آن روز تستعيد ذكري الإنقلاب العسكري في ميانمار
- شن الجيش حملات قمع عنيفة وبلغ عدد الذين قتلوا ف نحو 1318 مدنياً
- فعلت ما فعلته لأن الله منحني القوة والشجاعة لإنقاذ الأرواح
خلال الاحتجاجات الدامية التي أعقبت انقلاب فبراير/شباط 2021 في ميانمار، انتشرت في أنحاء العالم صورة مؤثرة تظهر فيها الراهبة آن روز نو تاونغ وهي جاثية على ركبتيها بذراعين مفتوحتين أمام جنود مدججين بالسلاح، وكان ذلك محاولة منها لإنقاذ مجموعة من المتظاهرين الشباب الذين التجأوا إلى كنيستها.
الآن، بعد مرور عام على الانقلاب الذي أطاح بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا، ما هو رأي آن روز نو تاونغ؟ وكيف ترى مستقبل البلاد؟
كانت ميانمار شهدت احتجاجات عارمة عقب الانقلاب العسكري، الذي أطاح بالزعيمة المدنية أونغ سان سو تشي بعد انتخابات، حقق فيها حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بزعامة سو تشي فوزاً ساحقاً.
وخرجت مظاهرات حاشدة مؤيدة للديمقراطية في الشوارع في جميع أنحاء البلاد، كما أدت حملة عصيان مدني إلى تعطيل الأعمال والعمليات الحكومية والخاصة.
ورد الجيش حينها ببيان جاء فيه “إن المحتجين يحرضون الناس، خاصة المراهقين المدفوعين بالعاطفة والشباب، على المواجهة، وسيؤدي بهم هذا إلى خسائر في الأرواح”.
وشن الجيش حملات قمع عنيفة، وبلغ عدد الذين قتلوا فيها حتى ديسمبر/ كانون الأول الماضي نحو 1318 مدنيا، من ضمنهم 93 امرأة، وفقا لجمعية مساعدة السجناء السياسيين، وهي منظمة حقوقية غير ربحية.
والأخت آن روز، قابلة متدربة، وهي تدير عيادة خاصة للفقراء في ولاية كاشين.
وفي 28 فبراير/شباط من العام الماضي، كان عدد من المتظاهرين قد تجمعوا بالقرب من العيادة حاملين لافتات تطالب بعودة الديمقراطية، عندما وصلت الشرطة.
تقول الأخت آن روز نو تاونغ لبي بي سي “وصلت عربات الشرطة والجنود وخراطيم المياه وقاموا بضرب المتظاهرين وفتحوا عليهم النار واعتقلوا بعضهم، كان الناس يركضون ويبكون، وقد انهار بعضهم”.
وشعرت الأخت آن روز أنها “لا تستطيع تحمل” مشاهدة مثل هذا العنف، كما تقول، وقررت أن تحاول حماية المتظاهرين، حتى لو كان هذا سيعرض حياتها للخطر.
فخرجت وواجهت الشرطة بنفسها.
وهي تتذكر تلك اللحظة قائلة “الفكرة التي خطرت ببالي حينها هي: سأموت اليوم “.
“أطلقوا علي النار بدلا منهم”
وتروي الأخت آن روز ما حدث حينها بالقول “ناشدتهم (رجال الشرطة) أن يطلقوا النار علي بدلاً من إطلاقها على المتظاهرين” ، وتؤكد “كنت على استعداد للموت في ذلك اليوم. بل، اعتبرت نفسي ميتة أصلا”.
وبينما كانت الأخت آن روز تواجه الشرطة، تمكن المتظاهرون من الهرب بأمان.
تقول الأخت آن روز إنها ما زالت حتى اليوم تشعر بالدهشة تجاه التصميم الذي امتلكته حينها، كلما شاهدت تلك الصور.
“ما كنت لأتمكن من القيام بذلك اعتمادا على شجاعتي وقوتي، لكنني فعلت ما فعلته لأن الله منحني القوة والشجاعة لإنقاذ الأرواح”، كما تؤكد.
وتضيف “في الحقيقة، فأنا أيضا إنسان، وأخشى الموت. لكنني أثمّن حياة الشباب أكثر مما أثمّن حياتي”.
وعلى الرغم من توسلاتها في ذلك اليوم، دار الجنود حول مبنى الكنيسة، وفتحوا النار على المتظاهرين من الجانب الآخر.
وأصيب اثنان من المتظاهرين في الرأس، وأحدهما توفي على الفور. كما أصيب آخرون بجروح خطيرة، وكانت إصابات بعضهم شديدة في الأعضاء الداخلية، في حين قطعت أطراف بعضهم الآخر تقريبا بسبب وابل الرصاص.
وتقول الأخت آن روز “لقد صُدمت، لم أكن أتوقع أنهم سيكونون بهذه القسوة” ، كان المكان كأنه فعلا ساحة للحرب”.
بعد مرور ما يقرب من عام على تلك الأحداث الدامية في ميانمار ، تقول الأخت آن روز إنها تتلقى زيارات من بعض الناجين وعائلاتهم.
وتشير إلى أنهم قد شكروها بحرارة على إنقاذها حياتهم. كما حازت الراهبة على تعاطف عالمي وإشادات دولية.
رغم التقدير العالمي لموقف آن ورز الشجاع ولما قامت به، فالوضع على الأرض في ميانمار لا يبشر بالخير، كما ترى الأخت آن روز، التي تكشف عن اعتقادها بأن الآفاق المستقبلية قاتمة.
وهي ترى أن الشباب “فقدوا الأمل” بالاحتجاجات السلمية، وانضم العديد منهم إلى المقاومة المسلحة، وهم يتلقون تدريبات عسكرية في الخفاء. ويبدو أن ميانمار على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية.
وتقول “يشعر الشباب أن الاحتجاجات لم تعد مفيدة، وكل ما تؤدي إليه هو خسارة الأرواح ، (وهم يعتقدون) أنه لم يعد من الممكن المطالبة بذلك بشكل سلمي، وبغض النظر عما يطالبون به، لن تكون النتيجة إلا أن يقتلوا أو يُسجنوا”.
تقول الأخت آن روز إن الناس تذوقوا “طعم الديمقراطية” في ميانمار خلال الفترة ما بين نهاية الحكم العسكري عام 2011 وانقلاب العام الماضي، ولا يريدون أن تعود بلادهم إلى ما كانت عليه خلال معظم السنوات السبعين الماضية.
وتقول الأخت آن روز إن الشباب عالقون عند مفترق طرق، وهم “يضحون بشجاعة من أجل وطنهم”.
وقد ترك الصراع السياسي وانتشار الوباء آثارا مدمرة على الاقتصاد وتعليم الأطفال والصحة والأوضاع الاجتماعية ككل في البلاد.
ورغم أن عيادة الأخت آن روز كانت في الأساس مخصصة للفقراء، فقد ساعدت أيضا أعدادا متزايدة من الأثرياء، الذين تعذر عليهم الحصول على رعاية صحية بسبب الأوضاع الصعبة التي تواجهها المستشفيات.
وعدا عن محاولتها إنقاد المتظاهرين، وحديثها العلني عن ضرورة حماية المدنيين والأطفال، ساهمت الراهبة أيضا بشكل كبير في العناية بمرضى وباء كورونا في ولاية كاتشين.
وتشير الراهبة الكاثوليكية إلى أن السلطات في ميانمار نبهتها، وطلبت منها توخي الحذر في ما تقدم عليه، في حين يخشى قادة الكنيسة من أنها قد تتعرض للقتل، إذا ما وضعت نفسها في مواقف خطيرة مرة أخرى.
إلا أن الأخت آن روز تقول “لكن عليّ أن أدافع عن الحقيقة”. وتؤكد “لا بد لي من حماية الناس إن كانت هناك حاجة، وكلما اقتضى ذلك”.
وقد اختارت بي بي سي الأخت آن روز نو تاونغ ضمن قائمتها لـ 100 امرأة من الأكثر إلهاما وتأثيرا في جميع أنحاء العالم لعام 2021.
وقد قالت الأخت آن روز لبي بي سي حينها “رأيت بقلب يعتصره الألم ما حدث في ميانمار. لو كان باستطاعتي أن أفعل شيئا، لأطلقت سراح كل المعتقلين في السجون من دون مبرر، ولجعلت الناس سواسية من دون أي تمييز”.