استيقظت ذات يوم باكرا في مدينة تل أبيض على أصوات مظاهرة تعلو فيها هتافات الثورة ارتديتُ ثيابي بسرعة وأمسكتُ كميرتي ورحت أركض في شوارع المدينة باحثة عن المتظاهرين، رأيت المظاهرة وعندما تقصّيتُ عنها علمتُ من أحد المشاركين فيها أنها مظاهرة للنازحين تنادي بتحسين الأوضاع المعيشية والإلتفات أكثر لأوضاع من شُرِّدَ في وطنه فحملتني هتافاتهم للتعرف أكثر على أوضاعهم طلبتُ من أحد الأصدقاء أن نذهب معا إلى إحدى مدارس النازحين للإطلاع على أوضاعهم عن قرب وعند ذهابنا رأينا حالات وسمعنا قصصا لعشرات النازحين.
أثناء تجوالي في أرجاء المدرسة لفتت انتباهي طفلة كانت تجلس بالقرب من الباب حاملة بيدها دمية اقتربت منها وأخذت ألتقط صورا لها، كانت تجلس بمفردها بعيدا عن الأطفال الذين يلعبون في باحة المدرسة، لم تكترث بي ولم تكترث حتى لضوء الكاميرا.
بدأت أسألها بعض الأسئلة بلطف محاولة التقرب منها ما إسمك يا صغيرتي؟؟ ومن أين أنت؟؟ فأجابتني بخجل شديد دون النظر إلي “ليلى .. اسمي ليلى من ريف حلب أتيت أنا وامي وابي واخوتي إلى هنا”، حاولتُ ملاطفتها فمددت يدي إلى لعبتها فضمتها بشدة إلى صدرها وبدأت بالبكاء، لم أدري ماذا أفعل ضممتها بين يدي علّي أستطيع تهدأتها عند سماع والدتها بكائها أتت مسرعةً، اعتذرت لها ورويت لها ما حصل فأمسكت بيد ليلى الصغيرة وأخذت تروي لي قصتها فتبين أن هذه اللعبة هي الشيء الوحيد الذي بقي لليلى من منزلها عندما استيقظت وعائلتها في ساعات الفجر الأولى على أصوات القذائف التي أخذت تنهال على قريتها الصغيرة.
كانت ترقد في فراشها تضم دميتها عندما بدأت أصوات القصف تدب في أرجاء القرية فاستيقظت مذعورة وهي تسمع تلك الأصوات وبدأت بالبكاء حالها حال إخوتها الأربعة عند اشتداد القصف أمسكت والدتها بيدها وأيدي إخوتها وأخذوا يركضون في الشارع مع والدهم باحثين عن أي وسيلة للنقل تبعدهم عن القرية.
في هذه الأثناء وقفت والدتها أمام إحدى السيارات وبدأت بالبكاء وراحت ترتجي سائق السيارة أن يقلّهم خارج القرية، وافق الرجل وصرخ لكي يسرعوا في الصعود وانطلقوا خارج القرية لا يحملون معهم سوى دمية ليلى إلى أن وصلوا إلى هذه المدرسة.
قصة ليلى تشبه قصص أطفال كثر في سوريا لكنّها قد تكون أكثر حظا منهم، إذ ان كثيرا من الأسر السورية خرجت من ديارها وشرّدت دون أن يسعفها الحظ وتجد مأوى مناسبا تلجأ إليه.