جهادي مخضرم: إيران فرضت التشيع شرطاً للتمويل

  • الجماعات الجهادية فشلت في تشكيل مشروع يوازي أو يساند غزة؛ لكن الخوف مما سيأتي .. نستعرض دراسة للباحث آرون زيلين

أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من 1 إلى 7 أكتوبر 2024. نخصصها للذكرى الأولى لحرب 7 أكتوبر في غزة. إلى العناوين:

الطوفان والزلزال

طوال العام الماضي، وصف جهاديون حرب 7 أكتوبر 2023 بأنها طوفان ”أغرق“ غزة وأهلها، فيما وصفها آخرون ”بسبتمبر الصغرى،“ أو ”الزلزال“ الذي ”أحيا قضية الأقصى.“ وفيما وصفها البعض ”بالوعد“ الذي تحقق ”بترويع“ اليهود؛ اعتبرها آخرون كارثة وضرباً من ”عوار“ حماس. فئة قليلة آثرت الصمت من باب ”في فمي ماء.“

هذه المواقف المتباينة داخل الجماعات الجهادية – والإسلامية عموماً – ليست جديدة؛ لكن إطالة أمد الحرب وحجم الدم المُسال عمّقها إلى حد قد يصعب ترميمه. فأسباب الخلاف هنا تتعلق بمفاهيم عقدية تُشكل عقلية الجهاديين أو السلفيين أو الإسلاميين عموماً. أولاً، ثمة اعتبارات الوطنية ”وقدسية“ القضية الفلسطينية. وبالتالي، هل حماس ”تجاهد“ من أجل إقامة ”حكم إسلامي“ يفضي إلى ”خلافة“ مثلاً؟ لا. بل إن هذه من نقاط الخلاف بين الجهاديين وحماس. ومن ذلك أن حماس شاركت في انتخابات تشريعية وتزعم الديمقراطية وترفع العلم الفلسطيني. وكلها “مفاهيم كفرية” بحسب الجهاديين. ومن ذلك أيضاً أن حماس قتلت أبا النور المقدسي وتلاميذه في مسجد ابن تيمية في رفح في أغسطس 2009 بعد أن أعلن إقامة ”إمارة إسلامية“ في غزة.

المرصد 265| ”7 أكتوبر“ عمّقت الخلافات بين الجهاديين إلى حدّ القطيعة بين أبناء التيار الواحد

الاعتبار الثاني والأهم هو تبعية حماس المعلنة لنظام الحكم في إيران، وهو نظام يمثل مذهباً يكفّره ”معظم“ الجهاديين؛ ومن هنا يقولون إنه نظام يقتل أبناء ”السنة“ في العراق وسوريا ولبنان واليمن. فهل يستقيم إذاً أن يؤيد الجهاديون حماس التي تتصدر هذه الحرب في غزة؟ أم يلتزمون الحياد مثلاً؟

يزيد الطين بلة أن حماس، منذ 7 أكتوبر 2023، لا تتوانى في وصل إيران. في اليوم الأول للحرب، نُقل عن قائد كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، أن دعا ”إخوتنا في المقاومة بلبنان وإيران واليمن والعراق وسوريا للالتحام مع المقاومة بفلسطين.“ في هذا الموقف، ترى حماس نفسها امتداداً لأذرع إيران في المنطقة. ومن ذلك امتعاض قيادة جناح العسكري برد الفعل ”الباهت“ من حزب الله وطهران في بدايات الحرب. فكانت توقعاتها كبيرة بحجم فهمها للعلاقة والوصل.

لهذه الاعتبارات، رأى بعض الجهاديين أن يرفضوا حماس جملة وتفصيلا وألاّ ”يفرحوا“ بفعلها ما كان؛ أو أن يلتزموا الصمت على أقل تقدير. لكن آخرين رأوا أن ثمة هامشاً رمادياً يستطيعون فيه ”المشاركة“ في حدث كهذا يتمتعون فيه ”بنشوة نصر“ من قدرة حماس على الصمود في وجه إسرائيل هذه المدة. لكن هذه المواقف لم تأتِ في صمت، بل صاحبها لغط وصل بالمختلفين من أبناء التيار الواحد إلى القطيعة تشبه – فكرياً – ما كان من انفصال طيف من الجهاديين، عواماً ونخباً، عن داعش في خلافها مع القاعدة في 2013 / 2014.

الإعلام الجهادي الرسمي

أما داعش، فلم يأتِ موقفهم بجديد طوال عام لا على مستوى الرسمي ولا الأنصار. فداعش لا يدعو إلا إلى التقتيل والأرض المحروقة.

في 19 أكتوبر، أعلن التنظيم أول مرة عن موقفه الرسمي من الحرب وذلك في افتتاحية العدد 413 من صحيفة النبأ الأسبوعية. الافتتاحية بعنوان ”خطوات عملية لقتال اليهود“ دعت إلى ”قتل“ اليهود في أي مكان وكل مكان بغض النظر عن ارتباطهم بإسرائيل؛ بل وقتل كل من يواليهم أو يعطيهم الأمان أو يمتنع عن قتالهم لأي سبب. يعني بإختصار، استهداف الجميع في هذا العام.

أما إعلام القاعدة وأنصارِها ومن لف لفيفهم فكانت مواقفهم متباينة. في الأيام الأولى للحرب، سارعت أفرع القاعدة إلى إصدار بيانات باركت 7 أكتوبر. لكن لفت تفاوت تلك البيانات في التصريح باسم حماس وكتائب القسام. ومرد ذلك إلى تبعية حماس لإيران وفتاوى ”الترقيع“ التي ميزت بين جناح حماس السياسي الموالي لإيران؛ وجناح حماس العسكري ”المجاهد.“ وإن تمايزت بيانات القاعدة الرسمية في هذا الباب، إلا أنها توافقت في ركوبها الموجة ومحاولة الحصول على شيئ من استحقاق ”الجهاد“ في فلسطين الذي طالما تغنوا به. فكُتبت البيانات بلغة فوقية تشي بأن ”جهاد“ الفلسطينيين في غزة هو امتداد لجهادِهم هم.

في 13 أكتوبر 2023، نشرت القيادة العامة لتنظيم القاعدة بيان تأييد للفلسطينيين لم يأتِ على ذكر حماس أو كتائب القسام؛ واكتفى بالإشارة إلى ”مجاميع المجاهدين في فلسطين“؛  متعهداً بالوقوف معهم ”صفاً واحداً في نفس خندق القتال.“

في نفس اليوم، نشر تنظيما القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ونصرة الإسلام والمسلمين، بياناً مشتركاً بعنوان ”وارتاعت يهود لقرب وعود“ تعهدا فيه بأن مقاتلي التنظيمين ”(يسابقون) الزمن ليتحصل لنا من المكنة ما يوصلنا إليكم لنحرر بيت المقدس.“ البيان ذكر كتائب القسام دون أن يذكر تبعيتها لحماس. ومثلهم تنظيما القاعدة في اليمن وفي شبه القارة الهندية. كلاهما ذكرا لفظ كتائب القسام دون حماس في بيانين بتاريخ 9 و8 أكتوبر تباعاً. أما جماعة الشباب التابعة للقاعدة في الصومال، فلم يذكروا لا حماس ولا الكتائب في بيان ١١ أكتوبر.

القطيعة بين أبناء التيار الواحد

الخلافات بين منظري الجهادية الذين نعرفهم كانت أكثر حدة؛ بل اتسعت لتشمل نخبة مثقفة مناصرة تقليدياً للجهاديين والسلفيين والإسلاميين عموماً. اشتدت هذه الخلافات إلى حدّ القطيعة بدءاً من منتصف سبتمبر 2024 عندما كثفت إسرائيل ضرباتها ضد حزب الله مستهدفة رأس الجماعة حسن نصرالله.

والحقيقة أن أكثر ما لفت في هذه الخلافات الأخيرة هي قدرة الجهاديين على الفصل بين الجماعتين المواليتين لإيران. فبحسبهم، ولاء حماس لإيران استراتيجي أو تكتيكي وليس عضوياً؛ أما حزبُ الله فولاؤه مذهبي ووجودي. ولهذا رأينا أنه بالرغم من امتعاض بعض الجهاديين من حماس إلا أنهم لم يبدوا ”فرحاً“ بالهجمات الإسرائيلية على غزة. على النقيض من ذلك، أبدوا فرحاً غامراً بهجمات إسرائيل ضد مقاتلي حزب الله وأنصاره في جنوب لبنان وضاحية بيروت. مع هذا، ظلت حماس ترد الصاع للجهاديين المؤيدين بتمجيدها حزبَ الله وقتلاه.

تظهر حدة الخلافات عندما نجد أن أعداء رأي تقليديين اتفقوا في موقفهم من حماس والحرب عموماً، بينما اختلف رفاق قدامى؛ وهذا ما ظهر فيما كتبه أربعة جهاديين في الفترة من 28 نوفمبر إلى 2 ديسمبر 2023.

المرصد 265| ”7 أكتوبر“ عمّقت الخلافات بين الجهاديين إلى حدّ القطيعة بين أبناء التيار الواحد

هؤلاء هم نائل الغزي وأبو محمود الفلسطيني وكلاهما ينتميان إلى نهج أحد أقطاب الجهادية  أبي قتادة الفلسطيني. فيؤيدان هيئة تحرير الشام في إدلب، ويخالفان القطب الآخر أبا محمد المقدسي. الآخران هما طارق عبدالحليم وأبو علي العرجاني وهما يخالفان أبا قتادة وهيئة تحرير الشام.

أما بالنسبة للمقدسي، فنجد أن عبدالحليم يتفق معه فيما يخالفه العرجاني. المفارقة هي اتفاق المختلفين واختلاف المتفقين فيما يتعلق بغزة. فاختلف الغزي وأبو محمود حول علاقة حماس مع إيران. الغزي لا يراها عيباً وأبو محمود يراها كذلك. واتفق في هذا الغزي مع العرجاني الذي اختلف بدوره مع عبدالحليم في توصيف الانتصار في غزة. فبينما اعتبر العرجاني أن تحالف حماس مع دول إشكالية مثل إيران يشبه تحالف ”الثوار في سورية“ في بداية الحراك ”مع بعض الدول فضلاً عن جماعات منحرفة ضالة أو مرتزقة.“ قال عبدالحليم إن سلوك حماس ”عوار ما بعده عوار.“

مثال آخر على التخبط في موقف منظري الجهادية من حماس، نراه فيما أفتاه أبو محمد المقدسي. المقدسي غاب من السوشيال ميديا طوال العام الماضي، ويبدو أنه اختار الصمت باعتبار أن ”التوقيت“ لا يسمح بإثارة فتاوى ضد حماس التي بحسبه تصب في باب ”التخذيل عن نصرة أهل غزة.“

يُسأل المقدسي دوماً عن فتواه في موقعه ”منبر التوحيد“ في ٢٣ سبتمبر ٢٠٠٩، التي قال فيها: ”فمن كان من كتائب القسام لا ينصر الحكومة (أي حكومة حماس) التي تعطل شرع الله وتحكم بالقوانين الوضعية وتتخذ الديمقراطية التشريعية منهجا … إن وجد (هذا العنصر) فلا نكفره؛ لكن … مثل هذا لا يمكن أن يوجد إلا باعتزاله العمل وبقائه تحت كتائب القسام بالاسم فقط.” بعد أربعة أيام، ناقض المقدسي نفسه عندما قال إنه: “لم يصدر مني تكفير للحركة ولا تكفير لكتائب القسام بالعموم ولا بالتعيين.“

العلاقة الإيرانية

إذاً، في الأيام الأولى للحرب، بدا واضحاً أن إيران غير مستعدة للقتال ”نيابة“ عن حماس أو ”نجدة“ لها. وهذا كان واضحاً في خطاب أمينِ عام حزبِ الله السابق، حسن نصرالله، يوم الجمعة ٣ نوفمبر ٢٠٢٣؛ وهو الخطاب الذي أبكى حزناً أشد مؤيدي الحزب وحماس على حد سواء؛ ممن توقعوا من الحزب أكثر من ذلك. في  توصيف سلوك إيران هذا من غزة، لفت منشوران أو ثلاثة في أكتوبر الماضي. قناة علي فريد على التلغرام استرجعت إرث الإمام الحسين بنِ علي رضي الله عنهما وتعرضَه للغدر. فكتبت تحت عنوان ”الحُسين يُقتل من جديد“ أن ”أرسلَ له الشيعةُ أن اخرج إلينا نقاتل بك وتقاتل بنا.. فلما أجابهم رضي الله عنه وخرج لهم؛ تركوه للقتل؛ فكانوا والله قَتَلَتَه على الحقيقة.“

في المقابل، أدعياء إيران مثل الجهادي مصطفى حامد أبي الوليد المصري، صهر سيف العدل الزعيم الفعلي للقاعدة، ردّوا على منتقدي إيران باعتبار أن المسؤولية عن حماس تقع على عاتق السنة وليس على عاتق إيران وشيعتها. وفي الرد على هذا الادعاء، قال معارضو إيران من أمثال علي فريد: ”(إن)  إيران الخمينية؛ فقد أَسَّسَت سَرديَّتَها الدعائية كلَّها على ما أسمته مجاهدةَ الشيطان الأكبر، ونصرة المستضعفين، ومقاومة الاستكبار العالمي.. كما أنشأت فيلقاً من القتلة والمجرمين أسمته (فيلق القدس) قَاتَلَ في كل مكانٍ من بلاد المسلمين عدا القدس!“

أهم من عبّر عن هذا الامتعاض من سلوك إيران كان الأمين العام السابق لحزب الله، الشيخ صبحي الطفيلي، الذي قال في خطبة يوم الجمعة ٣ نوفمبر ٢٠٢٣، إن إيران تلعب دوراً بائساً مريباً ومعادياً لطموح المسلمين.

زيلين: القاعدة تدرب ”إرهابيين“ جدد

بالرغم من موقف القاعدة هذا، يحذر خبراء من أن التنظيم قد يسعى لاستغلال مشاعر العَداء لإسرائيل في تدريب جيل جديد من ”الإرهابيين“ في أفغانستان.

الدكتور آرون زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، يشير في هذا السياق تحديداً إلى أمرين. أولاً، سلسلة ”هذه غزة“ التي كتبها الزعيم الفعلي للقاعدة، سيف العدل، منذ ٣٠ أكتوبر الماضي وتحديداً الجزء الأخير المنشور في يوليو الماضي الذي وضع فيه استراتيجية للتدريب على استهداف ”اليهود“ في العالم حتى وإن تطلب ذلك التجنيد الإجباري في الجيوش المحلية.

الأمر الثاني الذي لفت إليه زيلين هو إعادة ظهور ما يُسمى  سرايا حراس المسرى في قطاع غزة وهي جماعة جهادية سلفية لا علاقة تنظيمية تربطها بحماس. كما أنها لم تبايع القاعدة. وفي يوم ١٤ سبتمبر، أعلنت عن غارة نفذها مقاتلوها على مستوطنة إسرائيلية.  عودة ظهور هذه الجماعة كان محاولة من الجهادية لإثبات أن غزة ليست حكراً على حماس وبالتالي يتحللون من تأييد حماس السياسية أو العسكرية.

مفهوم النصر

والآن، ندعو أن يأتي هذا اليوم العام المقبل دون الحاجة إلى نبش أرشيف في الذكرى الثانية لهذه الحرب الأليمة. إلى أن تنتهي الحرب، نسأل: ماذا تحقق؟ ما هو ”النصر“ الذي يتغنى به الجهاديون؟ ”نحن بحاجة إلى إعادة تعريف مفهوم الانتصار“ كما يقول الدكتور محمد صفر، أستاذ مقارنة أديان ومدير مركز دراسات السلام واللاعنف في أتلانتا بأمريكا. يقول: ”لا يختلف المسلمون على ضرورة تحرير الأقصى سواء مدافعة سلمية أو مقاومة مسلحة. لا يختلفون على قدسية المكان وضرورة عودة المسجد الأقصى كاملاً وليس مجرد إدارة أو إشراف. لكن الإشكالية بالأسلوب المتبع وحجم الخسائر. هذه قواعد فقهية. دفع الضرر الأكبر مقدم على الضرر الأصغر. إذا كنا نحقق نتائج معينة ولكن في المقابل ندفع أثمان باهظة مقابلها فهذا مخالف للقواعد الأصولية الشرعية.“