معارضو هيئة تحرير الشام التقليديون يؤكدون رفض الجولاني حتى في حلته الجديدة ”أحمد الشرع“
أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من ٢ إلى ٩ ديسمبر ٢٠٢٤؛ وتحديداً يوم الأحد ٨ ديسمبر، يوم سقط نظام الأسد في الشام. في العناوين:
- تباين مواقف الجهاديين من تصدّر هتش ”إسقاط النظام“ في دمشق
- كل يريد إثبات ”صحة نهجه“ … داعش يقلل أهمية الحدث والقاعدة تربطه بفلسفتها
- معارضو هتش التقليديون يؤكدون رفض الجولاني حتى في حلته الجديدة ”أحمد الشرع“
ضيف الأسبوع، الدكتور آرون زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. محرر موقع jihadology الذي يوثق كل ما يصدر عن الجماعات الجهادية. الدكتور زيلين يتابع ويوثق الحراك السوري منذ بدايته في ٢٠١١. له بحث مهم عن هيئة تحرير الشام وفرص رفعها من قوائم الإرهاب بعنوان: ”عصر الجهاد السياسي – دراسة هيئة تحرير الشام.“
٨ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠٢٤
ما بدأ في أطراف حلب يوم ٢٧ نوفمبر – أو ربما صحّ القول إن ما بدأ في درعا مطلع مارس ٢٠١١، انتهى في قلب دمشق يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤. نهضت دمشق وانتهى نظام الأسد.
ثلاث صور تختزل ما انتهت إليه الحالة السورية.
الأولى، سوريون عائدون – من اللجوء أو النزوح أو حتى من الخوف. ما أن ثبت سقوط النظام في دمشق، حتى تهافت السوريون لاجئين ونازحين للعبور أخيراً إلى بلداتهم ومدنهم. ثمة ١٣ مليون سوري مُهجر داخل سوريا وخارجها. وفي مشهد بسيط ولكن يحمل دلالات عظيمة، حدّث بعضهم ملفاتهم التعريفية على صفحات التواصل الاجتماعي بأسمائهم وصورهم الحقيقية لأول مرة بلا وجل أو خوف من تجنّي النظام عليهم وعلى أهاليهم.
الصحفي نضال العامري كتب على إكس: ”سأرى عائلتي بعد فراق دام ١٣ عاماً. اشتقت إلى حضن أمي.“ الباحث عروة عجوب كتب: ”طوال ١٢ عاماً الماضية، كلما هاتفت عائلتي، ساد صمت في آخر المحادثة. انعقد اللسان عن سؤال: متى نلتقي؟ اليوم، لا صمت. سوف نلتقي في سوريا.“
الصورة الثانية والتي سرعان ما غطّت على نشوة دمشق هي سجن صيدنايا سيئ الصيت، حيث السجناء السياسيون وسجناء الرأي رجالاً ونساء وحتى أطفال وطفلات. بالرغم مما بتنا نعرفه عن السجن من شهادات سجناء سابقين إلا أن الصور التي أتت من ذلك البناء فاقت كل وصف. هو أكثر من ”مسلخ بشري.“ القهر هنا يقتل الروح.
وهكذا، بينما انشغلت طواقم الإنقاذ بالبحث في أقبية السجن، اتخذت إجراءات مبدئية للتعرف على محررين فقدوا الذاكرة، وجمع آخرين بأهاليهم ليس فقط في سوريا وإنما عبر الحدود: في الأردن ولبنان وحتى اليمن وتونس.
أحمد الشرع
الصورة الثالثة جمعت زعيم هيئة تحرير الشام أبا محمد الجولاني في حلته الجديدة أحمد الشرع مع رئيس الوزراء في النظام السابق محمد غازي الجلالي للاتفاق على تسليم السلطة. سرعان ما أعلن محمد البشير رئيس حكومة الإنقاذ، الذراع المدنية للهيئة، مكلفاً بتشكيل حكومة انتقالية.
كان لافتاً أن تخلّى زعيم هتش عن اسمه الحركي، أبي محمد الجولاني، معتمداً اسمه الحقيقي، أحمد الشرع، في البيانات الرسمية بدءاً من يوم ٥ ديسمبر عندما سيطرت قوات ردع العدوان على حماة.
هو تحوّل آخر من تحولات الجولاني الذي كان قبل اثني عشر عاماً، وتحديداً في ٢٠١٢، مجهول الاسم والرسم، على هرم جماعة غامضة هي جبهة النصرة التي كشفت هويتها في ٢٠١٣ مبايعة للقاعدة.
كان ذلك التحول الأول من ”ثائر“ سوري إلى جهادي في القاعدة. التحول الثاني كان في ٢٠١٦ عندما تحولت النصرة إلى جبهة فتح الشام قاطعة العلاقة مع القاعدة؛ ومرة أخرى في ٢٠١٧ عندما تحولت الجبهة إلى هيئة تحرير الشام.
تداول اسم ”أحمد الشرع“ ليس جديداً. في ٢٠١٨، ذُكر هذا الاسم في منشور كتبه صالح الحموي، المعروف بأس الصراع في الشام، والذي كان من مؤسسي جبهة النصرة في حلب قبل الانشقاق عنهم وفصله عملياً في يوليو ٢٠١٥. في ٢٠٢٠، أكد الجولاني اسمه ونسبه وأنه من مواليد الجولان المحتل. لكنه ظلّ يستخدم لقب وكنية أبا محمد الجولاني في المنشورات الرسمية والمقابلات حتى يوم ٥ ديسمبر.
وهكذا، ما أن ثبت سقوط النظام في دمشق، وقبل أن ينتهي يوم ٨ ديسمبر، حتى ظهر الجولاني/ الشرع في الجامع الأموي مهنئاً السوريين. الجولاني لم يعتلِ المنبر وإنما تحدث في المجتمعين مصلين ومقاتلين حديثاً عفوياً مناقضاً تماماً لما ظهر عليه زعيم داعش أبو بكر البغدادي طالباً الطاعة في مسجد الحدباء بالموصل في ٢٠١٤.
اليوم التالي
تواصل هيئة تحرير الشام من خلال إدارة المناطق المحررة – ومن خلال التكليف الجديد للبشير – إصدار القرارات الناظمة للحياة اليومية في سوريا من التعهد بحماية الممتلكات العامة والخاصة إلى الإعلان عن مراكز ”تسوية“ لعناصر النظام السابق.
وفي هذا السياق أعلنت عفواً عن المنضوين في جيش النظام ضمن الخدمة الإلزامية. وهو القرار الذي فُهم خطأ أو لم يلق ترحيباً من طيف واسع من السوريين خاصة معارضي الجولاني التقليديين. في اليوم التالي، أكد الجولاني في بيان أن القرار يقتصر على منتسبي الخدمة الإلزامية ولا يشمل ”المجرمين والقتلة وضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب الشعب السوري.“
ضد الجولاني .. ضد الشرع
في الجانب الآخر، واصل معارضو الهيئة رفضهم أن يتصدر الجولاني / الشرع المشهد في سوريا اليوم. من ذلك أن لفتوا إلى أنه بينما يتجه السوريون بأعينهم وقلوبهم إلى تحرير السجناء من صدنايا، لا تزال ”سجون الجولاني“ في إدلب تعج بمعتقلي الرأي.
آخرون اعتبروا أن تصدر الجولاني المشهد في دمشق ليس أمراً مستحقاً. حساب أبو حمزة الكردي قال: ””سقط الطاغية الديكتاتور.. فأسقطوه ولا تقيموا غيره في أنفسكم.“ حساب أبو يحيى الشامي قال: ”عام ٢٠١٩ قال الجولاني: “المحرر كبير علينا” أي على الهيئة وعندما صغرت مساحته إلى حدود مدينة إدلب، حكمه وضبطه بالقهر، اليوم المحرر من سوريا كبير جدا جدا عليه … المتوقع أن يتحالف الجولاني مع قسد ومع أعتى العلمانيين، … وبالتأكيد يملك الجولاني القدرة على التغيير الجذري في المبادئ والتصورات وخطة السير نحو السلطة، هذا ما يجعله يقبل بالواقع الذي كان يكفر الناس عليه، بل ربما هو من يسعى لفرضه.“
نموذج طالبان والهيئة
كيف تعاملت الجماعات الجهادية مع أحداث الشام الأخيرة وتحديداً صعود هيئة تحرير الشام على هذا النحو؟
حكومة طالبان في أفغانستان كانت أول من ”هنّأ“ بإسقاط النظام. وزارة الشؤون الخارجية سمّت في بيان التهنئة هيئة تحرير الشام تحديداً وأعربت عن ”أملها في أن يستمر مسار انتقال السلطة بشكل يؤدي إلى تأسيس نظام إسلامي مستقل يُلبي تطلعات جميع مكونات الشعب السوري.“ البيان دعا كذلك إلى ” تبني سياسة إيجابية في التعامل مع دول العالم.“
بيان آخر لافت كان من جماعة طالبان باكستان ”تحريكي طالبان باكستان“ تي تي بي التي أشادت بالهيئة تحديداً من بين ”مجموعات جهادية أخرى“ شاركت في الزحف على دمشق. المتحدث باسم الجماعة، محمد خراساني، اعتبر أن ما تحقق ”عبرة لجميع الشعوب المضطهدة، وخاصة الشعب الباكستاني،“ بمعنى أن الحقوق لا تُسترد ”بالاحتجاجات والشعارات“ وإنما بالسلاح.
تنظيم القاعدة والهيئة
تواصل أفرع تنظيم القاعدة الإشادة بأحداث سوريا، مع ملاحظة حذر من تسمية هيئة تحرير الشام التي لم تنفصل وحسب عن التنظيم بل قاتلت فلوله -حراس الدين- حتى قضت عليهم تماماً. البيانات لم تنتقد الهيئة بأي شكل من الأشكال، بل سعت إلى التقارب معها ربما من باب تثبيت التنظيم في المشهد الجهادي عموماً والشامي خصوصاً، فكان لافتاً أن جيّرت البيانات الحدث إلى نهج القاعدة بإقامة حوكمة سنية تستند إلى الشريعة تكون مقدمة إلى انتشار عابر للحدود.
وهذا واضح التسجيل المرئي الذي أصدره تنظيم القاعدة في اليمن في تاريخ ٧ ديسمبر بعنوان ”نقاط على حروف“ تحدث فيه القيادي خبيب السوداني. السوداني أشاد ”بالنصر“ الذي تحقق. لم يذكر هيئة تحرير الشام واكتفى بالإشارة إلى ”المجاهدين في الشام.“ بالرغم من هذا، ذكر أن هؤلاء ”المجاهدين“ قطعوا علاقتهم بالقاعدة حتى يحصلوا على قبول دولي.
وهنا ألمح إلى أن هذا كان حيلة من هذا المجتمع الدولي ”الكافر“ وبالتالي فإن ما يحدث في سوريا اليوم هو حقيقة نتيجة حتمية ”لصراع“ أزلي بين الكفر والإيمان. ومن هنا، دعا السوداني إلى الاقتداء بنموذج طالبان الذي بحسبه لم يرضخ للإملاءات الأمريكية؛ ومن نفس الموقع، دعا السوداني إلى الاستعداد لمعركة مقبلة نحو الأقصى.
البيان الثاني للقاعدة هذا الأسبوع كان من فرعي القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين. الجماعتان نشرتا بياناً مشتركاً في تاريخ ٩ ديسمبربعنوان ”وعزُّ الشرق أوله دمشقُ.“البيان وصف أحداث الشام ”بالفتح العظيم.“ ومن دون أن يسمّي الهيئة أو أي فصيل آخر، دعا إلى ”نبذ جميع الخلافات السابقة، والتوحد والوقوف صفاً واحداً لبناء كيان جديد … سُنّي يستند إلى حاكمية الشريعة ونشر العدل والأمن بين جميع طوائف المجتمع السوري بمختلف مكوناته وأطيافه.“
داعش والهيئة
فيما حاول تنظيم القاعدة جاهداً الظهور بمظهر ”الأخ الأكبر،“ لم يخفِ داعش امتعاضه مما حدث كمراهق غيور؛ فقلل من قيمة ما تحقق في سوريا خلال الأسبوعيين الماضيين.
في افتتاحية صحيفته الأسبوعية النبأ في العدد ٢٧٢، اعتبر أن ”الفصائل“ التي دخلت دمشق هي ”هيئات ردة“ تعزز نظام حكم ”جاهلي“ لا يمتّ للدين بصلة.
وبالتالي، فإن ما سيحدث في ”سوريا الحرة“ لن يختلف عمّا حدث في ”سوريا الأسد.“ وعليه، فإن “طريقة داعش هي الصواب”. يقول الكاتب: ”لسنا في موضع نقارن به مشروع دولة الإسلام بمشاريع الجبهات والهيئات الوطنية القطرية“ مصراً أن التنظيم لم يتوانى يوماً عن قتال ”النظام النصيري.“
تعليقاً على الافتتاحية، اعتبر حساب قناة فضح عباد البغدادي والهاشمي أن تلك التصريحات تأتي ضمن عنوان ”شر البلية ما يضحك“ مذكراً بأن التنظيم الذي يصف ”الفصائل“ السورية بالردة؛ كان اتخذ قراراً بعدم استهداف هيئة تحرير الشام تحديداً ”لاعتبارات سياسية.“ وهكذا فإن صفة التنظيم في سوريا ”الجديدة“ هي صفة ”المهترئ.“
عن حالة أنصار التنظيم، قال الحساب إنهم أصيبوا ”بصدمة نفسية جدية وإحباط وتوتر لم نشهد له مثيل منذ أن بسطت طالبان نفوذها على كل الأراضي الأفغانية؛“ إذ استوعب الأنصار أخيراً حجم ”دولتهم“ الحقيقي و“عجز خلافتهم الجوفاء على تغيير الموازين.“ يقول الحساب إن بعض الأنصار أدرك أخيراً ”فشل“ كيانهم ”أمام مشاهد تحرير الأسرى من سجن حلب المركزي إلى سجن صيدنايا.. وهم مازالوا ينتظرون هدم .. أسوار غويران والهول والروج.“
في الأثناء، أعلنت القيادة المركزية الامريكية في تاريخ ٨ ديسمبر عن شن غارات جوية للقضاء على معسكرات وعملاء التنظيم في وسط سوريا. وهي ضربة مهمة جاءت في وقتها حتى لا يلتف داعش على حراك دمشق كما التف على الرقة في ٢٠١٣.