي في قاعدة اليمن الطبعة الثانية من كتابه “شذرات من تاريخ القاعدة “. وعند مقارنة الطبعتين، لفت أن السوداني أقحم في الثانية جملاً وفقراتٍ منسوبةً إلى سيف العدل.
كما ورد في هذه الطبعة ما يشي بأن قيادات القاعدة في إيران أكثر “من مجرد سيف (العدل) والمغربي (صهر الظواهري والمرشح لزعامة التنظيم)”.
سيف في خاصرة اليمن
الغموض في هرم القاعدة ظهر في صراع غير معلن في قيادة قاعدة اليمن بين جناح يؤيد سيف – وأبرز رموزه خالد باطرفي وإبراهيم البنا؛ وآخر معارض – وأبرز رموزه سعد بن عاطف العولقي.
افتتح العام 2023، بخبر قتل القيادي الرفيع في قاعدة اليمن ومسؤولها الإعلامي حمد بن حمود التميمي في غارة في مأرب شمال صنعاء.
مراسل أخبار الآن في اليمن علّق :”بمقتل التميمي يكون آخر القادة السعوديين الأقوياء قد رحل عن القاعدة، وأصبح التنظيم واقعا أكثر تحت نفوذ الزمرة المصرية بقيادة إبراهيم البنا وابن سيف العدل”.
وهكذا، كان لافتاً في ١٤ فبراير، أن بثّت الملاحم إصداراً نادراً ظهر فيه سعد العولقي متحدثاً وجالساً إلى جانب باطرفي فيما يبدو أنه محاولة لنفي وجود خلافات بين الرجلين.
لكن في النصف الثاني من العام، تزايدت الأنباء عن صراع الأجنحة ومحاولة تغوّل إبراهيم البنا، مسؤول التنظيم الأمني، على مقاليد الحكم.
حراس القاعدة والمصير المجهول
لا شيئ يُذكر عن القاعدة في الشام في 2023 ممثلة بفرعها حراس الدين، سوى أن الخارجية الأمريكية أدرجت اسم سامي العريدي القيادي في الحراس على قائمة الإرهاب؛ مذكّرة بمكافأة مليونية لمن يدلي بمعلومات تقود إلى اعتقاله.
يلفت هذا الخبر بين أن يكون إجراءاً روتينياً أو محاولة احتواء شخصية قد تكون فاعلة في مخطط سيف العدل لإحياء القاعدة.
قاعدة الصومال وصراع الدولارات
ختم العام 2023 على قتل معلم أيمن، أحد أهم القياديين الميدانيين في تنظيم شباب ممثل القاعدة في الصومال.
المهم في قتل معلم أيمن، هو أنه ربما كان مؤشراً آخرا على خلافات تعتمل داخل الجماعة بين مهاد كاراتي مسؤول الأمنيات وأحمد ديريه زعيم التنظيم.
سبب هذه الخلافات هو الرغبة في السيطرة على مقدرات التنظيم المالية. بحسب لونغ وور جورنال Long War Journal، جماعة شباب هي أغنى أفرع للقاعدة بإيرادات تتجاوز ١٠٠ مليون دولار سنوياً من نشاطاتها الإرهابية في الصومال وشرق إفريقيا.
في 2023 وتحديداً في مايو، ظهر ما يشي بهذه الخلافات عندما غاب كاراتي عن حدث مهم هو “الدورة الثانية للاجتماع التشاوري حول قضايا الجهاد في شرق إفريقيا؛” وهو الحفل الذي حضره أمير التنظيم ديريه على غير العادة.
إياد أغ غالي وأحلام السلطة
القاعدة في الساحل الإفريقي ممثلة بجماعة نصرة الإسلام والمسلمين تواجه تنافساً مميتاً مع داعش خاصة في منطقة ميناكا على حدود مالي، النيجر، بوركينا فاسو.
ظهر هذا التنافس في الخسائر البشرية والمالية التي مُني بها تحالف القاعدة؛ بالإضافة إلى التنافس على ولاءات أزواغ أو الطوارق هناك.
سياسياً، ختم العام بإعلان زعيم نصرة، إياد أغ غالي، رفض التفاوض مع الحكومة على المركزية أو أي شكل من تشارك السلطة في أي سيناريو محتمل. إياد يريد حرباً شاملة يكون فيها هو الحاكم ليس فقط في مالي ولكن في النيجر وبوركينافاسو أيضاً.
داعش 2023: تقلص الموارد البشرية والمالية
يتواصل استنزاف قيادة داعش على مستوى القمة: الخليفة والصف الأول. في أغسطس 2023، أكد داعش أن “خليفته” الرابع أبا الحسين الحسيني القرشي قُتل في “معارك” مع هيئة تحرير الشام في نواحي إدلب شمال سوريا، وأنه تم تنصيب” خليفة” خامس يحمل اسم أبي حفص الهاشمي القرشي.
داعش أكد كذلك اعتقال المتحدث السابق للتنظيم أبي عمر المهاجر وتعيين متحدث جديد هو أبو حذيفة الأنصاري.
في هذا الحدث، دار جدل حول هوية الفاعل. داعش قال إن الهيئة هي من قتلت واعتقلت. لكن الهيئة نفت. وقبل أربعة أشهر من هذا التاريخ، وتحديداً في أبريل 2023، أعلنت تركيا أن أجهزتها الأمنية هي من تمكنت من تحييد زعيم تنظيم داعش في غارة على جنديريس شمال إدلب.
هكذا باتت تتسع فترات تعيين “خلفاء” داعش. وصلت هذه المرة إلى ٩٦ يوماً الأمر الذي يؤشر على فقر في قائمة الشخوص الذين يمكن أن يقدمهم التنظيم إلى جمهوره.
ولا يقتصر هذا العجز على القمة، وإنما على المتنفذين خاصة من الصف الأول. مطلع 2023، توالت غارات التحالف على أهداف داعش في شمال سوريا، فقتلت واعتقلت عدداً من مسؤولي التنظيم في ولاية الشام تحديداً وهي الولاية التي باتت تُسيّر شؤوون التنظيم فعلياً عوضاً عن ولاية العراق.
أبرز القتلى في هذه الفترة كان مثل مسؤول داعش الشام إبراهيم القحطاني و خالد عايد أحمد الجبوري الذي كان مسؤولاً عن التخطيط لهجمات في أوروبا.
إلا أن الاسم الأبرز كان أبو سارة العراقي عبدالرؤوف المهاجر (كفوش) الذي يُعد الرجل الثاني في التنظيم الذي قُتل في غارة يوم ٢٤ فبراير 2023 على طريق قاح شمال إدلب. أبو سارة هو “الحاكم الفعلي” للتنظيم باعتباره أمير الولايات البعيدة في التنظيم وهو منصب حل محل رئيس اللجنة المفوضة.
في محاولة لتجفيف منابع تمويل داعش، تمكنت أمريكا في يناير 2023، من قتل أبي بلال السوداني الذي يمثل شريان حياة التنظيم في شرق إفريقيا باعتباره المسؤول عن التمويل والذي طال حتى المركز في العراق والشام. أبو بلال هو أحد أمراء ما يُسمى “مكتب الكرار” الذي يدير العمليات في الصومال والدول الحدودية القريبة منها وولاية وسط أفريقيا (الكونغو والموزمبيق).
داعش: انكماش الأرض
الانكماش في القيادة وازاه انكماش على الأرض. مينا اللامي، المتخصصة في رصد الجماعات الإرهابية ضمن برنامج BBC Monitoring، لاحظت أن هجمات داعش تقلصت في 2023 بمقدار أكثر من النصف عمّا كانت عليه العام الماضي.
داعش خراسان
منذ استيلاء طالبان على الحكم في أفغانستان، برز داعش خراسان خطراً حقيقياً حتى اعتبره البعض أقوى أفرع التنظيم المتهالك. إذ شنّ التنظيم هجمات نوعية على أهداف طالبان مثل استهداف وزارة الخارجية في كابول في يناير 2023؛ واغتيال حاكم إقليم بلخ الشمالي في مارس 2023.
لكن سرعان ما مُني التنظيم بخسائر قاصمة في صفوفه القيادية.
في مارس 2023، قتلت طالبان مولوي ضياء الدين أبا سعد الخراساني مسؤول القضاء في داعش خراسان؛ وكان في وقت من الأوقات زعيماً مؤقتاً للتنظيم قبيل تعيين الزعيم الحالي، الدكتور شهاب المهاجر، في ٢٠٢٠.
ومعه قُتل أبو عمر أفريدي عضو مجلس شورى التنظيم هناك، وأستاد سلمان الطاجيكي خبير المتفجرات والعسكرة.
وفي مايو 2023، أعلن حساب موال لطالبان أن الجماعة قتلت نائب أمير داعش المعروف بـ “المهندس عمر” في ناحية باغرامي قرب العاصمة كابول.
طالبان 2023: عودة إلى الوراء الوراء
فيما تسعى طالبان إلى اعتراف دولي ومقعد في الأمم المتحدة، تظهر خلافات داخل أقطاب الجماعة؛ وتتعمق أخرى بين الجماعة ومريديها من منظري الجهادية القاعديين الذين يعتبرونها مثلاً وقدوة.
في فبراير 2023، وفي حدث نادر، وجه سراج الدين حقاني، وزير الداخلية بالوكالة في حكومة طالبان، انتقاداً مبطناً ولكن شديداً لزعيم الجماعة هبة الله أخوندزادة القابع في قندهار. ما استدعى رداً من المتحدث الأول باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، مستنكراً أن “يُهان” “أمير المؤمنين” أخوندزادة على هذا النحو.
وعند الجهاديين، لا تزال العقدة الإيرانية وعلاقة طالبان بإيران شوكة في الحلق يصعب بلعها أو لفظها.
في فبراير 2023، حضر مسؤولو طالبان حفلاً للسفارة الإيرانية في كابول بمناسبة ذكرى ثورة الخميني.
منظر الجهادية، طارق عبدالحليم، قال على إكس: “ما شأنكم في الاحتفال بثورة الروافض المعادين القاتلين لإخوانكم السنة في سوريا واليمن ولبنان والعراق! عجبي! ماذا تقولون لضحاياهم؟!
في أبريل 2023 تداول أنصار طالبان صور لوحات إعلانية رُفعت في العاصمة كابول تقول: “سنفطر في القدس”. احتفاء أنصار طالبان باللوحات لم يجد ما يوازيه سوى احتفاء القنوات الإيرانية بها؛ حتى نُقل أن اللوحات رُفعت بدعم من السفارة الإيرانية في كابول.
طالبان و”انكسار” القلم
فيما تواصل طالبان منع التعليم الثانوي والجامعي للإناث في أفغانستان، انقضّ أمنيو الجماعة على ناشطين وأكاديميين يحاولون كسر هذا الحصار التعليمي، فاعتقلوا في فبراير الأستاذ الجامعي إسماعيل مشعل الذي مزّق شهاداته في مقابلة تلفزيونية احتجاجاً على قرار طالبان، وأقام لاحقاً كشكاً لتوفير الكتب للطالبات.
وفي مارس اعتقلوا مطيع الله ويسا مؤسس منظمة Pen Path – مسار القلم التي توفر مدارس ومكتبات متنقلة لتعليم البنات والأولاد على حد سواء خاصة في المناطق النائية.