غياب الظواهري … هل تحل القاعدة ”أزمة فراغ السلطة“؟

أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من 29 يوليو إلى ٤ أغسطس 2024. إلى العناوين:

  • في الذكرى الثانية لقتل الظواهري، هل تحلّ القاعدة ”أزمة فراغ السلطة“؟
  • كيف تفاعل الجهاديون مع اغتيال هنية؟ اضطراب مركب بين أنصار القاعدة
  • داعش يشغل إذاعتين شمال أفغانستان

ضيف الأسبوع، الدكتور آرون زيلين @azelin من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومؤسس موقع jihadology ومؤلف كتاب ”أبناؤكم في خدمتكم: المبشرون بالجهاد التوانسة.“ يحدثنا عن خطر داعش المتنامي وعن صمت القاعدة المطبق.

غياب الظواهري … هل تحل القاعدة ”أزمة فراغ السلطة“؟

في 31 يوليو 2021، أي قبل عامين، أعلنت أمريكا أنها قتلت زعيم القاعدة أيمن الظواهري في مقر إقامته في العاصمة الأفغانية كابول.

حتى اليوم، تنفي حكومة طالبان أن الظواهري كان في ضيافتهم أو أنه كان في المدينة أصلاً. والأهم أن القاعدة نفسَها لا تزال صامته حيال مصير الرجل حياً كان أم ميتاً الأمر الذي يثير تساؤلات حول مسألة بيعة الأمير وهوية الزعيم الذي قد يخلف الظواهري.

في الذكرى الثانية لقتل الظواهري، هل تحلّ القاعدة ”أزمة فراغ السلطة“؟

في هذا الملف، نشر الصحفيان في أخبار الآن جنان موسى وهارالد دورنبوس تفاصيل الأيام الأخيرة في حياة الظواهري. في الخلاصة أن ضابط استخبارات شاباً في طالبان هو من تولى نقل الظواهري إلى كابول من دون علم القيادة العليا للجماعة. أقام الظواهري في منزل آمن تابع لطالبان ولكن بسبب المسيرات الأمريكية، نُقل إلى منزل آخر تعقبته المسيرات مرة أخرى. عندها نُقل الخبر إلى وزير الداخلية بالإنابة سراج الدين حقاني الذي غضب واضطرب عندما علم بوجود الظواهري. لكن حقاني اضطر إلى نقل الظواهري إلى منزل آمن ثالث وهو المنزل الذي قُتل فيه.

تفصيل آخر ينقله الصحفيان هو أن المنزل كان فيه كاميرات مراقبة ساهمت في تعقب تحركات الرجل حتى ساعاته الأخيرة.

تفصيل ثالث مهم هو أن حمزة الغامدي، الذي يُعتقد أنه مرشح قوي لخلافة الظواهري، كان يلازمه أثناء تنقله؛ وعليه يتساءل الصحفيان إن كان الغامدي لعب دوراً في إقناع الظواهري بالانتقال إلى كابول.

تأتي هذه التفاصيل إذاً فيما لا يزال هرم القاعدة مجهول الهوية. وهنا كتب الحساب الجهادي أنباء جاسم مقالاً بعنوان: ”نصيحة مجانية للقيادة العامة: حل أزمة فراغ السلطة.“

المقال يدعو القيادة العامة لتنظيم القاعدة إلى حسم مصير الظواهري ذلك أن التردد سيصعّب الأمر على القيادة والقواعد بالنظر إلى تداعي ”خلافات حول اختيار شخصية توافقية تضمن تماسك التنظيم؛“ وبالنظر إلى العلاقة الإيرانية من خلال سيف العدل، الزعيم الفعلي غير المُعلن. أما عن العلاقة الطالبانية وما إذا كان الإقرار بموت الظواهري سيحرج الجماعة، يقول أنباء جاسم إن ذلك لن يغير من ”موقف النظام العالمي“ من طالبان وإن العالم سينشغل بالخبر ”ربما أسبوع أو أسبوعين وبعدها ينتقل انتباههم إلى شيئ آخر.“

كيف تفاعل الجهاديون مع اغتيال هنية؟

إذاً، في طهران فجر الأربعاء 31 يوليو 2024، اغتيل إسماعيل هنية الشخصية السياسية الأولى في حماس. بالرغم من أن ردود فعل الجهاديين على الحدث متوقعة بالنظر إلى حوادث سابقة، إلا أن الانقسام في أوساط أنصار القاعدة تحديداً اتسع حتى صار صعباً حصرُ مواقفهم من حيث تبريرُهم تحالف حماس مع إيران.

حتى ساعة إعداد هذه الحلقة، لم يصدر عن قيادة تنظيم القاعدة بيان بخصوص اغتيال هنية. لنتذكر أن قيادة التنظيم في أبريل الماضي نشرت بياناً بعنوان ”تعزية وتهنئة في آل هنية“ عندما قُتل ستة من أبنائه وأحفاده. البيان وصف هنية بعبارات التبجيل من قبيل ”فضيلة الشيخ أبي العبد إسماعيل“ ودعا أن يكون إماماً ”يفتح على أيديكم أبواب الخيرات على هذه الأمة.

رسمياً، يبرز فرع القاعدة في شبه القارة الهندية معزياً كما حدث في يناير الماضي عندما سارع إلى التعزية بصالح العاروري نائب هنية في ذلك الوقت بعد اغتياله في بيروت.
القاعدة في شبه القارة الهندية أصدر بياناً وصف فيه اغتيال هنية بأنه امتداد لاغتيالات شملت أسامة بن لادن وأبي محمد المصري.

الجماعات الجهادية الأخرى التي عزت بهنية تشمل طالبان أفغانستان إذ قدموا العزاء شخصياً في طهران والدوحة؛ وجماعة طالبان باكستان التي نشرت بياناً وصف هنية ”بالشيخ القائد المجاهد الشهيد.“

أما جماعة جيش العدل، وهي جماعة سنية في إيران تناهض نظام الحكم في طهران، فنشرت بيان تعزية كان لافتاً. في الفقرة الأخيرة أشار البيان إلى أن ”نظام الفقيه“ يحاول ”استغلال“ اغتيال هنية لتنفيذ أجندات خاصة ملمحاً إلى أن طهران ”ربما“ تورطت في الاغتيال. جاء في البيان: ”نعتقد أنه من الضروري ألا يكون نظام الفقيه في موقع الانتقام لهنية باعتباره أحد المشتبه بهم في الاغتيال.“

بالعودة إلى القاعدة، فقد انشغل أنصارها مرة أخرى في جواز الترحم على قيادي في حماس؛ وفي تفهم علاقة حماس بإيران.

مرد هذا الجدل يعود إلى ثلاث مسائل. أولاً، يرى الجهاديون والسلفيون أن حماس في غزة لا تحكم بالشريعة وتقبل الديمقراطية التي هي في عرفهم كفر. ثانياً، حماس قتلت مسلمين في مسجد في إشارة إلى قتل أبي النور المقدسي في أحداث جامع ابن تيمية في 2009. وثالثاً، حماس تتحالف مع إيران وتمجد قادتهم الأحياء والأموات. وبالتالي، يخوض أنصار القاعدة في مسائل معقدة مثل: هل حماس ”معذورة“ في تحالفها مع إيران؟ وإن عجزوا عن حسم الجواب، يحاولون الغوص في مسائل أقل تعقيداً مثل هل يجوز الترحم على من يُقتل أو يموت من حماس؟

أفتى في هذه المسائل، بدرجات مختلفة من الحكم، أبو محمد المقدسي وجماعته في منبر التوحيد والجهاد. لكن رغم ذلك، يبدو أن جُلّ أنصار القاعدة يذهبون إلى رفع شأن هنية إعذاراً لحماس من باب فقه الضرورة؛ حتى إنهم يساوون علاقة حماس بإيران بالمضطر يأكل لحم الميتة.

وهنا يظهر الاضطراب عندما لا يجد هؤلاء الأنصار مرجعية يلتجئون إليها فتضيع بوصلتهم.

أبو محمود الفلسطيني، تلميذ أبي قتادة، علّق على مسألة الاضطرار من دون أن يربطها صراحة بحماس، وقال: ”البعض جعل من فقه الضرورة معيارَ الحق والأصل الذي يُبني عليه، وصار يتجاوز ويهاجم كلَّ من انتقد تجاوز حد الاضطرار الملجئ لأكل الميتة… من واجب المسلم الأمين على الدين أن يُذكّر المضطر أنه يأكل من الميتة كي لا يعتادها ويظنَّها لحما حلالا طيبا.“ أبو محمود يرفض التحالف مع إيران لكنه لا يرفض قتال حماس إسرائيل حتى لو كان ضمن هذا التحالف.

مثال آخر على هذه المساحات الرمادية، كما يصفها أبو محمود، أن نقل أحد الأنصار منشوراً من قناة على التلغرام باسم الذهبي يبرر تحالف حماس مع إيران على اعتبار أنه تحالف سياسي وليس عقدي. المنشور يذهب بالترقيع إلى حد تبرير قتل حماس جماعة أبي النور باعتبار أسبقيات في التاريخ. لكن لاحقاً، يتضح للأنصار أن هذا الحساب يعود إلى ”مهاجر مصري“ في سوريا ”كان قاضيًا في جماعة البغدادي وجبهة النصرة؛“ ولا يحظى بقبول ”مهاجرين“ مثله.

اضطراب ثالث يظهر في منشور نقلته قناة أبي حفص الموريتاني الذي كان الشرعي الأول في القاعدة قبل أن يستقيل احتجاجاً على هجمات سبتبمر. المنشور يبرر التحالف مع إيران حتى وإن ”قتلت المسلمين في منطقة أخرى؛“ في إشارة إلى قتل إيران عراقيين وسوريين ولبنانيين ويمنيين.

يظهر الاضطراب أيضاً عندما نقرأ في الحساب العائد إلى التلغرام وريث القسام أن ”حال هنية مشابه لحال البغدادي؛ فكلاهما قاتل الكفار وكلاهما حارب أهل التوحيد وكلاهما ضلّ المسلمين، بغض النظر من استجلب للأمة مصالح أكثر من من، ومن كانت مساوئه على الأمة أكثر.“

في الذكرى الثانية لقتل الظواهري، هل تحلّ القاعدة ”أزمة فراغ السلطة“؟

أما هيئة تحرير الشام في إدلب فعزّت رسمياً بهنية. عبدالرحيم عطون، رئيس المجلس الأعلى للإفتاء التابع للهيئة، وصفه ”بالأخ القائد.“ الإعلامي أحمد زيدان الموالي للهيئة ألمح إلى تورط إيران في اغتيال هنية إما من حيث ”تواطؤ أو ضعف عسكري وأمني إيراني لا فرق، مع ترجيح الأول.“

موقف داعش من اغتيال هنية

موقف داعش من حماس وقيادتها أوضح من موقف القاعدة وأنصارها بدرجات. عندهم، حماس جماعة كافرة لأسباب عدة لا أقلُّها التحالف مع إيران. صحيفة النبأ الصادرة عن ديوان الإعلام المركزي في التنظيم وفي عددها الصادر يوم الخميس 1 أغسطس 2024، عنونت افتتاحيتها بـ ”ليهلِك من هلك عن بينة“ وجعلت صورتها الرئيسة صلاة الجنازة على هنية في طهران.

يتخذ داعش من اغتيال هنية دليلاً على هشاشة الطرفين: إيران وحماس. فيعتبر أن إيران تورطت في اغتيال هنية إما فشلاً في حمايته أو تآمراً عليه. في المحصلة، يخلص إلى أن حماس، وغيرها من أذرع إيران وأتباعها، إنما يؤدون وظيفة لخدمة نظام الحكم في طهران فيخوضوا الحرب ”نيابة عن الرأس.“

وهكذا يساوي داعش بين اغتيال هنية واغتيال قاسم سليماني القيادي في الحرس الثوري الإيراني ويقول إن إيران ”خلعت“ عليهما ذات الألقاب ”فتقاسما الحكم والمصير.“

رموز القاعدة وصفقات ”الإقرار بالذنب“

مع اقتراب الذكرى الثالثة والعشرين لهجمات سبتمبر، أعلن هذا الأسبوع عن التوصل إلى صفقة بين القضاء الأمريكي وثلاثة من المتهمين بالتخطيط لتلك الهجمات. بموجب الصفقة، يقر خالد شيخ محمد، ووليد محمد صالح مبارك بن عطاش ومصطفى أحمد آدم الهوساوي بأنهم مذنبون بجميع التهم الموكلة إليهم بما في ذلك قتل حوالي ثلاثة آلاف شخص. في المقابل، يُسقط المدعي العام الأمريكي عقوبة الإعدام عنهم ويكتفي بالسجن المؤبد. وزير العدل الأمريكي أصدر قراراً برد الصفقة.

داعش راديو خراسان

برز فرع داعش خراسان محركاً رئيساً في تنفيذ هجمات نوعية ضد مصالح في روسيا والغرب بالرغم من أن حكومة طالبان في أفغانستان شنت هجمات مضادة ضد التنظيم بهدف إفقاده مقوماتِه؛ لكنه يظل عصياً. في هذا الموضوع برزت قصة نقلها الصحفي الأفغاني بلال صرواري @bsarwary على موقع إكس. يبدو أن داعش يُشغل محطتين للبث الإذاعي في المحافظات الشمالية من أفغانستان المحاذية لأوزبكستان وتركمنستان وطاجيكستان. سكان كوندوز وتاخار نقلوا أنهم سمعوا إذاعتين: صوت الخلافة وصوت التوحيد، تبثان بلغات عدة بما فيها العربية. أما المحتوى، فيبدو أنه آتٍ من داعش خراسان.

يحذر صرواري من أن هاتين الإذاعتين تشكلان معضلة أمنية إذ قد تساهمان في دفع بروباغاندا التنظيم وتجنيد أفراد في المنطقة.