هل يضع الشرع / الجولاني وزر علاقته بالقاعدة وداعش
- الإعلامي أحمد زيدان، المقرب من هيئة تحرير الشام، يكتب عن ”رحلة في عقل“ المسؤول الأول في سوريا اليوم
- مع اقتراب استحقاق مارس ٢٠٢٥، هل تنجح الهيئة في الإعداد للحوار الوطني؟ حسام ميرو، رئيس الحزب الدستوري السوري (حدس)، يستعرض خطة عمل
أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من ١ إلى ٩ يناير ٢٠٢٥. :
رحلة في عقل الشرع / الجولاني
يتابع الإعلامي أحمد زيدان المقرب من هيئة تحرير الشام سلسلة ”زلزال فتح دمشق“ التي توثق أحد عشر يوماً سقط فيها نظام الأسد في دمشق.
في ٦ يناير، ختم زيدان بعنوان ”رحلة في عقل“ أحمد الشرع، قائد القيادة العامة التي تدير الفترة الانتقالية في سوريا اليوم.
يلفت في هذا الجزء الطريقة التي تناول بها زيدان تاريخ الشرع / الجولاني مع تنظيم القاعدة. وهو تاريخ لا يزال الشرع / الجولاني يحاول دفنه باعتباره ماضٍ انتهى أو خياراً صعباً فُرض عليه.
إلا أن بعض ما كتبه زيدان عن هذا التاريخ لم يكن دقيقاً. يقول زيدان إن الشرع / الجولاني ”لم يكن … منذ بداية الثورة السورية مقتنعاً بمشروع القاعدة،“ لكنه اضطر إليه بسبب ممارسات نظام الأسد؛ ” ولذا كان الخيار الوحيد أمامه هو أن يقود جبهة النصرة التابعة للقاعدة، وذلك لوجود عناصر غير سورية فيها، وبدعم من خارج الحدود؛“ بل إن الشرع / الجولاني كان أمام تحدٍ ليوازن بين استحقاق القاعدة واستحقاق أن تكون الثورة ”سورية وطنية.“
المشكلة هنا هي أن الشرع / الجولاني انضمّ إلى القاعدة قبل الثورة السورية بسنوات. مشكلة أخرى هي أنه عندما أعلن عن جبهة النصرة قال إنها تتألف من ” مجاهدي الشام في ساحات الجهاد.“ والأهم هو أنه تعمد إخفاء هوية الجماعة القاعدية.
ثم يقول زيدان عن الخلاف مع داعش إن ” (الجولاني) لم يتفق مع ممارسات داعش … فقرر الانفصال عنها.“ الحقيقة هي أن الخلاف لم يكن على ممارسات بل على الإمارة والنفوذ. داعش لم يكن موجوداً آنذاك. الحاضر بممارساته كان جبهة النصرة بقيادة الجولاني / الشرع.
الجولاني – تاريخ قصير ولكن حافل
أقل ما يمكن أن يُقال في الشرع / الجولاني إنه شخص مثير للاهتمام. فهذا رجل لم يتجاوز تاريخه ”الجهادي“ أو ”المقاوم“ اثنين وعشرين عاماً منها خمسة أعوام على الأقل في سجون العراق. المُعلن من هذا التاريخ ثلاثة عشر عاماً فقط! فأول ظهور له كان في ٢٠١٢؛ وأول صورة له كانت في ٢٠١٣ وظلت محل شك حتى ظهر علناً في ٢٠١٦. لكن ها هو اليوم في موقع ”رئيس“ دولة عريقة مثل سوريا! كيف حدث هذا؟
ربما أفاد توثيق سيرة الرجل في فهم الطريقة التي يفكر بها وكيف يجعل أفكاره حقيقة. فيما يلي خلاصة ما نعرفه عن الشرع / الجولاني بحسب ما قاله هو نفسه في مقابلة مع مارتن سميث من الخدمة الأمريكية العامة PBS في فبراير ٢٠٢١؛ وما نقله عنه في مارس ٢٠١٨ صالح الحموي، الملقب أس الصراع في الشام، أحد مؤسسي جبهة النصرة في شمال سوريا؛ بالإضافة إلى ما هو موثق في أدبيات الجهاديين.
الاسم والرسم والهوية
أول ظهور لاسم أحمد الشرع كان في منشور الحموي؛ حيث أكد أنه من مواليد الجولان المحتل؛ انتقل أهله للسكن في المزة بدمشق ثم هاجروا إلى السعودية حيث بقي هناك حتى أتمّ الثانوية. عاد إلى سوريا ودخل كلية الإعلام. لم يكمل الدراسة، لأنه ذهب إلى العراق. كيف؟
بحسب الحموي، تعرف الشرع / الجولاني في الشام على ”شيخ سلفي“ كان يعمل تحت إمرة أبي طلحة العراقي قائد ”فصيل سرايا المجاهدين في الموصل.“ مع بدء الحرب في العراق في ٢٠٠٣، قدّم أبو طلحة البيعة إلى أبي مصعب الزرقاوي وصار نائباً له. وهكذا، انضمّ الشرع / الجولاني إلى الجهاديين في العراق مبايعاً الزرقاوي، وإن لم يلتقه قط. هناك تخصص في زرع العبوات.
بحسب المقابلة مع مارتن سميث، قال الجولاني إنه ذهب إلى العراق أول مرة قبل بدء الحرب بأسبوعين أو ثلاثة. عاد إلى الشام ثم رجع بعد بداية الحرب إلى العراق حيث أمضى معظم وقته في الموصل – وهذا تفصيل سيكون له أثر لاحقاً. اعتقل في أواخر ٢٠٠٤ أو مطلع ٢٠٠٥.
بحسب الحموي، دخل السجن بهوية عراقية باسم أبي أشرف العراقي. ومن هنا جاء الالتباس أن الجولاني كان عراقياً في الأصل خاصة أنه أتقن اللهجة المحلية. ظل الجولاني يتنقل في سجون العراق من ولاية الأمريكان في بوكا وكروبر Cropper إلى السلطة العراقية في التاجي. خرج في أواخر مارس ٢٠١١ بعد أيام من انطلاق الثورة السورية.
الآن، كيف وصل الجولاني إلى أمير فرع القاعدة في العراق، أبي بكر البغدادي؟ في المقابلة مع مارتن سميث، قال الجولاني إنه تعرف في السجن على قيادي، لم يسمّه، تسلم قيادة ”الولايات الشمالية“ ومنها الموصل. كان هذا القيادي مقرباً من البغدادي. حدّثه عن الجولاني ورتب له اللقاء. هنا، يقول الجولاني إنه أطلع البغدادي على وثيقة كتبها في السجن من ٥٠ صفحة تتضمن أفكاراً وخطة للعمل في سوريا. طلب رجالاً وأموالاً. وافق البغدادي. وهكذا، عاد الجولاني إلى الشام على رأس مجموعة صغيرة من رجال البغدادي لم يتجاوزوا الستة؛ ولكن بميزانية تُقدر بـ ٥٠ ألف إلى ٦٠ ألف دولار شهرياً لمدة ستة أشهر.
جبهة النصرة
وهكذا كانت جبهة النصرة. في يناير ٢٠١٢، ولأول مرة، ظهر إلى العلن اسم أبي محمد الجولاني قائداً لـ”جبهةٍ لنصرةِ أهلِ الشام من مجاهدي الشام في ساحات الجهاد.“ لم يعلن الجولاني عن انتمائه إلى القاعدة؛ بل ظلت هذه العلاقة محل تكهن أو حتى تكذيب. في ديسمبر ٢٠١٢، أدرجت الخارجية الأمريكية جبهة النصرة على قائمة الإرهاب. في ذلك الوقت، كانت جبهة النصرة من أقوى الفصائل ”الإسلامية“ المستقلة التي تقاتل النظام إلى جانب فصائل أخرى مستقلة وأخرى منضوية تحت راية الجيش السوري الحر آنذاك. من أهم الهجمات التي قادتها الجبهة كان تفجير خلية الأزمة في دمشق – مبنى الأمن القومي – في يوليو ٢٠١٢. وهكذا، اعتبر كثيرون ومنهم شخصيات تصدرت المعارضة السورية أن قرار التصنيف كان تجنياً وإحجافاً.
في ٩ أبريل ٢٠١٣، وفي كلمة صوتية بعنوان ”وبشر المؤمنين“ كشف أبو بكر البغدادي، زعيم فرع القاعدة في العراق المعروف باسم الدولة الإسلامية في العراق، أن جبهة النصرة ”امتداد“ للقاعدة وأنه ”انتدب“ الجولاني باعتباره ”جندي“ من جنود البغدادي ومعه مجموعة من ”أبناء“ القاعدة ونصف خزينة التنظيم. البغدادي أوضح أنهم اختاروا عدم الإعلان عن تبعية النصرة ”لأسباب أمنية وحتى يرى الناس حقيقة الدولة بعيداً عن تشويه الإعلام.“ وهكذا، أعلن البغدادي دمج جبهة النصرة فيما صار يُعرف بداعش ”دولة الإسلامية في العراق والشام.“
المفاجأة الصادمة لكثير من السوريين كانت عندما أكد الجولاني تبعيته للقاعدة وذلك في خطاب الرد في اليوم التالي ١٠ أبريل ٢٠١٣. لكن في تلك الكلمة الصوتية، رفض الجولاني إمارة البغدادي عليه وأعلن البيعة مباشرة لأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الأم. في ٢٣ مايو ٢٠١٣، ثبّت الظواهري البغدادي على العراق، والجولاني على الشام. وهكذا خسر الظواهري ماء وجهه، وحضور تنظيمه التقليدي في هذه الجغرافيا ذات الرمزية التاريخية والدينية. اندلع اقتتال عنيف بين أنصار داعش وأنصار القاعدة / جبهة النصرة مدعماً بفتاوى التكفير المتبادلة.
لم يقتصر الاقتتال على جناحي القاعدة، بل تورطت فيه فصائل الجيش الحر الذي فقد كثيراً من أراضيه إما للنظام أو لداعش أو للنصرة. في نهاية ذلك العام وتحديداً في ديسمبر ٢٠١٣، سربت الحكومة العراقية صورة قالت إنها للجولاني، فكانت تلك أول مرة يُرى فيها رسم الرجل.
هيئة تحرير الشام
بعد ثلاث سنوات، استقر الجولاني في إدلب ليبدأ عهداً جديداً بالانقلاب على الظواهري. في ٢٨ يوليو ٢٠١٦، ظهر كاشفاً وجهه لأول مرة معلناً فك الارتباط مع القاعدة أملاً في أن يتقبله المجتمع الدولي ويُرفع اسمه من قوائم الإرهاب. وهكذا حلت جبهة فتح الشام محلّ جبهة النصرة. في ٢٨ يناير ٢٠١٧، أجرى الجولاني rebranding جديد بدمج جبهة فتح الشام في تشكيل جديد أطلقَ عهد هيئة تحرير الشام.
تلفت هنا ثلاثة أمور. أولاً، كان الجولاني جاداً في تقديم نفسه إلى المجتمع الدولي على أن لا علاقة له بالإرهاب، بل شريك في محاربة الإرهاب. في فيلم The Jihadist لمارتن سميث، قال جيمز جيفري المبعوث الأمريكي الخاص بالملف السوري، إنه تلقى من الجولاني رسائل تطمين لكنه لم ينقلها إلى الإدارة الأمريكية. وعندما سُئل عن السبب ردّ: ”لماذا أغامر وأخاطر بأن أحثّ شخصاً ما على رفع اسم أحدهم من قوائم الإرهاب؟“
ثانياً، رفضت القاعدة فك الارتباط واستنكرته. فبدأ تراشق بالكلام تطور إلى اعتقالات في صفوف قياديي القاعدة المخضرمين في إدلب ومحيطها ما تسبب في قطيعة بين الطرفين. رافق هذا قتال دموي بين الفصائل السورية نفسها المنضوية تحت راية الهيئة والمستقلة عنها.
ثالثاً، تشكلت الهيئة بقيادة أبي جابر هاشم الشيخ. الجولاني لم يكن في الصورة إلا قائداً لجبهة فتح الشام كأحد مكونات الهيئة. لكن في أكتوبر ٢٠١٧، استقال أبو جابر وقيل أُقيل وتولى الجولاني قيادة الهيئة التي أصبح لها جناح عسكري وآخر سياسي وآخر أمني؛ وعملت عمل الدولة المدينة city state.
بالعودة إلى القاعدة، أنصار التنظيم ممن رفضوا استراتيجية الجولاني تنظّموا فيما أسموه ”حراس الدين“ في فبراير ٢٠١٨. ظل التنظيم يعمل ضمن غرفة عمليات تشرف عليها الهيئة حتى منتصف العام ٢٠٢٠ عندما استقل التنظيم وآخرين في ”غرفة عمليات فاثبتوا.“ الهيئة انقضت على التنظيم حتى قضت عليه مع نهاية العام. ومع حلول نهاية العام التالي، كانت الهيئة حيّدت معارضين آخرين فرادى وجماعات من أمثال ”جنود الشام“ لمسلم الشيشاني و ” جند الله ” لأبي فاطمة التركي، وبلال عبدالكريم الأمريكي وتوقير شريف البريطاني. ناهيك عن شخصيات سورية معارضة مثل أبي العبد أشداء وأبي مالك التلي. رافق الاعتقالات في كثير من الأحيان شهادات عن التعذيب.
في موازاة هذا، كان للهيئة دور غير مُعلن في تعقب قيادات داعش في مناطق سيطرتها، فقتل قياديون من الصف الأول، بمن فيهم حاملو لقب الخليفة المزعوم مثل أبي بكر البغدادي الذي قتله التحالف شمال إدلب في ٢٠١٩ والخليفة الرابع أبي الحسين الذي قُتل في اشتباك مع الهيئة والأتراك في ٢٠٢٢.
وهكذا، دعّم الجولاني حكمه في إدلب. لكنه ظلّ يحلم بالتوسع. فاختبر هذا الطموح غير مرة في شن حملات على مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري التابع لقوى المعارضة – التشكيل السياسي المُعترف به ممثلاً للمعارضة. في أكتوبر ٢٠٢٢ احتل الجولاني مدينة عفرين الاستراتيجية مؤقتاً وبات على مشارف اعزاز الحدودية، قبل أن يتراجع إلى إدلب.
في المحصلة، الجولاني، الذي لا يتجاوز تاريخه المعلن ١٣ عاماً، كان حاسماً في تفكيك القاعدة في العراق والشام. وكان حاسماً أيضاً في تقويض الجيش الحر. فهو لا يقبل أفراداً أو ظروفاً تجتث سلطته. لكنه مستعد دائماً للسكون والانتظار والأخذ والرد. فهو يجيد التحور والتطور. كما يجيد الاستفادة من الأفراد حوله – يقدّمهم ويؤخرهم كما يراه مناسباً؛ فلا يتحرج من أن يعلي شأن أحدهم تارة ليسقطه تارة أخرى.