فساد اتفاقيات المدارس الصينية في العراق
آثار إيجابية عديدة أحدثها تحقيق أخبار الآن ، بشأن اتفاقية المدارس الصينية في العراق والذي تم الكشف من خلاله عن ثغرات عديدة وأوجه فساد في الاتفاقية المبرمة بين الحكومة العراقية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي ونظيرتها الصينية .
فبعد فترة وجيزة من نشر التحقيق ، كشفت لجنة التربية النيابية عن نسب إنجاز المدارس النموذجية ضمن الاتفاقية الصينية مبينة إنها لا تتجاوز 10%.
كما رصدت وزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة تباطؤ إحدى الشركات الصينية المكلفة بتنفيذ مجموعة من المدارس في جانب الرصافة ضمن مشروع إنشاء الألف بناية مدرسية .
كما تحركت جهات نيابية عدة عقب أقل من شهر على نشر التحقيق تمثلت بعقد اجتماعات واستجوابات للجهات المشرفة على تنفيذ المشروع لدى الحكومة وطرح ما جاء من معلومات في التحقيق .
وهو ما دفع نحو تحرك من قبل الحكومة والشركات المقاولة الفرعية والصينية للتحرك سريعا، اتخاذ عدة خطوات لتحسين مواد البناء و التواجد الصيني في المشاريع وتسليم عدد من المدارس في الوقت المحدد لها .
ومن جانبها طالبت لجنة التربية في مجلس النواب بتفاصيل العقد الصيني وبيان بنسب الإنجاز المحققة على أرض الواقع خلال استضافتها وفداً من اللجنة العليا لبناء المدارس عقب نشر التحقيق.
وشددت اللجنة على ضرورة تزويدها بجداول مفصلة عن أعداد مواقع هذه المدارس في كل محافظة وأنواعها من حيث الصفوف وتاريخ بدء العمل وتاريخ التسليم ، وتكلفة عملية البناء بالإضافة إلى نسب الإنجاز الفعلي ومقارنته مع المصروف الفعلي من تخصيص بناء هذه المدارس .
وكانت أخبار الآن قد نشرت تحقيقاً موسعاً، لتجيب عن مجموعة من الأسئلة وتكشف مزيد من التفاصيل ، حول تفاصيل صفقة بناء تلك لآلاف المدارس في العراق، و ما الغرض من غياب الجودة في عملية الإنشاء؟ لماذا لا تهتم الصين في الجودة في بناء مدارس العراق كما لو كانت في الصين؟ سؤال آخر غاية في الأهمية، ما الذي يدفع المقاولين العراقيين إلى عدم إعطاء معايير المتانة والجودة الأولوية، فيما مَنْ سيرتاد تلك المدارس هم أبناء العراق؟.
وتمكّنت أخبار الآن من الحصول على تسجيل سرّي، وهو حديث دار بين أحد موظفي الأمانة العامة لرئاسة الوزراء إبّان حكومة الكاظمي العام 2022، وأحد المقاولين قبل تاريخ توقيع العقد.
وفيه أنّ الموظف الحكومي يبلغ المقاول بضرورة إحضار التوكيلات وتجهيز الأوراق المطلوبة للحصول على عقود ثانوية من الشركات الصينية حال توقيعها العقد، وذلك ما يؤكّد أنّ العقد الصيني وُزّع كحصص لجهات وأحزاب نافذة حتّى قبل أن يتم التوقيع والشروع بعقد المدارس الصينية.
وهو ما يخالف قرارات سابقة اتخذتها الحكومة العراقية، وتحديداً في عهد حكومة العبادي 2014-2018 بمنع الإحالة على مقاول ثانوي بعد نماذج الفشل لمشاريع متلكئة سابقة اعتمدت على أسلوب المقاول الثانوي.
وبالتالي فإنّ الجهات المعنية والشركات الصينية قد خرقت العقد قبل توقيعه كون العقد يحتوي على نص واضح وصريح، يمنع التنازل عن العقد لجهة ثانية مطلقاً، كما أنّه يمنع إحالة أجزاء من العقد على مقاولين ثانويين إلّا بعد موافقة الحكومة العراقية.
لكن ما حصل ووفق تسجيلات ووثائق حصلت “أخبار الآن” عليها، يظهر أنّ المشروع قد بيع معظمه عبر التحويل إلى مقاولين ثانويين حتى قبل توقيع العقد.
وأنّ الشركات الصينية لم تكن سوى مجرّد واجهة اسمية تحصّلت على نسب الربح، ثمّ حوّلت المشاريع إلى شركات ومقاولين ثانويين، قبل توقيع العقد أو الشروع بالبناء.
تمّ الترويج للاتفاقية الصينية وأولى ثمارها مشروع المدارس، على أنّها نقلة نوعية ستعمل على جلب “الخبرات الصينية الجبّارة” إلى العراق وتطوير المهارات، وتقدّم أحدث التقنيات والمواصفات.
لكن ما أنْ انطلق مشروع المدارس الصينية و بدأت شركات المقاول الثانوي بالعمل، حتّى ظهر بشكل واضح غياب شبه تام للكوادر الصينية… فبعد أشهر من إطلاق المشروع، بدأ يطفو على السطح الكثير من الشكاوى حول المواصفات وطرق بناء تلك المدارس.
وتواصلنا مع أحد المقاولين في محافظة كربلاء، والذي يعمل كمزوّد للمواد الأولية المستخدمة في بناء المدارس، للإطلاع على حقيقة ما يجري في تلك المشاريع. المقاول الذي طلب عدم كشف عن هويته حفاظاً على سلامته، أبلغنا أنّ “الشركات الصينية عمدت إلى منح المقاولات إلى شركة صينية ثانوية.
وتلك الشركة منحت المقاولات إلى شركات ثانوية أخرى عراقية، مؤكّداً أنّ عدد ممثلي الشركات الصينية المتواجدين في المحافظة محدود جدّاً، وبعضهم ليس مهندساً ولا يرتقي لتسميته فنّياً أصلاً”.
ومن خلال احتكاكه بهم عند مراجعته لغرض العقود، تبيّن له أنّ “البعض منهم كان يعمل في مجال الخدمات وبعيد كلّ البعد عن مجال المشاريع والبناء، ولا يمتلكون أيّ خبرة أو مهارة لا في الجانب الفنّي لعمليات البناء ولا حتى الإداري”.
وشخّص وجود “مشاكل كبيرة تخللت العمل سواء في بناء الهياكل أو الأسس، وأنّ المهندسين المحليين هم من بدأوا يصححون للكوادر الصينية من خلال زيارتهم للمشاريع حول الأسس والهياكل ومواد البناء المستخدمة، والتي يفضل الجانب الصيني أن تكون من أرخص المواد بغض النظر عن المواصفات والجودة”.
بالتزامن مع إعداد ذلك التحقيق، انهارت أجزاء من إحدى المدارس الصينية قيد الإنشاء في محافظة السماوة جنوب العراق، وعلى الأثر أعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء عن منع الشركة المجهّزة لهيكل البناء من العمل في الأبنية المدرسية الأخرى، وأرسلت وفداً فنياً من قبلها للإطلاع على الأسباب التي أدّت لانهيار أجزاء من المدرسة.
الخبير في شؤون النزاهة وقضايا الفساد سعيد ياسين، وهو عضو سابق في اللجنة العليا لمكافحة الفساد التي شكلتها حكومة عادل عبد المهدي العام 2018، قال لـ”أخبار الآن” إنّ “ذلك الأمر يثير الشبهات ويؤكّد وجود خيوط تقود إلى غاية توصل إلى الفساد”.
وسأل: “إذا كانت التصاميم عراقية والإشراف عراقي، فما الغاية من وجود الشركات الصينية وحصولها على مشروع المدارس بأسعار مرتفعة؟ وهل كانت مجرد وسيط لمنح كلّ تلك الأموال والحصول عليها لحساب جهات معينة”.
مليارات الدولارات و 100 ألف برميل نفط يومياً من العراق للصين مقابل مدارس غير آمنة للطلاب!