نافالني معارض دفع ثمن جرأته
بعد محاكمة أثارت جدلاً عالمياً وحكم قضائي وُصف بالجائر، من المقرر أن يمضي المعارض الروسي اليكسي نافالني (44 عاما) مدة سجنه البالغة سنتين ونصف السنة، في أحد أسوأ السجون سمعة في روسيا، بهدف إذلاله وكسر معنوياته وفق إحدى الصحف الروسية.
صحيفة “موسكو تايمز” تناولت في تقرير نشرته أواخر الشهر الماضي، الظروف القاسية التي ستواجه نافالني في سجن يطلق عليه “فلاديمير” وهو من أسوأ سجون روسيا سمعة، ويقع في منطقة نائية تبعد عن موسكو نحو ثلاث ساعات.
الصحيفة استعانت بشهادة سجناء سابقين قضوا مدة عقابهم في ذلك السجن الذي يرمز إليه اختصارا بـ IK-2 وهو سجن صارم للغاية يضم مدانين بجرائم قتل وتجارة مخدرات، إضافة إلى أنه يعتبر أفضل مكان يمكن أن يُذل فيه السجين وتكسر إرادته بعد تعريضه للتعذيب بوسائل ممنهجة.
“كونستانتين كوتوف” سجين روسي قضى عامين في IK-2 بعد اعتقاله خلال احتجاجات انتخابات صيف 2019 في موسكو وإدانته بموجب قانون مثير للجدل يجرم المشاركة “المتكررة” في التجمعات غير المصرح بها، أوضح للصحيفة أن روسيا لديها أربعة أنواع من السجون العقابية، ولكل منها نظام مختلف حسب خطورة جرائم النزلاء.
فعلى سبيل المثال، يوجد في السجن الذي سيقضي فيه نافالني مدة محكوميته، نظام يُسمى “النظام العادي”، حيث يتم إيواء السجناء في ثكنات كبيرة تتسع كل منها لما يصل إلى 150 سريرًا.
وقال كوتوف: “أخبرني النزلاء الذين قضوا وقتًا في سجون مختلفة في جميع أنحاء روسيا أن سجن IK-2 هو الأفظع على الإطلاق، الحراسة فيه مشددة، ويضم مجرمين مدانين بجرائم خطيرة للغاية”.
“فلاديمير بيريفيرزين” هو مدير سابق في شركة النفط “يوكوس” حكم عليه بالسجن 7 سنوات بتهم تتعلق بالفساد قبل نحو 10 سنوات، وصف في مذكراته آخر عامين في سجن IK-2، وقال للصحيفة عبر اتصال هاتفي من مكان اقامته في برلين: “من المؤكد أن نافالني سيعيش أوضاعاً صعبة”.
وأوضح: “الظروف قاتمة بالتأكيد هناك.. يقع السجن بجوار مستنقع، الطقس بارد ورطب، والطعام سيئ للغاية.. وهو مكان يشهد أحداث عنف على الدوام”.
أثار قرار نقل نافالني إلى IK-2 قلق العاملين في مجال حقوق الإنسان، وقال “بيوتر كوريانوف”، المحامي في منظمة الدفاع عن حقوق السجناء غير الحكومية، إنه صُدم عندما سمع لأول مرة بنبأ نقل نافالني إلى سجن “فلاديمير”.
وأوضح لصحيفة موسكو تايمز: “الوضع هناك خارج عن القانون تمامًا.. يسعون دائما لإذلال السجناء.. الأمور السيئة تحدث هناك منذ فترة طويلة”.
وأوضح: “معظم السجناء في IK-2 حكم عليهم بتهم تتعلق بالمخدرات والسرقة والقتل، إلا أن السجن يستضيف في بعض الأحيان سجناء سياسيين بارزين، مثل “بيريفيرزين” و”كوتوف” والناشط “ديمتري ديمشكين” الذي قضى عامين في IK-2 بتهمة التحريض على الكراهية.
الناشط ديمشكين وصف عبر رسائل متبادلة بينه وبين الصحيفة الروسية الفترة التي قضاها في IK-2 وكتب: “السجن مثال صارخ عن التعذيب”.
ولفت إلى أنه أمضى أشهره الثمانية الأولى في السجن في القطاع الثاني سيئ السمعة، والمعروف بين السجناء باسم “العاهرة”، حيث كانت الظروف هناك قاسية بشكل لا يوصف.
وقال: “مُنعت من التحدث إلى زملائي الآخرين.. كانت يدي دائمًا خلف ظهري عندما كنت خارج زنزانتي.. مُنعت من الذهاب إلى كنيسة السجن، ومُنعت من ممارسة أي أنشطة رياضية”.
اللافت ما صرح به “بيريفيرزين” والناشط “ديمشكين” للصحيفة، مرجحين عدم تعرض نافالني للعنف في السجن، ليس رأفة بحاله وإنما خوفاً من فضيحة وطنية ودولية قد تلحق بموسكو.
ما سبق لا ينفي تعرض كثير من نزلاء سجن “فلاديمير” إلى التعذيب إلى حد قتل بعضهم، ويؤكد ذلك شهادات أدلى بها نزلاء سابقون للصحيفة الروسية.
وكتبت الصحيفة في تقريرها: “ابتليت السجون الروسية بفضائح التعذيب منذ سنوات. في الأسبوع الماضي فقط، نشرت صحيفة نوفايا غازيتا الروسية المستقلة، لقطات فيديو تظهر تعذيباً وحشياً بحق سجناء روس. أحدهم توفي بعد وقت قصير من تصوير تلك اللقطات”.
أليكسي سجين سابق يبلغ من العمر 57 عامًا طلب حجب اسمه الأخير، أمضى عامين في IK-2 بتهمة السطو وإطلق سراحه الصيف الماضي، قال لصحيفة موسكو تايمز، إنه تعرض للضرب بشكل متكرر على أيدي الحراس والسجناء خلال فترة وجوده في السجن. وأوضح: “هناك نظام كامل يسمح بالعنف والإذلال يوميًا”.
ولم تستجب إدارة IK-2 لطلبات الصحيفة الروسية للتعليق على ما سبق.
العزلة النفسية
من المقرر أن يقضي نافالني أسبوعين في الحجر الصحي عند وصوله إلى سجن “فلاديمير” والذي يقع في القطاع الثاني سيئ السمعة.
ويُجمع السجناء السابقون الذي تحدثت معهم الصحيفة الروسية أن السلطات اختارت وضع نافالني في IK-2 لأنها فعالة للغاية في “العزل النفسي”.
فعلى سبيل المثال لا تسمح إدارة السجن برسائل البريد الإلكتروني إضافة إلى إهمالهم المتعمد للرسائل المكتوبة، واحتمالية أن يجد نافالني نفسه معزولًا عن السجناء الآخرين.
كما لا يسمح للسجناء بالتحدث عن السياسة أو الدين، ويمنعون من مشاهدة أي محطة تلفزيونية باستثناء محطة التلفزيون الرسمية التي تسيطر عليها الدولة.
وكانت محكمة في موسكو قضت بسجن المعارض الروسي أليكسي نافالني، بعد عودته من برلين مدة ثلاثة أعوام ونصف بموجب حكم سابق صدر عام 2014، تُحذَف منها الأشهر التي أمضاها في الإقامة الجبرية في ذلك العام.
واعتبرت المحكمة التي انعقدت في شهر فبراير الماضي، أن المعارض الروسي انتهك شروط المراقبة القضائية التي أرفقت بعقوبته.
وتعرض نافالني لمحاولة اغتيال عبر تسميمه بغاز الأعصاب “نوفيتشوك” في أيلول/ سبتمبر الماضي، نقل على إثرها إلى ألمانيا لتلقي العلاج الطبي.